د. توفيق رفيق التونچي
(وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) قران كريم
في ظل نتائج الانتخابات النيابية لبرلمان دول الاتحاد الأوربي، هل تعاني شعوب اوربا من أزمة أخلاقية؟
التساؤل منطقي وجائز خاصة بعد الزيادة الملحوظة لدعم الأحزاب القومية ذو الجذور النازية بين معظم شعوب الأوربية في الانتخابات الأخيرة لبرلمان الاتحاد الأوربي. كنتيجة لعوامل عدة منها ظهور الحركات الدينية المتطرفة في دول الشرق وزيادة انعكاساتها على سلوك جميع المهاجرين الشرقيين في اوربا نتيجة لشعورهم بالتهميش وقلة فرص العمل والبطالة المتزايدة في المجتمعات الأوربية ناهيك عن تقوقع المهاجرين وانعزالهم في أحياء فقيرة على أطراف المدن الأوربية حيث حوادث الجريمة المتزايدة في تلك الأحياء وامور أخرى تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وكذلك بالنزاعات الداخلية الأوربية وخاصة الحرب الروسية واحتلالها للأراضي الأوكرانية الدولة المستقلة والتي كانت كذلك حتى إبان الحكم السوفياتي المنهار.
اثبت الانتخابات الأخيرة لبرلمان الاتحاد الأوربي توجها عنصريا واضحا لشعوب الاتحاد الأوربي الى اقصى اليمين المتطرف وذو الأصول النازية تعادل اكثر من 30% من أصوات الناخبين للدول الاتحاد ال 27 وتعداد سكان يربو على 448 مليون نسمة. الغريب والمتناقض ان تلك الحركات العنصرية تقف الى جانب روسيا في حربها واحتلالها لأوكرانيا وتساند إسرائيل في حربها في غزة.
أما قوى اليسار واليسار الاشتراكي فهي أيضا تعيش اليوم عدة تناقضات من تأييد إنشاء دولة فلسطين كحل الدولتين فيما تقف مجموعات من اليسار ضد إسرائيل وتساند ضمنا روسيا كذلك هذه الخريطة السياسية الأوربية تشبه تماما لوحات الرسام السريالي سلفادور دالي والأيام القادمات حبلى بالتناقضات.
كلنا هنا في الشرق سمعنا نكته او رويناها بشغف شديد وكل على طريقته الخاصة يرويها للناس عن أقوال وأفعال الشخصية الساخرة “جحا”. جحا على الأكثر شخصية خيالية ساخرة استخدم حكاياته الطريفة كأداة للنقد الحاكم وبعضا لمعارضة الأنظمة والكوميديا السوداء.
نجد هذه الشخصية في الشرق ويدعي كل شعب من شعوبها عادة هذه الشخصية إليهم حتى نجد ان هناك نصبا له في أحد المدن التركية رغم انه يسمى هناك نصر الدين هوجا وفي الكوردية ملا نصر الدين والعرب جحا وفي رومانيا نراه تحول الى بولا وفي السويد كارل يوهان بلمان.
استخدام الهزل والنكتة اللاذعة استخدم في معظم الشعوب خاصة حين ساد الظلم لان القائل يغمز ويلمز دون ان يرمي السهم مباشرة (إياك أعنى فاسمعي يا جاره) ويتحدث باسم شخص اخر خيالي لا يمكن معاقبته اي جحا.
التاريخ يخبرنا بالعديد من المجانين وذوي العاهات العقلية والأمراض النفسية المعقدة قادت الشعوب والأمم. لكن التجربة التاريخية تظهر كذلك بان البشرية قد وصلت الى حافة الانهيار مرات عدة والسبب طبعا كان هؤلاء المجانين. القيادة جنون بحد ذاتها والقائد يجب ان يكون من طبقة السوسيوبات لأنه او لانها تواجه معضلة بين ما يجب تنفيذها، وأعرافها الثقافية، وأخلاقها، وتربيتها.
الحرب كقرار احدى تلك القرارات التي بحد ذاتها هي جنون ومعظم هؤلاء اللذين اتخذوا قرار الحرب انتهوا الى مهملات التاريخ. لان تلك القرارات لم تأتي للبشرية بفائدة، بل الخراب والدمار وقتل البشر والبيئة المحيطة. خذ مثلا المصادقة على قرار الإعدام ولنفترض بان حالة واحدة من ملايين قرارات الحكم خاطئة اي المتهم بريء تماما كالرصاصة الطائشة التي تنحرف من مسارها رغم توفر جميع الظروف للوصول الى الهدف راجع مقالنا عن الرصاصة الطائشة على صفحات صحيفة قريش اللندنية. يكفي لاي قائد ان يخطا مرة واحدة في حياته ويكون سببا في قتل إنسان بريء.
أما هؤلاء ممن اتخذوا قرار الحرب كلهم بدون اي استثناء رجمهم التاريخ لأنهم تسببوا في قتل الملايين وخراب الديار وانهيار الاقتصاد وتأخير وتيرة التطور الإنساني. اما النصر والخسارة في تلك الحروب فهي مسالة تأريخية فكم من الأوطان كانت لغير الشعوب التي تقطنها اليوم واين أصبحت مماليكم وقصورهم.
مهرج السيرك معروف بإضحاكه للمشاهد وكذلك بعض السياسيين فمجرد يضحك السياسي الجمهور يتقبله ذلك الجمهور بسرعة وهذا ما اراد إظهاره الممثل العبقري شارلي شابلن في فلم الدكتاتور. الذي قام بتشخيص شخصية الدكتاتور ليشابه ادولف هتلر بحركاته وكيفية اللقاءات لخطاباته النارية.
حدث نفس الشيء حين قام ممثلين امثال عادل امام في مسرحية الزعيم ومن تأليف فاروق صبري والممثل الكويتي عبد الحسين عبد الرضا وهو كاتب النص كذلك في مسرحية سيف العرب الفرق بينهم كان ان المسرحية الكويتية شخص الدكتاتور عام ١٩٩٢ في شخص صدام حسين في حين كان الدكتاتور في مسرحية الزعيم شخصية الدكتاتور عاما بعض الشيء. لكن كلاهما قام بالاستهزاء من تلك الشخصية المخيفة. كما انه قام بنفس الدور الممثل الساخر بورات البريطاني اليهودي الديانة ساشا بارون كوهي.
لكننا أمام حادثة محيرة قارئي العزيز ومفادها لماذا نختار هؤلاء المهرجين ليقودوا البلاد. الحادثة تتكرر في معظم الأزمان دون استثناء اي وبسهولة وببساطة الممثل المهرج أفضل من يمثل الأكثرية مهما كانت ابناء المجتمعات ناضجين وواعين اي على دراية بالأمور وذو ثقافة عالية.
القرن الواحد والعشرون وما يمثله من تطور في عالم الأنترنت والاتصالات وغزو الفضاء لم يغير كل هذا التطور الوعي الإنساني الساذج الذي يهرع كل اربع سنوات الى صناديق الاقتراع لينتخب احد المهرجين من المتطرفين ليقود البلاد هذا يحصل بين أمم تدعي الحضارة كما هي بريطانيا، الولايات المتحدة، روسيا، المجر، فرنسا ، المانيا ، السويد ودول أوربية أخرى وحدث ولا حرج وما أكثره في عالمنا في دول الشرق.
لكن لماذا يهرع هؤلاء لانتخاب ال (جحا)؟
يبقى ذلك طلسما غريبا لا يمكن تحليله نفسيا وعقليا ويبقى جحا بنفسه سعيدا وهو راكب حماره وبالمقلوب.
السوید ۲۰۲۴