بيان صالح
معًا لنحوّل كل يوم إلى يوم نضال من أجل تحقيق المساواة الحقيقية للمرأة في المجال العام (السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي) والمجال الخاص داخل الأسرة والبيت.
لطالما كانت قضايا المرأة محورًا للنقاشات الفكرية والسياسية والاجتماعية، حيث تعددت المدارس الفكرية التي تحاول تفسير أسباب اضطهادها وسبل تحقيق مساواتها. في هذا السياق، تظهر بعض الحركات النسوية التي تفسّر هذا الاضطهاد على أنه ناتج بشكل حصري عن النظام الذكوري (البطريركي)، معتبرةً أن النزعة الذكورية للسيطرة هي العامل الأساسي في دونية المرأة، متجاهلةً العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر بشكل جوهري في تكريس هذا الاضطهاد.يرتكز الخطاب النسوي لبعض الحركات على فكرة أن الرجل هو العدو الأساسي للمرأة، مما يدفعها إلى الدعوة لتوحيد جميع النساء ضد جميع الرجال، باعتبارهم المصدر الرئيسي للظلم. وهذه النظرة، رغم نواياها في تحقيق التحرر، تعاني من اختزال مفرط لقضية معقدة. إن افتراض أن العلاقة بين الجنسين تقوم فقط على التناقض والصراع يعني إلغاء أي فرصة لتحقيق المساواة، كما أنه يعزز تصورًا بأن الاضطهاد واقع أبدي لا يمكن تجاوزه طالما وُجد الرجل والمرأة في المجتمع. هذه الفكرة تؤدي بالضرورة إلى التركيز على الفوارق البيولوجية بين الجنسين باعتبارها جوهر الصراع، مما يشتت النضال الجذري ضد النظام الرأسمالي الطبقي، الذي يُعدّ المصدر الرئيسي للاضطهاد والاستغلال. ففي الوقت الذي يجب أن يكون فيه النضال مشتركًا ضد البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تؤدي هذه الحركات إلى تقسيمه على أساس النوع الاجتماعي.
لا يمكن إنكار أن هذه الحركات النسوية قد ساهمت في تحقيق مكاسب لصالح النساء، سواء على مستوى الحقوق السياسية أو القوانين التي تضمن المساواة، أو تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لهن. ومع ذلك، فإن هذه الحقوق تظل مهددة دائمًا بالتراجع في ظل الأزمات الاقتصادية التي يشهدها النظام الرأسمالي. فالواقع يثبت أنه في كل أزمة اقتصادية، تكون النساء هن الفئة الأكثر تضررًا، حيث يفقدن وظائفهن بمعدلات أعلى من الرجال، مما يزيد من أعبائهن الاجتماعية والاقتصادية. وهذا يؤكد أن أي نضال نسوي لا يأخذ في الاعتبار البنية الاقتصادية للمجتمع يظل عرضة للفشل أو فقدان المكتسبات التي تحققت بالنضال الطويل الأمد.
في عصرنا الحالي، لا تزال المرأة تواجه تحديات كبيرة، ليس فقط من قبل الأنظمة الاستبدادية أو القوى اليمينية المتطرفة، بل أيضًا من قبل التيارات الرجعية في الدول الغربية نفسها. ففي الولايات المتحدة مثلًا، نجد توجهات سياسية، كما هو الحال مع ترامب و”الترامبية”، تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء من خلال قرارات مثل تقييد حق الإجهاض وإعادة فرض قوالب نمطية تحصر الأدوار الجندرية في ثنائية جامدة بين الرجل والمرأة.أما في مناطق أخرى من العالم، فإن الواقع أكثر قسوة ووحشية، حيث يتم سلب الطفولة من الفتيات من خلال تشريعات تسمح بتزويجهن في سن مبكرة، كما هو الحال في العراق، حيث يمكن تزويج الفتاة في سن التاسعة حسب القوانين الجديدة. أما في أفغانستان، في ظل الحكم القروسطي لطالبان، فقد شهدنا تراجعًا خطيرًا في حقوق المرأة، حيث تُجبر النساء على العودة إلى حياة أقرب إلى العبودية، محرومات من التعليم، والعمل، وحتى من مجرد الظهور في الفضاء العام.
إن تحقيق المساواة الحقيقية للمرأة يتطلب نضالًا جماعيًا لا يقتصر على النساء فقط، بل يشمل الرجال أيضًا، لأن قضية المرأة ليست مجرد قضية المرأة، بل هي قضية تتعلق ببنية المجتمع ككل. التحرر الحقيقي لا يمكن أن يتحقق دون تغيير الأنظمة الاقتصادية والسياسية التي تعزز الاستغلال الطبقي والتمييز الجنسي.ختامًا، أدعو كل إنسان-ة، سواء كان رجلًا أو امرأة أو أي جنس آخر، إلى دعم نضال المرأة اليومي في ظل هذا النظام الرأسمالي المتوحش.