لنعتبره سائحاً أجنبياً

ماهين شيخاني

بعد عناء ومشقة من السفر الطويل , أخيرا وصلا أمام الفندق , حمل السائق الحقيبة من مؤخرة السيارة الباكاج ( الصندوق ) , تنفسا الصعداء , صعدا , حجزا الغرفة ثم نزلا مباشرة إلى المطعم في الطابق السفلي المطل على البحر والمعروف لديهما سابقا , كونهما نزلا في هذا الفندق في فترة الاصطياف لبضع أيام آنذاك , وقبل مجيء النادل , ابتسمت زوجته فرحةً وهي تنظر باتجاه المدخل وقالت : انظر … انظر وراءك , لدى التفاته شاهد دخول فنان معروف برفقة آخر مع ابتسامة منتشة الأسارير رسمت على محياه , سلم على الطاولة المجاورة لهما وتوجها إلى طاولة أخرى جالس عليها شابان ظريفان .
بعد الفينة والأخرى , سبقه الفضول ليسترق النظر إليهم وكأنهم رجعوا بذاكرته إلى إن وجه أحدهم مألوف لديه , أصبح يقلب صفحات الذاكرة إلى أن استقرت صورته في ذهنه , وبصوت خافت قال لشريكته :
– ذاك الشاب الجالس معهم , أبو الطاقية المعكوسة الذي يقلد الأوربيين الهبيين.
– قالت : نعم , من هو… ؟!!!.
– تذكري جيداً , ألم تريه من قبل…؟.
– لا أعرفه , هل هو ممثل أيضا …؟!!!.
– تماماً , هو أيضا ممثل , ألا تتذكري مسلسل (……) الذي كان يعرض في شهر رمضان الماضي .
– أي ..أي , ابن الممثلة ( منى واصف ) عرفته , كان دوره بسيط ولهذا لم أتذكره . ولكن ذاكرتك أنت ما شاء الله قوية , عشرة على عشرة …؟!!. لماذا تتدعي النسيان حين أطلب منك غرض ما …؟!!!.
– غاليتي , جئنا لننبسط وننسى همومنا قليلاً , ثم لا تنس أنني مهتم بهذا المجال .
– إذاً لم لا تنتهز هذه الفرصة يا فنان , لأخذ صورة تذكارية معهم. وتعرض عليهم قصصك , ربما تنال اعجباهم بقصصك ونستفاد بقرشين …؟!!!.
– لا يا حياتي , لا يمكن ذلك بتاتاً , أنا أيضا لي وزني ودوري في المجتمع ,أنا .. أنا اخلق شخصيات من خيالي أو من الواقع أحياناً , ودور هؤلاء الذين هم أمامك ألآن التمثيل فقط – رفع سبابته نحو صدغه – شخصياتهم كلها من هنا .
– ولكنهم لا يعرفوك , من لا يعرفك يجهلك , أنت من الأشخاص الذين يعملون خلف الكواليس حسبما يتردد في الصحف .
بعد أخذ ورد , رأى أن كلام زوجته فيه نوع من الصواب أو في داخله نزعة من الفضول وحب الظهور .
– كرمالك حبيبتي سأذهب ولأشرب معهم نخب التعارف وقد تتيح لي هذه الفرصة حسب رأيك المجال لبعض من أعمالي أن ترى النور .
نعم , قرر التوجه , بعد أن سلم كاميرة الفيديو لزوجته , لتصويرهم , تقدم منهم وبانحناءة من رأسه إلى الأمام حسب الإتيكيت , صافحهم بتوق و قال :
– جان ش كيكان , كاتب وشاعر .
يبدو إن الفنان المعروف لم يسمعه جيداً بسبب صوت العالي للتلفاز, همس بإذنه أحد زملاءه , جان ش كيكان , كاتب وشاعر…!!.
– بنبرة متعالية قالها الفنان المعروف : أوه حتى كُتابنا أصبحوا يقلدون الأجانب بالتسميات والألقاب , غلط يا أستاذ هذه التسميات والألقاب كلها غلط , أبو مين بلا صغرة ؟.
– أبو روج …!!!..
– ظل صامتاً بعض الوقت ثم أردف قائلاً : أهلا , أبا روج الأسمر, هنت كردي ما هيك …؟!!!.
– أومأ برأسه و بحركة لا إرادية , قال : وهو كذلك أنا كردي , لكنني أكتب العربية وأشعر بلغتي الأم , هل ممكن بالتقاط صورة تذكارية معكم …؟!!!.
– وهل كاميرتك ستصورنا بالكردية أم بالعربية ؟. قالها باشمئزاز.
– أجابه : باليابانية يا أستاذنا… ؟. باليابانية .
– مط شفتيه وبابتسامة صفراء قال : تشرفنا لا مانع لدينا من التصوير , والتفت إليهم وقال : تفضلوا يا شباب, تفضلوا …لنعتبره سائحاً أجنبياً .
تمنى في تلك اللحظة لو لم يلتق بهم ويتعرف عليهم وحينها تمنى لنفسه أن يصبح مخرجاً أو مونتاجاً للحظات , لتقطيع بعض المشاهد اللاإنسانية من الرحلة .
صافحهم ببرود وعاد إلى طاولته وهو مكفهر الوجه , مبلول بالعرق .وطلب كأسين من عصير الليمون بدلاً من الغذاء وغادرا المطعم .
– انتهت –

قد يعجبك ايضا