عباس عبد شاهين
ما زال مصير الآلاف من شباب الكُرد الفيليين مجهولاً بعد أن طالتهم يد الغدر من قبل النظام البعثي المباد في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، حيث تشير التقديرات إلى اختفاء أكثر من 20 ألف شاب فيلي حسب ما ورد في العديد من المصادر، لم يُعثر ليومنا هذا على رفاتهم.
ان هذا الأمر ترك جرحاً نازفاً في ذاكرة ذويهم، وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين على سقوط النظام الدموي المباد فإن خطوات الحكومة لا تزال غير مقنعة فيما يتعلق بهذا الملف المهم، إذ لم تُبدِ الجدية اللازمة في البحث عن رفات الضحايا الذين أُعدموا دون وجه حق ولا بمسوغ قانوني، وأُخفيت جثثهم في مقابر مجهولة.
المعلومات المتوفرة تشير الى ان قسماً منهم أجريت عليهم التجارب الكيمياوية والجرثومية في المختبرات، وقسم آخر منهم تم اجبارهم كدروع بشرية تتقدم امام القطعات العراقية خلال الحرب التي كانت دائرة بين كل من العراق وايران والتي أستمرت منذ عام 1980 ولغاية 1988.
هذا وضمن السياق نفسه ان الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 الى يومنا الحالي لم تمارس ضغطاً كافياً على ازلام النظام البائد من المحتجزين في السجون للإدلاء بالمعلومات عن مواقع المقابر الجماعية التي تضم رفات الشهداء الفيلية.
ففي ظل غياب الدعم الحكومي فإن كافة الجهود المبذولة لكشف مواقع تلك المقابر بقيت دون جدوى، كما ان مؤسسة الشهداء وهي الجهة المعنية بهذا الملف تفتقر إلى الأجهزة المتطورة اللازمة لفحص عينات (DNA) التي تعد أداة حاسمة في التعرف على هوية الضحايا، ومع أن هناك تقنيات حديثة تُمكنها تحليل اعداد كبيرة من العينات خلال وقت قياسي، إلا أن العراق للأسف الشديد لم يتسن له الى يومنا هذا توفير هذه الإمكانيات لمؤسساته التخصصية.
إزاء هذا الإهمال أطلق أبناء الكُرد الفيليين مبادرات وتحركات مكثفة للضغط باتجاه كشف مصير الشهداء، فقد شكلوا فرق عمل قانونية قامت برفع مذكرات إلى محكمة العدل الدولية والمنظمات الدولية وغيرها بهدف تدويل قضية الإبادة الجماعية التي ارتُكبت بحق الكُرد الفيليين، والمطالبة بإجراءات حازمة تُلزم الحكومة بتحمل مسؤولياتها تجاه هذا الملف.
ان التحركات تشمل المطالبة بتوفير الإمكانيات التقنية للجهات المعنية وتشكيل فرق ميدانية مختصة للبحث عن رفات الضحايا في المناطق التي يُعتقد أنها تضم مقابر جماعية، إضافة إلى محاسبة المتورطين في هذه الجرائم سواء من الذين شاركوا فيها، أو من أولئك الذين تستروا عليها وساهموا في طمس معالمها.
ورغم الجهود المستمرة تبقى كثير من العوائل الفيلية والأقارب ينتظرون العثور على رفات أحبائهم ليتمكنوا من إقامة مراسيم دفنهم في أماكن تليق بكرامتهم وتعيد لهم الاعتبار، كما جرى القيام مع شهداء آخرين تم العثور على رفاتهم في المقابر الجماعية، لكن المفارقة الموجعة أن العديد من الاباء والأمهات الذين ظلوا ينتظرون لحظة العثور على فلذات أكبادهم قد رحلوا عن الدنيا دون أن يتحقق حلمهم تاركين وراءهم إرثاً من الألم والحسرة.