أرزاق الناس خط أحمر

عاطف المغاوري

طالعت خبرا خارج سياق أجواء العيد وما تصاحبه من أخبار سارة، أو هو خارج سياق التراحم، أن الحكومة العراقية الاتحادية أوقفت رواتب موظفي إقليم كردستان، بقرار وزيرة المالية المخالف للدستور وقرارات المحكمة الاتحادية العليا، ليضار به أكثر من ستة ملايين مواطن بالإقليم.
دائما ما كنا نتابع أخبار الخلافات السياسية بين أربيل وبغداد منذ إقرار النظام الفيدرالي بدستور 2005، والذي يفسره البعض على هواه ويحاول إعادة إنتاج الحكم المركزي بسوءاته في بلد متعدد العرقيات، لكن الرهان دوما كان على سعي العقلاء من الساسة والقادة نحو توثيق الروابط والعلاقات وتعظيم نقاط الاتفاق وتغليبها على نقاط التباعد والخلافات، خاصة أن العراق الجديد ظل يبحث منذ عقدين عن استقراره وتطلعه نحو المستقبل ليعود قوة مضافة لشعوب المنطقة.
حضرت أزمة رواتب الموظفين في كردستان بافتعال بعيد عن المنطق، فالمرتبات فى عرف الحكومات خط أحمر فلا يجوز استخدامها كوسيلة ضغط على قوى سياسية أو مواطني الدولة، بإيقافها أو تأخيرها، لأن ذلك الفعل يعد مساسا بحياة المواطن الذى لا ذنب له، فعند لقمة العيش تتوقف لديه سيرة السياسة وخلافات ممارسيها.
ونحن كعضو في مجلس النواب المصري وسياسي في أكبر حزب يساري، نراقب عن كثب التطورات السياسية والجوسياسية فى المحيط الإقليمى والدولى، وننتظر من العراق الحبيب بكل مكوناته أن يكون دوما نموذجا للتعايش، دون إقصاء واستبعاد لأي من مكوناته، لذا ننتظر أن تسارع الحكومة الاتحادية فى بغداد. مراجعة موقفها وقرارها هذا بروح المسؤولية والتاريخ والتفكير السليم في المصير المشترك، واحتراما لكل الاتفاقات والوثائق التى تنظم الحقوق والواجبات لكافة الأطراف والمكونات.
إن حرمان بيوت عراقية في كردستان من دخول البهجة والسرور على أبنائها في عيد الأضحى المبارك، أمر لا يليق ببلد يسعى إلى الديمقراطية ولا حل لمشكلاته إلا بالحوار والتوافق والتوازن والشراكة، وهي متطلبات نجاح النظام الفيدرالي الأساسية، وإقليم كردستان جزء من العراق الحبيب، وعلى الحكومة الاتحادية إزالة أية معوقات تحول دون وصول الحق لأصحابه داخله، و الاقتناع بأن أرزاق الناس خط أحمر لا يجوز المساس به، بإيقاف أو تأجيل صرف رواتبهم التي تعتمد عليها عائلاتهم، وأظن أن معالي دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قادر على إنهاء الأزمة سريعا بقرار منه، ليؤكد على وحدة الصف الوطني والخطوات الجادة التى قطعها العراق حكومة وشعبا فى مد جسور الثقة والتعاون فى محيطه الإقليمي، وآخرها نجاحه في استضافة القمة العربية وتولى رئاستها لعام جديد، بالإضافة إلى ما يحققه العراق على. المستوى الدولى من العمل المشترك.
إن النمو والاستقرار والازدهار والأمن والسلامة أهداف تتحقق للعراق بإرادة سياسية للمخلصين من أبنائه كافة، والروابط العربية الكوردية تاريخية ممتدة بما يسمح بتجاوز الأزمات والتغلب عليها، وأقصر الطرق لذلك الهدف هو احترام الدستور وتقدير حقوق المواطنة، ونظن أن أي خطر يهدد البلد لا ينتقي معه العدو عنصرا أو عرقا بعينه كي يستهدفه، فتنظيم داعش الإرهابي كمثال أراد السيطرة على البلد كله واستهدف كل مكوناته.
حفظه الله العراق وكردستان وصان وحدة البلد ومكوناته كافة ونشر السلام بينهم، فتطوره أمنية لنا جميعا أحملها وأكررها كعضو بمجلس النواب المصرى وعضو بمؤتمر الحوار العربى الكوردى فى يونيو ٢٠٢٤ ببغداد والذ دعا إليه فخامة الرئيس العراقى حفظه الله.