جامعة واسط كما لمستها

إحسان باشي العتابي

مدح البعض في حضوره يعتبر مذمة له،بحسب الرأي السائد! ولا اعلم مدى صحة ذلك الرأي من عدمه؟ بخاصة إذا ما واجهه راي آخر يناقضه تماماً ،وهو “من لا يشكر المخلوق لا يشكر الخالق” ، ومن أجل الهدف الذي ابغيه سأترك كلا الرأيين، وانطلق بما أؤمن أنا شخصياً به ،وهو عرفاني لكل من قدم لي شيئاً ما ،أعانني فيه على متطلبات الحياة، سواء المادي منها او المعنوي، فضلاً عما إذا كان سبباً لبلوغ هدف ما سعيت له في الحياة، وهم بوسع الحياة التي عشتها لقرابة خمسة عقود من الزمن.

لكن عن قناعة أقول، ان في مقدمتهم ،أولئك الذين زقو لي العلوم بمختلف حقولها، بدءا من تعليم أبجديات القراءة ، والكتابة ،والحساب، في مراحل الدراسة ألأولى فصاعداً، فهم العماد الحقيقي، لبلوغ المرء لكل ما يطمح إليه في الحياة، بل واستمرارها وفق المنهاج القويم، الذي يخدم الذات، والأسرة ،والمجتمع عموماً، إنما هم المشكاة التي ستبقى تنير دروب الظلام الحالك،التي مهما حاولت الأقدار ان تحكم قبضتها عليها، كي تبقينا نخوض غمار تفاصيل الحياة فيها دون رؤية واضحة، لتعرقل بلوغ اهدافنا التي تصب في ازدهار الحياة.

ولكون بطبيعة الحال، ظروفنا تختلف عن بعضنا البعض، فالبعض منا قد تسعفه الظروف، ان يبلغ اي مبتغى في حينه كان قد سعى له ،والبعض الاخر قد لا تسعفه الظروف، لان يصل لكل أو جزء ما يبتغيه ،فأحيانا تيار تلك الظروف الصعبة، فعلا يكون أقوى من أحدنا، بل يكون جارف دون رحمة وكانه يثأر منا! لكن إذا ما كانت العزيمة حاضرة رغم تلك الظروف ،فمن المؤكد أننا سندرك مبتغانا ،حتى ولو بعد حين من الزمن “ان تاتي متاخرة خير من ان لا تاتي “كما قيل في الحكمة.

أنا شخصياً لم تسعفني الظروف ،لإكمال دراستي الأكاديمية بمراحلها النظامية آنذاك، لأسباب عديدة يطول المقام هنا لشرحها، ولكوني كنت أسعى جاهداً في الوصول إلى مبتغاي فيها ،لم أفقد الأمل في الحصول على ما أريد ،وهو محاولة اكمال بقية المراحل الدراسية، والحصول على شهادة عليا أسوة بأقراني، الذين كانوا انذاك زملاء دراسة ،لذلك وبعد سنين طوال وانا أتحين الفرص، لإكمال دراستي الأكاديمية بسعي حثيث ،اخذت احصد ثمار ذلك السعي، فحصلت على شهادة المتوسطة ثم الإعدادية ،وبهذا بت جاهزاً لدخول معترك حياة الدراسة الجامعية، التي كنت أسعى لها وانا في مقتبل العمر كما نوهت سلفاً.

وبرغم السلبيات التي تعتلي سطح الواقع العراقي على كافة المستويات ،لم تتهاوى مواقفي المبدئية، في احترام المبادئ والقيم السامية، التي كنت وما زلت متمسك بها رغم دوامة تلك السلبيات، حتى وإن كانت بالضد من مصالحي الشخصية ،بأمل أن أكون يوماً ما ،حلقة يضمن سلسلة، هدفها انهاء تلك السلبيات الطارئة على عراقنا العظيم الحبيب،لذلك مباشرة ودون عناء في البحث ،عن جامعة معينة، تكون هي محطتي للانطلاق منها، لخوض غمار دراسة البكالوريوس، اخترت قسم التاريخ في كلية التربية للعلوم الإنسانية بجامعة واسط.

صراحة أن الذي دفعني باتجاه اختيارها عمن سواها ،مع جل احترامي وتعظيمي لبقية الجامعات والكليات ،هو حديث البعض ممن تربطني بهم علاقات مختلفة، ممن أكملوا فيها دراستهم ،من ان فيها التزام عالي الدرجة جداً وعلى كافة المستويات ، فكان جوابي لهم “هذا هو السبب الذي جعلني اختارها دون سواها” ،لأنني ابحث عن شهادة محترمة ومعتبرة، وفق مقاييس الرصانة العلمية ،ولا أبحث عن مجرد عنوان أكاديمي ،سأحمله يوماً ما دون جوهر حقيقي لتلك الشهادة الأكاديمية.

ولكوني احب النظام واحترمه، بل واسعى جاهداً لتطبيقه، في كافة مجالات الحياة، وليس فقط في معترك طلب العلم، كما أشرت لهذا سلفاً، باشرت فعلاً باجراءات التقديم ،وفق التعليمات واللوائح المنصوص عليها من قبل الجامعة، وبالفعل بعد أيام قلائل ،ظهرت نتائج القبولات، وكنت مقبولاً ،وحينما شرعت الدراسة، كنت قد عقدت العزم، على ان أكون طالباً مثالياً قدر المستطاع ،وفق ماهو مطلوب مني كطالب جامعي ،لأكسب رضا ،وتقدير ،واحترام اساتذتي التدريسيين الأجلاء أولاً والكادر الأداري ثانياً.

لا أخفي سراً ان قلت، ان اجواء الدراسة الجامعية بكل مافيها ،تشعرني كأني محارب مغوار في ميادين شتى، لكنها اجتمعت في مكان واحد! وفي مقدمتها المواد الدراسية المقررة لقسم التاريخ، الذي اخترته حقيقة عن قناعة منقطعة النظير ،لإيماني الراسخ انه يمكننا التأسي بكل أحداث التاريخ او بعضاً منها، بغية التعلم وأخذ العبر والدروس ،لصناعة حاضر ومستقبل، بنقاء ماء السماء حين هطوله، وحكمة واهب العقول، وهو ليس بالأمر الصعب، فكل منا إذا ما اجهد ذاته ،بالدفاع عن الحقائق بتجرد، من المؤكد سيكون خير مثال في الأرض، لمن يومن به كمعبود له ،وكما تقول الحكمة “العقول تغذيها التجارب”.

كما قلت انفاً، ان اجواء الدراسة الجامعية، لها نكهة خاصة بكل تفاصيلها ،ومن بينها كيفية التعامل مع الكادر التدريسي على اختلاف مشاربهم ،والحقيقة أكاد ان اجزم ،انني ذو حظ عظيم ،كوني حظيت ومن معي من الزملاء، بهكذا كادر تدريسي واداري، فهم منذ اللحظات الأولى، جعلونا نلمس ان عناوينهم التي يحملونها، انما حملوها عن جدارة واستحقاق ،وهم خارج دائرة الشبهات، التي أحاطت بالبعض، ممن يمارسون مهنتي التدريس والإدارة، على مستوى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ،بحسب معطيات الواقع في العراق للأسف!

لا اريد ان اسهب بحديثي، عن الكادر التدريسي على وجه الخصوص ،والكادر الإداري كذلك بقصد المديح، لكن لا اريد أن أشعر أنني لم انصفهم وافيهم ولو جزء بسيط من حقهم علي، كما نوهت لهذا في بداية كتابتي لهذه السطور المتواضعة،لذلك هي ليست رومانسية مني إذا ما قلت، إنني أشعر كاني اتعامل مع لوحة فسيفساء رائعة، قد شدت انتباهي لها ،أو كأنهم احدى سمفونيات بتهوفن ،التي جعلتني اسرح بعيداً بخيالي المملوء ، بالكثير من أولويات الحياة الخاصة، التي تدفعني قساوتها في أحيان كثيرة، لان ازهد بالطعام والشراب بل وحتى النوم!

لا أبالغ ان قلت، انهم جعلوا حضوري للحرم الجامعي، من أهم أولوياتي، لاني أشعر، كاني أقصد مكاناً من أجل أخذ قسطاً من الراحة، بعد رحلة عناء طويلة، وليس من أجل بذل جهد مادي ومعنوي على حد سواء، فؤلاءك النبلاء تعاملوا معنا بروح القانون ،التي ذللت أمامنا كل الصعاب التي واجهتنا، وعلى رأسها المواد الدراسية المقررة لمرحلتنا الدراسية، فتمكنوا بأساليبهم الرائعة ،التي تدل على خبرتهم وتفانيهم في العمل، بل ونبل وكرم اخلاقهم،من إيصال كل ما يصعب علينا استيعابه.

حقيقة سببين دفعاني لاختيار هذا التوقيت لطرح رؤيتي، بخصوص ما لحظته في جامعة واسط ،متمثلا بالكادر التدريسي والإداري لكلية العلوم الإنسانية/قسم التاريخ تحديداً..

الأول:وهو العرفان لكل من قدم لي معروفاً.

الثاني: اني قد سبقت إعلان النتائج الخاصة”بالفاينل”،حتى لا يتبادر لذهن البعض ،إنني انسان تحركني نزعاتي النفسية ،ومصالحي الشخصية”قل كل يعمل على شاكلته”.

ليبقى الحافظ للجميل، مهما كانت مخرجاته معه، لا يمكنه أن يتخطى بداياته ،فهو الومضة الأولى لما ابتغاه من هدف سامي ،وهو ذلك المحور ،الذي تدور حوله الكثير من تفاصيل حياته الخاصة، ومن أجل كل ما تقدم، فإنني اجزم صادقاً، أن كل قواميس مفردات الشكر والثناء، لا تفي مدى امتناني اللامتناهي ،لتلك الكوكبة، التي زقت لنا تلك العلوم المتنوعة في مجالات شتى، في مرحلتنا الدراسية الأولى، حتى تصنع منا أساتذة متمكنين في المرحلة المقبلة، على أقل التقادير، على المستوى الشخصي والعائلي، لمن أخذت منه سنوات العمر ،فرصة التدريس لجيل ما في المراحل المقبلة كما هو واضح ومعلوم.

فسلام لتلك العناوين الأكاديمية السامقة، التي أثبتت أنها أهلا لها ،بل أثبتت أنها أكبر منها منزلة، لذلك باتت تلك العناوين بوسع الدنيا في نظرنا ،حتى شعرنا أننا ملكنا الخافقين بكل جدارة.

لا اقف للمعلم ،كي افه التبجيل
بل ابره كبري للوالدين
الذي اسه التعظيم
وكيف لا؟
وهو سبباً لكل بصيرة
وقفت فيها أمام كل موبقة
عبر كل زمان عليل

قد يعجبك ايضا