تداعيات التغير المناخي … الدراسات تثير المخاوف من انهيار “دورة حياة” المحيطات

 

 التآخي – متابعة

تنبأ تحليل جديد أجراه باحثون أستراليون وأمريكيون بأن توقف دورة حياة المحيطات وتجدد المياه سيحدث على الأرجح في مدة زمنية أقل بكثير مما كان متوقعاً وأن مكانه سيختلف عما ذكرته الأبحاث السابقة.

وتعد الدراسة التي نشرت في مجلة “نيتشر” وجرى استقبالها بحفاوة كبيرة في الاوساط العلمية تغييرًا كبيراً في الفهم العلمي لنظام دوران المحيطات العالمي وكيف يستجيب لارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، بحسب ما نشر موقع ييل للدراسات البيئية.

ويحذر الخبراء من ان يكون  سيناريو “يوم القيامة” الذي ينطوي على انهيار دورة حياة المحيطات قد اقترب، على حد قولهم، فالمشهد المخيف الذي جرى تصويره سابقًا بدءًا من كل الأبحاث التي تمت مراجعتها وصولا إلى أفلام الخيال العلمي مثل The Day After Tomorrow، تشير إلى أن هذا السيناريو يقترب بالفعل من التحقق؛ لكن بدلا من أن يحدث ذلك في أقصى شمال المحيط الأطلسي الذي كان يفترض سابقاً أن يكون هو نقطة انطلاق الكارثة يظهر الأمر الآن أكثر احتمالًا للوقوع في الطرف الآخر من الكوكب.

ويتنبأ تحليل جديد أجراه باحثون أستراليون وأمريكيون، باستعمال “نمذجة” جديدة للبيانات التي كانت أكثر تفصيلا لحالة المحيطات، بأن الانقطاع الذي طال انتظاره لدورة حياة المحيطات وتجدد المياه، سيحدث على الأرجح في المحيط الجنوبي، حيث تذوب مليارات الأطنان من الجليد على يابسة القارة القطبية الجنوبية.

ويخشى العلماء وفقاً للدراسة أن هذا السيناريو يمكن أن يحدث في غضون العقود الثلاثة المقبلة فقط، بدلا من أن يحدث بعد أكثر من قرن، كما تنبأت النماذج البيانية لمنطقة شمالي الأطلسي.

وأشاد باحثو المحيطات والمناخ الرائدون ممن لم يشاركوا في الدراسة الذين تم الاتصال بهم للتعليق  بالنتائج التي تم التوصل إليها. يقول ستيفان رامستورف، عالم المحيطات ورئيس تحليل نظم الأرض في معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ في ألمانيا “هذه ورقة مهمة حقًا أعتقد أن الطريقة والنموذج مقنعان للغاية”.

ويقول الباحث البريطاني أندرو شيبرد من جامعة نورثمبريا بنيوكاسل “إنه من أكثر الأبحاث أصالة التي رأيتها منذ فترة طويلة”، مضيفاً “لقد فوجئت حقًا بهذا العمل، لكنهم أقنعوني. لقد وضعت النتائج خطاً واضحاً لسير الأحداث. وبعد أن كان الاهتمام منصباً على شمال الأطلسي، أتوقع أن يكون هناك تحول الآن في الاهتمام بالمحيط الجنوبي “.

و”يغرق” نحو 250 تريليون طن من المياه المالحة بهذه الطريقة حول القارة القطبية الجنوبية كل عام، ثم تنتشر شمالًا على طول قاع المحيط ومنها إلى المحيط الهندي والأطلسي والمحيط الهادئ. وانتشرت في السابق أحجام مماثلة من “المياه الثقيلة الغارقة” جنوباً من غرينلاند. وتُعرف العملية بـ “تكوين المياه العميقة” أو “انقلاب المحيطات”، وقد استمرت من دون تغيير إلى حد كبير لآلاف السنين.

يذكر أن دراسة سويسرية حديثة نُشرت في نيسان ٢٠٢٣، وجدت أنه على عكس الاعتقاد السابق، فإن دورة تجدد الحياة لم تفشل منذ نهاية العصر الجليدي الأخير، مما يشير  كما يقول الباحثون  إلى أن العملية كانت أكثر استقرارًا مما كان يُفترض سابقًا، وأنها كانت قديماً أقل عرضة للانهيار.

وتجلب الدراستان معًا منظورًا جديدًا بشكل كبير للتأثير المحتمل لارتفاع حرارة الأرض على دوران وتجدد المحيطات، وهو أحد أكبر قوى الاستقرار في النظام المناخي للكوكب.

ويوماً بعد يوم، تتزايد مخاوف العلماء من التأثيرات الكارثية لارتفاع حرارة كوكب الأرض والتغير المناخي. ومؤخراً، حذرت دراسة جديدة نشرت بعض خلاصتها صحيفة الغارديان البريطانية من أن الاحتباس الحراري قد يتسبب في حدوث تغيير جذري في محيطات العالم لدرجة قد تهدد بانقراض جماعي للأنواع البحرية ليصبح الانقراض الأكبر من نوعه في تاريخ كوكب الأرض ويتسبب تسارع تغير المناخ في إحداث تأثير “عميق” على النظم البيئية للمحيطات ” قد يؤدي إلى تزايد مخاطر الانقراض.

و يقول العلماء إن الأمر قد يبدأ في الحدوث مع انخفاض الثراء البيولوجي والتنوع البحري وهو ما لم يحدث في تاريخ الأرض منذ عشرات الملايين من السنين. وترتفع درجة حرارة مياه البحر في العالم بشكل مطرد بسبب حرق الوقود الأحفوري، وانبعاثات النشاطات الصناعية بينما تنخفض مستويات الأكسجين في المحيط وتتزايد حموضة المياه بسبب امتصاص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. ومع ارتفاع حرارة المحيطات تنخفض نسب الأوكسجين بشكل يؤثر على قدرة الكائنات البحرية على التنفس.

وتضاعف حجم مياه المسطحات المائية المستنفدة من الأكسجين بقدر يصل إلى 4 مرات منذ ستينات القرن العشرين، ولم تعد كائنات كالمحار وبلح البحر والجمبري قادرة على تكوين أصداف بشكل صحيح بسبب ارتفاع حموضة المياه، كما اختنقت الأسماك في عشرات الأماكن. وهذا يعني أن الكوكب يمكن أن يصل لمرحلة “انقراض جماعي” للكائنات البحرية؛ و تقول الدراسة المنشورة في مجلة ساينس Science إن ضغوط ارتفاع حرارة البحار والمحيطات وفقدان الأكسجين تذكر بحدث الانقراض الجماعي الذي حدث منذ نحو 250 مليون عام، و أدت هذه الكارثة، المعروفة باسم “الموت الكبير”، إلى زوال ما يصل إلى 96٪ من الحيوانات البحرية من على كوكب الأرض.

ويشير البحث الجديد إلى أنه قد يجري الوصول إلى مستويات انقراض كارثية إذا أطلق العالم غازات الدفيئة بشكل غير مقيد، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب بأكثر من 4 درجات مئوية من متوسط درجة الحرارة التي كانت عليها الأرض في أوقات ما قبل الصناعة وذلك بحلول نهاية القرن الحالي؛ من شأن ذلك أن يؤدي إلى انقراض أنواع حية قد تعيد تشكيل الحياة في المحيط لعدة قرون أخرى.

قد يعجبك ايضا