د . صباح ايليا القس
أديب من ادباء العصر العباسي شاع لقبه بديع الزمان الهمذاني وغاب اسمه أحمد بن الحسين .. يذكره التاريخ الادبي ويشير الى ذكائه وقابليته على الحفظ ما يسَّر له تحصيل علم واسع في اللغة والادب ..
كان عجيب زمانه لقوة ذكائه وسرعة بديهته واتساع محفوظاته يشير كثير من الكتاب الذين دونوا سيرته حتى قالوا انه صاحب عجائب وبدائع وغرائب منها انه كان بامكانه ان يحفظ قصيدة من خمسين بيتا فاذا انتهى منها شاعرها وجدته يؤديها من غير ان يضيف اليها او يحذف منها او يتجاوز على حرف أو يخل بالمعنى .
وكان من ذكائه اذا اختبره احد ان يقترح عليه إنشاء قصيدة في موضوع معين ولو فيه غرابة فما هي إلا دقائق حتى ينتهي من انجازها من دون ان يكون لها مثيل سابق او تقليد لشاعر بائد ..
هذا ما يخص اللغة العربية لكنه متمكن ايضا من الفارسية وقادر على الترجمة من الفارسية الى العربية ومن العربية الى الفارسية كل ما يعهد اليه من الشعر والنثر ..
يقترن اسم بديع الزمان الهمذاني مع الحريري لانها خير من ابدعا في فن المقامات وقد يذهب الظن الى المقامات الموسيقية ولكن فن المقامة ليست له علاقة بالفن الموسيقي اذ هو فن نثري شاع استعماله في العصر العباسي اشتمل على الفن القصصي حتى جعله بعض النقاد من اوائل فن القص اذ لم يكن العرب يعرفون كتابة القصص في أدبهم ولم نجد في التراث العربي قصصا سوى ما جاء في حكايات الف ليلة وليلة وكذلك ما جاء في كتابات الهمذاني والحريري من المقامات التي يستطيع القارئ ان يتعرف عليها عند الاطلاع على مؤلفات هذين الكاتبين .
لست الان بصدد الحديث عن فن المقامة اذ من الممكن ان اكتب في هذا الفن مقالا نحلل فيه هذا الفن ..
لكني في هذا المقال أحببت ان اشير الى شاعريته وقدرته على الصناعة الشعرية وتمكنه من الاغراض الشعرية التي عالجها شعراء ذلك العصر .
يقول في المدح :
ألم ترَ إني في نهضتــــــي لقيت الغنى والمنى والاميرا
ولما التقينا شممتُ التراب وكنت امرأ لا أشمُّ العبيـــرا
اذا ما حللت بمغانهــــــم رأيت نعيما ومُلكا كبيــــــرا
وله في المواعظ :
يا حريصا على الغنى قاعدا بالمراصــــــــد
إن دنيــاك هــــــــــذه لست فيها بخالـــــــــد
والحكمة واضحة لا سيما في البيت الثاني لان المواعظ لا بد ان تكون تشتمل على النصح والارشاد والحكمة .
وقال في التذكير في الحياة والموت :
نستبيح الدهر والايــــــام منّا تستبيح
نحن لاهون وآجال المنى لا تستريح
وقال في غدر الدنيا :
فاغنم الايام ما الفيتها خضــر المراعي
انما نحن من الدهـــر بواد ذي سبــــاعِ
لا تـــــدع لــــــــذة العيش عيانا لسماعِ
هناك دراسات جامعية كثيرة عن مقاماته لكني لا اعرف احدا من الدارسين تناول شعره بالدراسة.