صادق الازرقي
في احصائية نشرت عام ٢٠٢٢ فان مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في العراق ١٨ مليون دونم من أصل ٣٢ مليون دونم، بحسب تصريح لوزير الزراعة بعد أن كانت تلك الأرض تستغل جميعها في عهود سابقة، بحسب المتخصصين .
وبحسب العلوم الزراعية فإن الأراضي الزراعية إذا لم تستعمل فإنها تتدهور، وهذا التدهور يشمل أشكالا عدة منها تجريف تلك المناطق بسبب عدم الاستفادة من صفتها الزراعية، ما يؤدي إلى انهيار قيمتها التشغيلية واستعمال معظمها للسكن وبخاصة في أطراف المدن فيتسبب ذلك في انعدام التوازن البيئي فتتأثر تلك الأراضي وتتدهور، ويزحف إليها التوطين السكاني.
يؤدي ذلك بالطبع إلى انحسار الغطاء الاخضر والتسبب في خلق أجواء غير صحية لسكان المدن لاسيما مع غياب خطط حكومية لارفاق المنشآت السكنية الجديدة بخطة تشجير لزراعة مصدات الرياح وانواع الأشجار واقامة الحدائق والمتنزهات والمسطحات الخضر وانشاء النافورات، وغير ذلك من محسنات البيئة؛ فتستحيل المناطق السكنية إلى كتل من الاسمنت تخنق الانفاس بخاصة في موسم الحرارة الذي يمتد طويلا ويقسو في العراق.
وفضلا عن ذلك فإن قلة المياه في أنهر العراق الرئيسة والفرعية تجبر الفلاحين على مغادرة أراضيهم الزراعية والانتقال للسكن في المدن من أجل إيجاد فرص عمل بعد أن تعذر عليهم العيش على الزراعة بسبب شح المياه.
وتتعدد المقترحات المطروحة لغرض التوصل إلى حلول ناجعة وإيقاف تدهور الأراضي الزراعية، وبالنتيجة الحفاظ على التوازن البيئي وتحقيق الوضع الامثل لنمو السكان، ويأتي من ضمن المقترحات لمعالجة تلك الاشكالية، توسيع مجالات القروض الزراعية واعفاء المستفيدين منها من الفوائد المترتبة عليها، و تقليل الاعتماد على مصادر الري السطحية والتفكير في استغلال المياه الجوفية، وكذلك معالجة ظاهرة التصحر والاكثار من زراعة محاصيل دائمة الخضرة كالزيتون والنخيل وتقنين الاستيراد الزراعي بما يخدم المنتج المحلي.
وتبرز أيضا من المقترحات العمل على توسيع انشاء المنتجعات السياحية في الاهوار واستقطاب السياحة اليها، و بعث الحياة في بعض المشاريع القديمة والمتوقفة عن العمل كالمزارع التعاونية وجذب طلبة كليات الزراعة والطب البيطري عن طريق تقديم عدد من المحفزات كالتوظيف والسكن واعادة افتتاح بعض المشاريع المتوقفة عن العمل كمصانع الالبان والجلود والنسيج الصوفي والقطني، وغيرها؛ كما تبرز بوجه الخصوص الحاجة إلى تشجيع مشاريع تنمية الثروة الحيوانية وحقول الدواجن الخاصة وتقديم الدعم والمشورة لها، وتقنين الاستيراد الزراعي بما يخدم المنتج المحلي.
أن مسؤولية الحفاظ على التوازن البيئي بتحقيق التفاعل بين الريف والمدينة وتشجيع أبناء الريف على الاستقرار و البقاء في اريافهم بعد الهجرات المتعددة التي حدثت في البلاد من جراء سوء الادارة، أو حتى الطموح إلى تحقيق هجرة معاكسة الى الريف لتحقيق ذلك التوازن، يتطلب قرارات وإجراءات ملموسة مصيرية من قبل الحكومة والدوائر المعنية بشؤون الزراعة والمياه والبيئة؛ اذ ان الانسان عندما لا يجد الظروف التي توفر له استقراره وثباته في أرضه وبيئته، يفكر حتما في الانتقال الى بيئة بديلة، فيتسبب ذلك في حالة العراق بترك الفلاحين والمزارعين لأرضهم واللجوء إلى المدن مرغمين، وما يمثله ذلك من تهديم للنسق الاجتماعي الحياتي الاعتيادي، والإساءة إلى التوازن البيئي المنشود.