صادق الازرقي
تمثل قضية توفير مياه الشرب الصالحة للاستعمال والمعقمة، أولوية قصوى لا يمكن التماهل فيها، او التغاضي عن تحقيقها في حياة المجتمعات البشرية؛ اذ لا يمكن العيش من دونها، بل يتعرض عندها السكان إلى مخاطر جمة تتعلق ليس فقط بصحتهم، بل بأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، وحتى فيما يتعلق بالسلم المجتمعي.
وتنتشر في العراق مركبات الباعة الجوالين الذين ينادون على السكان لشراء المياه النظيفة أو ما يدعى بال ro ، وهو أمر غريب حقا، فإذا كان بإمكان بعض الأفراد والشركات توفير الماء العذب،فكيف تعجز الحكومة بجميع مؤسساتها المتكاثرة عن التكفل بهذا الامر الذي من اليسير توفيره اذا خلصت النية؛ كما أن بيع الماء في الشارع والمناداة على السكان لشرائه كبضاعة يعد أمرا شاذا يستوجب المعالجة.
والملاحظ أن كثيرا من مناطق بغداد يشح فيها الماء العذب وبخاصة في فصل الصيف، كما أن بعضا من مناطق أطراف بغداد تشهد في أحيان كثيرة اختلاط الماء الملوث بالماء العذب، ما ينتج عنه ماء لا يصلح حتى للاستحمام؛ ما يضطرالسكان لشراء الماء من الباعة الجوالين وزيادة مصروفات ألأسر، في حين بإمكان الدولة أن تعمل على وفق السباقات الصحيحة المطلوبة، وتوفر الماء للناس مع استيفاء أجور بإمكان السكان أن يدفعونها.
يتلوث ماء العراق لاسيما في العاصمة بغداد بعديد الملوثات، وتذكر الارقام بهذا الشأن أن ماء دجلة تبلغ نسبة التلوث في كثير من مفاصله بحسب مختبرات الفحص ٩٠ – ١٠٠٪ ما يجعله غير صالح للاستهلاك البشري؛ وان الملوثات تأتي بالدرجة الرئيسة من المؤسسات الطبية، اذ ذكرت مدينة الطب في مركز بغداد كأبرز مسببات للتلوث، كما أن أكثر تلك المؤسسات تفتقر إلى محارق خاصة بالنفايات، أو منافذ تصريف،فتلقي بفضلاتها في مياه النهر، ويشمل ذلك حتى المخلفات الطبية ومن بينها مواد تحتوي على مكروبات وفايروسات خطيرة، ومن الملوثاتالأخرى، إلقاء الفضلات الثقيلة في مياه الانهار والقنوات والجداول، وفتح أنابيب المياه الثقيلة عليها، لاسيما في مواسم الامطار، من ذلك مثلا مصب قناة الجيش الذي استحال فيه الماء إلىلون اخضر آسن مع رائحة كريهة تنتشر في المنطقة.
أن دول العالم وضعت منذ وقت مبكر عقوبات صارمة على تلويث مصادر المياه، وقد وصلت تلك العقوبات في بعض الدول وفي مراحل معينةحتى إلى الإعدام، إلى ان تمكنت من منع ظاهرة تلويث المياه ووفرت المياه العذبة شبه المجانية لسكانها؛ لأن توفير المياه الصالحة للشرب يجب أن تكون عملية سلسة وبديهية فلا يمكن الحياة السليمة من دونها.
في بعض الدول لا تتواجد مصادر مياه أو انهار وفي أخرى تتواجد مياه البحر المالحة فحسب،ومع ذلك فإنها تكرس جميع جهودها لاستخراج وتوفير المياه الصالحة للشرب، وتنجح في ذلك، وفي العراق مصادر كثيرة للثروة المائية، الا أن الأداء السيء واقتران ذلك بانعدام الشعور بالمسؤولية يؤدي إلى التفريط بتلك الثروات وتبددها من دون أن تستعمل بالصورة الأمثل.
وفي الوقت نفسه تغض الجهات المسؤولة النظر عن تفعيل الرقابة على المؤسسات الملوثة للمياه وكذلك تنعدم العقوبات، ما يتسبب في انتشار ظاهرة تلويث المياه وامتدادها إلى مساحات واسعة تفتك في النتيجة بحياة السكان الذين يضطرون إلى استعمال تلك المياه التي لا يتوفر لها بديل واقعي.