التاخي – ناهي العامري
استضاف منتدى بيتنا الثقافي الكاتب والروائي زهير الجزائري لتقديم محاضرة بعنوان (شهادتي عن جيل الستينات).استهل الجزائري محاضرته عن بدايات وعيه الثقافي والسياسي، ففي العام ١٩٦٤ كان عمره ٢١ عاما حين انفصل عن مدينته النجف لينتقل الى بغداد للالتحاق بدراسته الجامعية، كلية اللغات، الواقعة بين الوزيرية والكسرة، ليعيش وحيدا في فندق (نزهة الشمال) بين ساحة الميدان وشارع الجمهورية. في ذلك الوقت تشكلت هوية جيل الستينات، خلال تجمعهم في مقهى (البلدية) التي تقع عند مدخل سوق السراي، وتعرف عليهم برفقة الشاعر عمران القيسي، حين بدأ بنشر أول قصة قصيرة في الملحق الثقافي لجريدة المنار، التي اشرف عليها الشاعر خالد الحلي، وقال الجزائري: كلنا ولدنا تقريبا في النصف الأول من الاربعينات، صحونا سياسيا مع ثورة تموز، وكنا ابناء تلك الثورة، بينما الجيل الذي سبقنا والد الثورة، فهم الذين هيأوا لها بشعرهم وكتاباتهم، ومن خلال ارتياده لباقي المقاهي تعرف على رواد الحداثة، فقد اصطحبه عمران الى مقهى البرازيلي ليرى عبد الملك نوري، فؤاد التكرلي، نزار سليم، بلند الحيدري، ويقول الجزائري عن علاقة جيله بالرواد: حدثت قطيعة بين جيلنا الستيني وبينهم، اكتنفتها الغيرة والتحدي، نهاجمهم كجيل منقرض وغريب عنا، مع اننا نحفظ قصائدهم عن ظهر قلب، نعيبهم على غنائيتهم وثباتهم، وهذا من عيوب الريادة، نأخذ عليهم اهتمامهم بالموضوع السياسي والاجتماعي على حساب الذات التي كانت موضوعنا.
عرج الجزائري الى الاماكن التي نشأ بها ذلك الجيل، فهم مجموعات مدنية نزحت لاحقا الى بغداد، في ذات الوقت تشكلت جماعة كركوك، وجماعة الناصرية وجماعة النجف، التي اطلقوا عليها جماعة الكهف الاخضر، وما يميز تلك الجماعات هو التضامن النرجسي ارتباطا بالمكان، لكل جماعة ميزة، فما يميز جماعة الناصرية هو ثوريتهم المتطرفة في تبني فكرة الحداثة ، احساسهم بالانتماء للجنوب الاكثر فقرا، المدينة التي شهدت ولادة الاحزاب المعارضة، وما يميز جماعة النجف الصراع المضاعف مع تاريخ حاضر من امتداد الشعر العمودي، يضاف له صراع مع المؤسسة الدينية، وميزة تفردت بها هي صدور مجلة الكلمة التي اعتبروها وعاء للادب الستيني. ووصف ذلك الجيل، انهم علمانيين في مدينة دينية، وطليعيين في مدينة محافظة، وشكل النقد جزءا من وجدانهم وموقفهم الاخلاقي من المجتمع ومن نظام الفضائل والرذائل المفروض على المجتمع ، وقال: اضحى احساسنا مزدوجا، تفوق معرفي واختلاف اخلاقي عن المجتمع ، رافق ذلك احساس بالعجز عن التغيير لاننا اساسا مهزومون، وهذا ما زاد من غربتنا المزمنة عن المدينة والعالم المحيط، وكلما اشتد الهجوم علينا ازددنا عنادا وتطرفا، وصار الوسطيون يتحاشونا او يقفون في المنطقة الرمادية، وهنا سحر التجديد.
واسترسل الجزائري في وصف الجماعات قائلا: تميزت جماعة كركوك بالتعدد القومي والإثني ، ففي بيوتهم يتكلمون الآشورية او التركمانية او الكوردية وفي المدرسة يتعلمون العربية، ما جعل اللغة بالنسبة لهم فضاء للمغامرة، كلهم تقريبا جاءوا من اليسار ودفعوا الثمن سجنا وتعذيبا خلال مجازر ١٩٦٣، ومعظمهم يجيد الانكليزية بسبب العلاقة مع شركات النفط ، وتعد جماعة كركوك الداينمو الذي حرك جيل الستينيات.
ثم تطرق الى الرسامين من جيل الستينيات، فقد اتخذوا من مقهى ام كلثوم مقرا لهم، يرسمون جلاس المقهى وباعة الخرداوات في سوق هرج، لذا فان مجد الستينيون لا يقتصر على الشعر والقصة وقال في هذا الشأن: وجدت لاحقا ان مجد الستينيات يكمن في الفنون التشكيلية، منغمرين بعملهم بدل ان يبددوا الوقت بالاحاديث، ففي الستينيات وضع جواد سليم لمسته الفنية التي تجمع بين الحداثة والاصالة في ساحة التحرير.