نزيف الكلمات-القسم الرابع

دلزار اسماعيل رسول

لا اعرف لماذا اتجسس عليها من حيث تعلم و من حيث لا تعلم…اراقبها…احصي عليها انفاسها…أمارس جميع الطرق الملتوية لمعرفة اسرارها و ما تخبئه عني…
كنت فيما مضى اثق بها ثقة عمياء…ولكن بسبب تصرفات قامت بها لم اعد كذلك…صرت اراقيها خلسة من دون أن تشعر…ولا أخيرها بما اكتشفته عنها…رغم ذلك…هي لا تسقط من عيني…لا ادري لماذا…يمكن لأني حالة خاصة…تحير فيها الأطباء و العلماء و اصدقائي ….و انا…
و هذا بحد ذاته عذاب فوق العذاب…غيرتي و تصرفاتي و تضييقي عليها هو الذي سبب خسارتي لها فيما مضى…و اضحيت بعيدا عنها…اشتاق لها من بعيد و احنو الى أيامي لها…لذلك احاول هذه المرة ان اكون اكثر حيطة و حذرا…
حينما تحرص على الاحتفاظ بما تحب…سوف تفقده باصرارك وراءه و البحث المضني حوله و النبش فيه…لذلك دائماً ما يلومونني لذلك، أنت اذا عشقت ، أحببت بجنون، و ناديت ، فليسمع العالم اني احبها….و اذا كرهت ، حقدت و قلت على الملأ اني اكره فلان ، ولم تأبى بما تلاقي وراء تصرفك هذا…
القلوب على ماذا تجتمع و على ماذا تختلف…ما اوجه التشابه بيني و بينها …ما هذا الاختلاف و ما هذا الأتلاف و ما هذا الصراع بينهما …لا اعرف ما هو جواب كل تلك الاسئلة الازلية، و اتمنى أن اجد لها جوابا يوما ما…الكثيرون يقولون لي، هناك اختلاف كبير بينك و بينها، فانت في وادي، و هي في وادي اخر، لا يجمعكم جامع…ولكن هي سلبت تفكيري لاعوام عديدة، ولم تفارقه، و تشغلني ، مواطن اجتماعنا، اكثر من افتراقننا…
حينما اخرج من قريتي و ارى راعيا يرعى غنمه في البرية…كم اغبطه و احسده على مكانته….فهو لم يجرب متع الحياة و لا يعرف اكثر من حدود قريته الضيقة…و حين يرجع الى بيته…لم يتعرف سوى على ملكة بيته، كيفما كانت، بكل محاسنها و مثالبها، فهو لم يرى غيرها ….
تراني اجدها بسيطة جدا و احيانا اخرى معقدة جدا و احينا اراها بريئة جدا و احيانا مذنبة جدا …فتراني اراها في كل الوجوه و في كل الاقنعة …فلا ادري اصدق ماذا و اكذب ماذا و اظل في حيرتي حتى الموت …
كن مذنبا او بريئا …فانا احبك في كل الوجوه و الاقنعة و بدون اقنعة …
لقد فجرت في الالم …فصار ينبوعا يجري دما …يدمر تارة و يبني تارة و يحرق تارة و يبرد تارة فلا ادري نفسي في أي وادي انا ….
لقد كان عشقا ثم صار الما ثم صار رمادا …ثم بعث الى الحياة مرة اخرى من تحت الرماد….
انظر إلى تاريخنا مع بعضنا البعض…كيف تحول إلى الام و عذابات تسيل منها دموع مهجتنا و تنهمر عليها دماء ارواحنا …و يقف على عتباتها شخوص كرهتم و بعتمة وجوههم اعرفهم…سعروا السعير و الهبوا الضمير الانساني…لو حاكمتهم، لما ناصفهم كل عقوبات العالم في نظرك…
رغم العذاب و الألم…لم تطأ قدماي مرفأ غيرك…ولم تنظر إلى وطن غير ارضك…فهنا قد حل أول اقامة دائمة لقلبي و فيها محياي و مماتي…
لقد اكتشفت في وطنك كل التضاريس القاسية فيها و الممهدة منها…و جربت الوجد على سفوحها و شربت من ماء انهارك…فكيف اقدر ان اغض الطرف عن كل هذا و أميل إلى اوطان اخرى و مرافىء غيرك
هل تعلمين أني كنت أصارع الموت من اجلك حينما كنت احاول أن اخرج من جلدي و أتحول إلى كائن اخر لكي يقدر ان يواكب حياتك و يتماشى معك رغم الامه و جروحه و يكلمك في أمور هي كنزول الصاعقة عليه…ولكني كنت اتحمل لقاء رضا عينيك …فلم يكن احب اليك غيري…لتشاوريه في كل مستجدات حياتك اليومية بصغيرها و كبيرها…سواي…و كنت اتجرع العلقم و أتشرب الاسى من اجل مقلتيك…
كنت اعرف بلا شك اني امهد الطريق لغيري ليهدم بيتي و اشحذ السكين له ليشهد على موتي…و رغم ذلك واضبت من اجل رضاك عني…ولكني سقطت اخيرا ولم اتحمل…لقد فشلت في مهمتي فشلاً ذريعاً و استسلمت و رفعت الراية البيضاء مذموما مدحورا…و هذا هو ديدني في كل النهايات…الثبور و الإخفاق و التدني و الامتهان للواقع المر…
انت يا منارة حياتي…كنت اتشبث بك رغم اني كنت اعرف ان الحلول على شاطئك فيها هلاكي و لكني قاومت و سبحت في هذا البحر المتلاطم الامواج لكي اصلك…حتى و انا منهك القوى و خائر البنيان…كان الاهم عندي ان نظل على تواصل و وئام….لكني فشلت و اعلن فشلي على الملأ و ليشهدوا على اعترافي…
لقد رجعت من الموت لكي اكتب وصيتي الأخيرة و اكتب كلماتي لكي تقر عينيك بها…فلا بوركت كلمات لم تختمي عليها بالتفاتتك…رجعت لكي اخرج كلمات طال احتباسها في قلبي …فقد اطت فؤادي و حق لها ان تئط..فلقد كان مثقلاً هائماً على وجهه ليس له قرار..
لقد كنت اخاف ان تفارقني… ففارقتك …..و كنت اخشى الابتعاد عنك…فابتعدت رغم انفي…و غبار الذكريآت تلاحقني أينما ذهبت…تلك الذكريآت كانت تتحول الى وحش هائم على وجهه…يطاردني ليلا و نهارا…ليقض مضجعي
حينما تريد أن تسد نقصا في حياتك، تفتح جرحا في قلبك، و هذا ديدننا دائما مع الحياة، فلا تقدر ان تعيش ناقصاً ، ولا ان تسير في الدرب مكلوماً، الكثيرين نصحوني بدرب السلامة، و التماشي مع نقصي…ولكني اخترت الطريق الصعب، أن ادخل غمار هذه المعركة الدامية، و اتحمل الامي…
لا ادري لماذا هذا الحزن بمثابة دمعة و بقعة زيت لا تفارق قلبي…فمن كل همسة، يفتح جرح، ومن كل كلمة، تبدأ قصة ألم، ومن كل موقف، يطل حزن و أسى …ما هذا الادمان الذي تعرف نهايته، و تستمر فيه، و الذي تعرف عياناً ، انك سوف تقضي بقية عمرك في غياهب سجن روحك …
لقد اطلت الكتابة عنها…و سوف اكتب عنك حتى آخر يوم في حياتي…فانت معين لا ينضب و نبع لا يجف….و بحر زاخر لا نهاية له….حتى يرفرف في السماء أكفاني…فالحديث معها لا ينتهي …سرا و جهرا…فإن لم اكلمها جسداً…كلمتني روحا و وجدانا…
على عظم الحب يكون عظم الجرح …فمن الحب ما أفنى و قضى و بتر و قتل…ولكن في النهاية كلنا سوف نلتقي في ساحة الشهداء…حينها سوف نقف و على هاماتنا انواط العشق العذري …و على وجوهنا هالات نور اللقاء …وفي أيدينا حبيباتنا…
حبك …اخضعتني لعمليات جراحية عميقة…يطول الامتثال للشفاء منها …و يحتاج زمناً…و فترة نقاهة….لذلك اترجاكي ان لا تعيدي القروح…و سلام روحي…لذلك التمس منك ان لا تثيري الحروب فيه…فانا لم استسلم بعد…و إذا استسلمت فأعلمي أني مت ولم يبقى في جسدي روح ينبض…
احيانا كثيرة اقول في نفسي انك مارست صنوف السحر على قلبي…بحيث اني لا ولن اقدر ان انظر لغيرك…ولكني ارجع إلى نفسي و اقول، ليس لها من خبث الساحرات ولا لها من شعوذة المتشعوذات…فهي بريئة براءة الذئب من دم يوسف…و بسيطة بساطة الماء الجاري على سفوح الجبال…و لذلك أحببتها و امعنت في حبها حتى بدت عظامي…
لم تكوني في يوم ما شخصاً عاديا في حياتي…طالما احببت أن ارجعك إلى خانتهم…ولكني لم اقدر ولن اقدر ابداً…فانت انت…ميزة مميزة بحد ذاته…لا يشبهك احد…ولا يحل محلك اي شخص…مهما حاولت…و يأبى قلبي ان يزيلك على عرشه…
لا أستطيع أن اقول كلمة حبيبتي…فهي ترجعني إلى ثاراتي و معاركي السابقة…مازالت زوبعاته تحيط بي…و الغبار المتناثر منه يتراكم علي…و الدماء مازالت تسيل من قلبي…
رغم كل ذلك…انت جاثمة على قلبي، لا تبارحيه لا ليلا ولا نهارا…اطوي الايام على ذكراك…و انشد الشعر في محياك…لا ادري ما هذا السلطان الذي اوقعتيه على قلبي و ما هذه السطوة التي تتمتعين بها…بحيث اني لا اقدر ان ارفع هامتي في حضورك الدائم…لسواك…
يا ترى هل نقدر ان نعيد بقعة من الأرض …من المساحات التي خسرناها فيما مضى…يا ترى هل نقدر ان نسترجع ولو بستانا صغيرا من الحدائق التي فقدناها…
اخاف من جرحي القديم…فإذا فتح من جديد فلن يشفى ابداً و سيقضي علي لا محالة هذه المرة…فطالما حذرني الحاذرون…و نبهني العالمون…ولكني لم أصغى لهم…و اضغيت الى هذا القلب الدامي…الذي اثخنته الجراح…
لقد صرت بين ليلة وضحاها…انساناً منهوك القوى…فاتر الجانب…مهزوز القول…اترجى اي حائط لكي استند اليه…و استنجد باي شيء لكي يخلصني من عذاباتي…كان قلبي يئن تحت ضغط هذه المشاعر المتكالبة…اكاد اسمع صوت انسحاقه….لقد رأيت الموت شاخصة أمامي…ولكني لم أمت …لقد مر الموت امامي مرارا وتكرارا في مشوار حياتي…ولكن هذه المرة كان اكثر الما و اوجع…لاني احببتك…و جاء المقتل من حيث لا تتوقع…و اتت الطعنات من اقرب المقربين منك في هذا العالم…
لقد كان قلبي طوع بنانك…توجهيه أينما شئت ، طينة طوعاء كيفما صنعتيه…ولكن لم تقدري أن تحافظي عليه…فقد كان بناية شامخة…فهدمتيه…حينما وضعتيه بجانب شخص عابر…و لم تنصفيه…فسيان بيني و بينه…فانا لست دمية لكي تقارني بيني و بينه…أيهما الأفضل…انا قمة الإنسانية…الذي احبك بأبهى صوره…ولن تجدي مثلي ابدا…صدقيني…

قد يعجبك ايضا