ارهاصات بيئية .. العواصف الترابية أنموذج التدهور البيئي

صادق الازرقي

يشهد الطقس اليومي للعراق (ولربما ينسحب الأمر على عموم مناخ البلد) منذ مدة انتشار ظاهرة العواصف الترابية، إذ ما ان تنحسر عاصفة ترابية حتى تأتي غيرها بعد مرور مدة قصيرة، فتمتلئ بيوت الناس وغرفهم بالتراب ويختنق من جراء ذلك من يختنق، إذ سجل احد مستشفيات بغداد في سنة سابقة، وفي ليلة واحدة دخول نحو مئة شخص الى غرفة الإنعاش بفعل الاختناق بذرات الغبار. ولك أن تتصور المعاناة القاسية التي يتكبدها المصابون بالربو وغيره من الأمراض التنفسية وكذلك كبار السن من جراء تلك العواصف، ناهيك عن حالة الانقباض النفسي والكآبة التي تولدها تلك الأجواء لدى عموم الناس.

إن تكرار تلبد الأجواء العراقية بالتراب بالشكل الذي لا يحدث حتى في بلدان صحراوية أصلا، مثل السعودية وغيرها، يدفعنا الى الوقوف حائرين إزاء غياب التدابير والإجراءات الحكومية ووقوفها مكتوفة الأيدي أمام زحف التصحر وامتداده الى التجمعات السكانية في المدن، إذ ان معظم دول العالم إذا لم نقل جميعها تضع خططا قصيرة وبعيدة المدى لإيقاف هذا التدهور وتشمل تلك الإجراءات إنشاء الغابات وزراعة الكثبان الرملية وإحاطة المدن بأسيجة من مصدّات الرياح وإحداث الأمطار وغيرها من الإجراءات.

فلماذا نقصر نحن في تنفيذ تلك الإجراءات التي لن تكلف خزينة الدولة كثيرا، لاسيما وان بلدنا يحتوي على كثير من الأصول الشجرية الملائمة لتنفيذ سياسات ايقاف الزحف الصحراوي، كما ان لدينا  عددا من حملة الشهادات العليا من الذين تبوؤا المناصب السياسية والإدارية في البلد، وبالنتيجة، فإننا نعتقد أن ليس ثمة مسوغ للتقاعس في تنفيذ سياسة احتواء الزحف الصحراوي وإيقافه؛ تمهيدا  للقضاء عليه وتخليص الناس من آفة تنغص عليهم حياتهم وتدفعهم الى العيش في أجواء كئيبة تنعدم فيها الخضرة والنقاء ويكثر فيها الغبار والأوبئة، وقد يدفعهم التدهور الحاصل في البيئة العراقية، إذا ما استمر، الى التفكير بترك مدنهم والهجرة الجماعية الى مناطق او حتى بلدان أنقى هواءً .

ولغرض الإشارة الى أنموذج لكيفية معالجة الدول لقضايا الجفاف والأجواء الترابية نذكر الإجراء الذي لجأت إليه السعودية في أوائل شهر شباط عام 2007 بإحداث أمطار غزيرة في العاصمة الرياض بعملية (استمطار السحب) بوساطة طائرات حلقت في الجو وقامت بتحديد أماكن السحب الركامية في طبقات الجو العليا، وسحبتها لتغسل شوارع العاصمة الرياض وتروي المزارع والحدائق، ولم يكلف ذلك الحكومة السعودية سوى عشرة ملايين ريال!. فلماذا نشذ نحن عن القاعدة والى متى يظل مواطننا يتنفس ترابا  أحمر؟!.

ليست بنا حاجة إلى القول أن على الجهات الحكومية المعنية، لاسيما في وزارتي الزراعة والبيئة، وكذلك الموارد المائية، والمؤسسات المتفرعة عنها أخذ الموضوع على محمل الجد، ووضع الخطط المطلوبة لتعزيز استقرار التربة في صحارى العراق وزرعها بالغطاء النباتي الضروري لتثبيتها ومنع تفتتها بالرياح، اذ المعروف أن العراق من البلدان التي تنشط فيه حركة الرياح السطحية، وبخاصة في فصل الصيف، كما تبرز هنا الحاجة القصوى لإعادة مشاريع احياء الغابات التي كان العراق يتمتع بها، ومنها مثلا غابات النعمانية التي كانت تحتوي على أعداد كبيرة من الأشجار التي تدهورت منذ عام ٢٠٠٣  وكذلك الغابات في المحافظات الأخرى، وانشاء مجمعات غابية جديدة تلجم العواصف و حركة التراب وتثبته.

 

قد يعجبك ايضا