معد فياض
للاسف استنسخت الفصائل المسلحة السورية، ومعها الاجهزة الامنية، التجربة العراقية بعد 2003، بعد سقوط نظام صدام حسين البعثي، من قيام مليشيات مسلحة نشطت بقوة في الاعوام 2005 و2006 و2007 في جر البلد في اقتتال طائفي شرس واجرامي، والقتل على الهوية بل وعلى الاسم. وهكذا هي التجربة السورية بعد اسقاط نظام بشار الاسد، البعثي ايضاً، حيث تنشط الفصائل المسلحة، المليشيات، في عمليات اجرامية تقع ضمن توصيف الاقتتال الطائفي او المذهبي الاجرامي.
الانباء ماتزال تتواتر عن استمرار الفضائع الدموية في محاولة ابادة اتباع الطائفة العلوية، وهناك وثائق بالصوت والصورة عن عوائل علوية في بانياس وطرطوس واللاذقية وقرداحة ابيدت بكاملها من قبل الفصائل المسلحة التي لا تنتمي لهذه المدن الساحلية، لا ذنب للضحايا سوى انهم علويون.
قبل يومين تحدثت مع عائلة تسكن في حي القصور في بانياس، وروت لي ابنتهم الشابة قصصاً حقيقية عن مقتل والدها وعمها امام عينيها وعين والدتها، حيث كانتا تختبئان في الطابق العلوي من البيت عندما “قوصوا المسلحون أبي وعمي، كان المسلحين قد سألوا ابي فيما اذا كان علوياً فقال نعم، وقبل ان ينهي كلامه كانت الرصاصات قد مزقت جسده وجسد عمي”. كانت تتحدث وتبكي، وعندما لم تعد قادرة على الحديث استلمت امها الموبايل لتقص بقية الفاجعة “قتلوا 15 شخصاً من جيراننا، وشابة تدرس الطب ووالدها وشقيقيها في بيتهم الذي يبعد مسافة 500 متراً عن بيتنا، ونحن الان في بيت اصدقاء لنا من السنة ويقيمون في نفس الحي”. كانت لوعة الأم تتلخص في ان عشرات الجثث مازالت في الشوارع وليس هناك من يدفنهم حيث ثلاجات المستشفيات مزدحمة بجثث الضحايا.
هذه القصص التي اكدها واضاف اليها احداث اخرى سمعتها وشاهدت بواسطة الفيديو، من قبل اكثر من شخص. هذه القصص ذكرتني بمشاهد بغداد وفي بعض المحافظات ما حدث من مجازر عام 2006، اتذكر كنت في سيارة تكسي ببغداد وقتذاك بعد ان عبرنا جسر الاعظمية، من جانب الكرخ الى الرصافة، فوجئت بسيارة نقل صغيرة (بيك آب) وهي تجمع الجثث في شارع كورنيش الاعظمية. الضحايا كانوا عراقيين، الجثث لم تتكلم ولم تعلن عن هوياتها الدينية او المذهبية سواء كانوا من السنة او الشيعة. كان السبب الوحيد لذبحهم هو دينهم ومذهبهم الذي لم يختاروه بأنفسهم.
وهذا ما يحدث في سوريا اليوم، الاقتتال على الهوية المذهبية، قتل العلويين بتهمة مناصرتهم للنظام السابق، مع ان غالبية عظمى منهم لم يكونوا مدللين من قبل بشار الاسد ودوائره الامنية، تماماً مثلما سنة العراق الذين كان صدام حسين واجهزته الامنية قد ظلموهم مثلما ظلموا الشيعة والكورد، ومن المؤكد كان نظام صدام قد أوغل بابادة الكورد في العراق اكثر من غيرهم.
كنا نتمنى على النظام الجديد في سوريا ان يتخذ احتياطاته ويدرس التجربة العراقية، وهي الاقرب لهم، بل ان الرئيس السوري الجديد، احمد الشرع، يعرف اكثر من سواه ما حدث في العراق بعد تغيير النظام خاصة وانه سجن في العراق لثمان سنوات. كان بالامكان حماية المذاهب والطوائف وخاصة العلويين كونهم مستهدفين من قبل الجماعات المسلحة القادمة من دير الزور وحماة وحلب وغيرها من المناطق المتطرفة. ولا ندري ان كان النظام السوري الجديد قد شجع على هذه الجرائم او شارك فيها من خلال عناصر وجماعات تابعة له ام لا؟.
من ضمن ما كنا ومازلنا نتمنى هو ان يستفيد النظام الجديد في سوريا من تجربة اقليم كوردستان، وبالذات من البارزانيين في التعامل مع الامور، حيث رفع الرئيس مسعود بارزاني شعار “عفا الله عما سلف” ووقف بشدة ضد العمليات الثأرية والانتقامية من منتسبي الجيش والعناصر الامنية العراقية في اربيل ودهوك والسليمانية، لاسيما وان دوائر الامن الصدامية كانت قد اقترفت جرائم يندى لها الجبين ضد الكورد.
في حوار صحفي سابق لي مع الرئيس مسعود بارزاني سألته عما جرى في انتفاضة الكورد عام 1991، قال: “مع اني اعرف ان شعبي متسامح لكني خشيت من حوادث الثأر والانتقام من عناصر الجيش والاجهزة الامنية العراقية، لكنني عندما خرجت الى شوارع اربيل وجدت ان المطاعم والفنادق اعلنت عن ان الاكل والمبيت مجاناً لمنتسبي الجيش العراقي، وان هناك عوائل كانت تطبخ الطعام في الشوارع لاطعام الجنود العراقيين وتمنح البطانيات مجاناً لكل من يحتاج لها”. يكمل الرئيس بارزاني حديثه قائلا: “وقت ذاك تأكدت من روعة شعبنا ومن روحهم المتسامحة الطيبة وشعرت بالفخر باني من هذا الشعب”.
مازال امام الحكومة السورية الجديدة ان تستنسخ التجربة الكوردية في التعامل مع الاحداث بروح متسامحة وان تسيطر على الفصائل المسلحة وتعمل من اجل بناء سوريا جديدة.
السوريون شعب طيب ومتسامح ولم يعرف الانقسام ولا التقسيم والتمييز بين مسلم وغير مسلم بمختلف طوائفهم واديانهم وقومياتهم. ويجب ان يتحقق ذلك اليوم، الان، وانقاذ ما يمكن انقاذه. قبل فوات الاوان.