هل ساعدت دول عربية إسرائيل في التصدي للهجوم الإيراني؟

 

التآخي ـ وكالات

أثار قيام الأردن، باعترافه، بالتصدي في أجوائه لمسيّرات وصواريخ إيرانية كانت متجهة إلى إسرائيل، جدلا كبيرا، كما طُرحت تساؤلات بشأن مدى قيام دول أخرى في المنطقة بأدوار مشابهة.

ويدور جدل كبير بشأن أدوار مزعومة لدول في المنطقة اسهمت في التصدي للهجمة الإيرانية على إسرائيل وما إذا كان الأمر يتعدى حدود الدفاع عن الأمن.

وشنت إيران هجوماً غير مسبوق على إسرائيل وهو ما كانت قد توعدت بتنفيذه في وقت سابق، إذ قالت طهران إنه جاء رداً على استهداف قنصليتها في دمشق.

وبحسب دانيال هاغاري المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي فقد جرى التصدي لأكثر من 99 بالمئة من الصواريخ والمسيرات الإيرانية؛ لكن إسرائيل لم تكن وحدها، إذ قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن حلفاء تقليديين وغير تقليديين تعاونوا مع إسرائيل.

وبحسب القناة 12 الإسرائيلية فقد شاركت قوات جوية أمريكية وبريطانية في إسقاط الأهداف الإيرانية، ودار حديث أيضاً عن مشاركة فرنسية بسيطة عن طريق تسيير دوريات في المنطقة، لكن الأمر الذي ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بشأنه هو ما قيل عن تعاون بعض الدول العربية وتحديداً الأردن في التصدي للهجمة الإيرانية.

وفقاً لوسائل إعلام دولية، فإن دول عدة في المنطقة أكدت أنها ستتصدى للهجوم الإيراني إذا ما عبرت المسيرات والصواريخ مجالها الجوي، وأكدت تلك الدول أن الأمر يتعلق بالأمن القومي وأن دفاعاتها الجوية والأرضية ستسقط أي هدف يمر في سمائها لتأمين مواطنيها وأرضها.

صحيفة الإيكونوميست البريطانية تحدثت عن أن “دول الخليج، بما في ذلك السعودية، ربما ادت دوراً غير مباشر أيضًا، حيث تستضيف أنظمة دفاع جوي غربية، وطائرات مراقبة وطائرات للتزود بالوقود، برغم إعلان أكثر من دولة خليجية أنها لن تسمح بضرب إيران انطلاقاً من أراضيها”.

لكن الحديث يدور عن دور أردني فعال في التصدي للهجوم الإيراني على إسرائيل، ليس فقط بوساطة فتح المجال الجوي أمام المقاتلات الإسرائيلية والأمريكية – بحسب ما ذكر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي – وإنما من خلال تدخل القوات الجوية الملكية الأردنية لإسقاط طائرات من دون طيار انتهكت مجاله الجوي.

ووفقاً لوكالة رويترز للأنباء، سمع السكان أصوات المقاتلات في الجو كما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور وفيديوهات لما قيل إنها بقايا طائرة من دون طيار تم إسقاطها في جنوب عمان.

 

 

 

وقالت ميراف زونسزين كبيرة محللي الشؤون الإسرائيلية في مجموعة الأزمات الدولية والكاتبة في صحيفة هآرتس إن “العنوان الرئيس في إسرائيل هذا الصباح هو اعتراض القوات الجوية الأردنية لطائرات من دون طيار في مجالها الجوي في طريقها إلى إسرائيل. والخلاصة هي أن الصفقات الدبلوماسية حيوية لتحقيق الاستقرار”.

من جانبه، كتب إميل حكيم، الخبير بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، على حسابه بموقع “اكس” إن مشاركة الأردن كانت في جزء منها “تتعلق بإثبات أن عمّان شريك جيد للولايات المتحدة”.

وقال مسعود مستجابي، نائب مدير برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي بالولايات المتحدة في تحليل نشره موقع المجلس “بالنسبة للاعبين الإقليميين، وخاصة السعودية والأردن – الذين أفادت التقارير أنهم اعترضوا طائرات إيرانية من دون طيار – فإن الحجة ستكون أنهم يحمون مجالهم الجوي السيادي”.

وأضاف مستجابي “ومع ذلك، إذا تصاعدت هجمات إيران إلى صراع إسرائيلي إيراني أوسع، فإن الجهات الفاعلة الإقليمية التي يُنظر إليها على أنها مدافعة عن إسرائيل قد تجد نفسها مستهدفة ويتم جرها إلى الأزمة الإقليمية.. لذا يجب العمل بين جميع الأطراف لإنهاء هذه المواجهة”.

الحكومة الأردنية بدورها سارعت للدفاع عن نفسها أمام الانتقادات الحادة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت الحكومة في بيان لها إنه “جرى اعتراض بعض الأجسام التي دخلت مجالنا الجوي لأنها تشكل خطراً على شعبنا ومناطقنا المأهولة بالسكان”. وأضاف البيان أن “عدة شظايا من الأهداف التي تم إسقاطها سقطت في داخل أراضي البلاد من دون أن تسبب أي أضرار كبيرة”.

ويستند نشطاء أردنيون على مواقع التواصل الاجتماعي في حديثهم عن مشاركة مقاتلات أمريكية – وربما من دول أخرى- في التصدي للهجمة الإيرانية في سماء الأردن إلى اتفاقية التعاون الدفاعي (DCA) والموقعة عام 2021 بين الولايات المتحدة والأردن التي قيل إنها جاءت في إطار التعاون لمواجهة تنظيم (داعش).

ويرى منتقدون أن الاتفاقية تمثل تعدياً وتجاوزاً على القوانين وسيادة بلادهم، بحسب تعبيرهم، إذ يوفر الأردن، وفق الاتفاقية، “أماكن حصرية للقوات الأمريكية بعضها غير معلن”، وتعطيها صلاحيات وامتيازات واسعة في شتى الأمور العملياتية والعسكرية.

كما يسمح وفقاً للاتفاقية للطائرات والمركبات والسفن التي يتم تشغيلها بوساطة قوات الولايات المتحدة أو بالنيابة عنها دخول الأراضي الأردنية والمياه الإقليمية الأردنية والخروج منها والتنقل بحري.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي نشر نشطاء أردنيون اتهامات لحكومة بلادهم بشأن دورها في التصدي للهجمة الإيرانية. لكن خلف الطاهات وهو أستاذ جامعي أردني، رفض وصف الموقف الأردني بأنه جاء لخدمة ومساعدة إسرائيل، “فالمتابع المنصف للخطاب الإعلامي والتحرك السياسي والدبلوماسي الأردني منذ سنوات وتحديداً خلال أزمة غزة يرى أن الأردن هو الأصدق في دعم غزة، ورفضاً للنهج الإسرائيلي في الحرب”، على حد قوله.

وأضاف في حوار مع القناة الالمانية العربية أنه “برغم مخاوف الأردن من محاولات إسرائيل للدفع بفلسطيني الضفة للخروج منها والتوجه إلى الأردن، إلا أننا في الأردن أيضاً لا نثق بإيران، وسلوكها شاهد على ما اقترفته في المنطقة من خراب وفوضى وتدمير”، بحسب قوله.

 

 

وأضاف أن الأردنيين “يثقون في قيادتهم الهاشمية ووعي الأردنيين يكفي لتفويت أي فرصة لأن تكون بلادنا مسرحاً أو ساحة حرب بين دول لديها أجندات تخدم مصالحها هي فقط”، بحسب تعبيره.

أما حسين (اسم مستعار) الناشط السياسي الأردني فيقول: “أنا مستاء للغاية مما قامت به الأردن بالدفاع عن إسرائيل وإسقاط عدد من الصواريخ.. هذا العمل لا يقبل به كثير من الناس في الأردن”.

وأضاف “نحن في الأردن لا نجمع على حب إيران ولا على دعمها.. لكن السلطات بحاجة إلى إعادة التفكير في تحالفاتها، بخاصة فيما يتعلق بإسرائيل وإيران.. وكل ما نطلبه هو إيقاف الحرب في غزة بغض النظر عمن يسهم في ذلك”.

وتقول طالبة جامعية رفضت الكشف عن اسمها وتقيم بالقرب من منطقة مرج الحمام التي سقط فيها أحد الصواريخ الإيرانية، إن “إيران غير محبوبة في الأردن عموماً لأسباب تتعلق بالطائفية والدين وأسباب أخرى تتعلق بدورها في المنطقة.. لكني أرفض اعتراض الأردن للمسيرات والصواريخ الإيرانية وإقحام نفسه في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل”.

من جانبه، قال اللواء المتقاعد محمود رديسات الخبير العسكري والاستراتيجي من عمان “لا أستطيع أن أنفي أو أؤكد تدخل القوات الجوية الأردنية في هذا الأمر لأنه لم تصلني أي معلومة من أي جهة أردنية بحدوث أمر كهذا، لكن يمكنني تأكيد أنه إذا حدث فلن يكون أبداً في إطار الدفاع عن إسرائيل وإنما في مجال الدفاع عن السيادة والأجواء الأردنية، وهذا حق مكفول للدول في القوانين الدولية”.

وأضاف أن “أي جسم غريب أو طائرة غير مصرح لها تمر بأجواء دولة أخرى يتم التعامل معها على أنها هدف معادي لأنك لا تعرف هل هدف هذه الطائرة أنت أم غيرك .. واقع الحال أننا وجدنا أجساماً غريبة في السماء الأردنية فكيف نعرف وجهتها؟ فمن حق أي دولة الدفاع عن سمائها بغض النظر من المرسل لهذه الصواريخ أو هذه الطائرات”.

أما تهاني مصطفى، المحلل الأول للشؤون الفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية، ترى أن هناك الكثير من التفاهمات بين إسرائيل والدول الأخرى يشوبها الغموض ولا يتوفر عنها سوى معلومات قليلة جدًا للجمهور. وقالت في حوار مع المحطة الالمانية DW إنه على سبيل المثال، عندما بدأت الاحتجاجات بشأن غزة، علم الناس عن اتفاقية تعاون دفاعية أردنية أمريكية جرى توقيعها في كانون الثاني عام 2022.

وأضافت أن “الناس في الأردن غضبوا وطالبوا بإنهاء هذه الاتفاقية وكان أساس الغضب هو عدم معرفتهم بتفاصيل هذه الاتفاقية قبل ذلك، مضيفة أن مثل هذه الأمور لا يُسمح بالإبلاغ عنها مثلها مثل تفاصيل العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية الأردنية”.

بدوره، يرى جوليان بارنز ديسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن ما قيل عن التدخل الأردني في التصدي للمسيرات والصواريخ الإيرانية لن يزعزع استقرار الحكومة الأردنية، على حد قوله.

وأضاف “أعتقد في نهاية المطاف أن الأردنيين يمكنهم تبرير أفعالهم من خلال حقيقة أن هذه الأجسام كانت تحلق عبر مجالهم الجوي ولم يعرفوا بالضرورة أين ستهبط وكان التدخل الأردني يهدف أكثر إلى منعها من الوصول إلى أراضيه”.

وأشار بارنز ديسي إلى أن ما قد يكون أكثر زعزعة للاستقرار وخطورة بالنسبة للأردن ودول أخرى في الشرق الأوسط، هو نشوب حرب إقليمية. وخلص إلى القول “أعتقد أن هذا يعني أنهم (الأردنيون) سيواصلون العمل لوقف أي أحداث يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التصعيد”. وأضاف “سيواصلون التحدث مع الإيرانيين وسيواصلون محاولة إيجاد بعض قنوات للتهدئة.. وإذا وقع المزيد من الحوادث الأمنية أو إذا وقعت هجمات فوق مجالهم الجوي، فسوف يتدخلون”.

قد يعجبك ايضا