ناغورني كاراباخ ( آرتساخ) عند البروفيسور آرشاك بولاديان ورواية ” حافلة الصليب البيضاء”

 

اعداد: عدنان رحمن

اصدار: 25- 2- 2025

 

كتاب بعنوان ( مشكلة ناغورني كاراباخ ” آرتساخ” أسبابها وجذورها) للبروفيسور الدكتور آرشاك بولاديان، صدر عن منشورات آرارات للطباعة والنشر والتوزيع- بغداد- شارع المتنبي بطبعته الاولى عام 2020، الذي كان بمراجعة الدكتور جواد كاظم عبد البيضاني، وتبنى نشره ( مطرانية الأرمن الآرثودوكس في العراق)، كان قد ورد في جزءٍ من عنوانٍ فرعي فيه ( ناغورني كاراباخ ” آرتساخ” ماضياً وحاضراً):

– ” بداية يجب الإشارة بأن إقليم ( آرتساخ) أو ( ناغورني كاراباخ) تاريخياً وحضارياً وثقافياً وجغرافياً وعرقياً ليس له أي صلة بجمهورية أذربيجان، وتدّل المصادر والمراجع القديمة غير الأرمينية والمعالم التاريخية على كافة أراضي ناغورني كاراباخ من دون شك على أنها جزء لا يتجزأ من أرمينيا التاريخية. ويشهد على ذلك معلومات المؤرخين والجغرافيين القدامى من أمثال هيرودوت وسترابو وبيلينيوس الأول وكلافديسو بطليموس، وبلودارخ وديون كاسيوس وغيرهم. كما يشهد على ذلك التراث الثقافي والحضاري الغني، كما ذكرنا على كافة أراضي الأقاليم. وكان يطلق على آرتساخ في الفترة الأورارطية الأرمنية ( القرنين التاسع السادس قبل الميلاد) تسمية أورطيخي- أورطيخيني. وأنشيء هناك أول مدرسة معروفة بفضل جهود مخترع الأبجدية الأرمنية، ميسروب ماشطوتس عام ٤٠٥. وكان مقر هذه المدرسة دير ( آماراس) الواقع في منطقة مارتوني الحالية، وتثبت النصوص الأثرية والمعلومات التاريخية أن هذه البقاع هي فعلاً كان مهداً للحضارة الأرمنية المسيحية أيضاً في القرون الوسطى. وفي القرن الثامن الميلادي وصلت موجات الفتح العربي الإسلامي إلى المنطقة. وفي القرن الثالث عشر الميلادي تعرضت المنطقة لهجمات المغول الذين أطلقوا عليها اسم ( كاراباخ) أي ( البستان الأسود) أو ( الكرمة السوداء). وظل الإقليم يعرف بهذا الاسم حتى يومنا هذا. بعد تقسيم مملكة هايك الكبرى عام ۳۸۷ م. شكلّت آرتساخ جزءاً من المملكة الأرمنية الشرقية، التي سقطت على الفور تحت السيطرة الفارسية، وكانت آرتساخ جزءاً من مملكة البقرادونيين الأرمن في القرنين ( ۹- ۱۱م)، وبعدئذٍ لسلالة زاكاريان الأرمنية في القرنين ( ۱۳-۱۲م). وخلال القرون اللاحقة كانت آرتساخ ضمن سلطة غزاة آخرين وبقيت على وضعها الأرمني شبه المستقل. ظهر في منتصف القرن الثامن عشر العنصر التركي المعروف آنذاك باسم تتر القوقاس أحفاد قبائل الغز التركية والمسمّى لاحقاً- أي في القرن العشرين- بالشعب ( الأذربيجاني) رويداً رويداً في شمال آرتساخ، ما أدى الى الصدام مع الأرمن السكان الأصليين. من الجدير ذكره أنه في تلك الفترة ظهرت المماليك الأرمنية الخمسة ( مماليك خمسة) التي وصلت الى قمة نفوذها وازدهارها في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي. أما في نهاية الحروب بين القيصرية الروسية وإيران الشاهنشاهية في الأعوام ۱۷۹4- ۱۸۱۳، انتقلت كاراباخ- آرتساخ إضافة إلى ولايات أرمينيا الشمالية الشرقية الاخرى الى سيطرة روسيا وفق اتفاق صلح ( كوليستان) في عام ۱۸۱۳ المبرم بين الطرفين. وفي عام ١٨٤٠ بعد التقسيم الإداري في منطقة القوقاس الخاضعة للقيصرية الروسية انضمت كاراباخ إلى مقاطعة قزوين، وفيما بعد إلى مقاطعة يليزا فيتابول حسب الإصلاحات التالية في عام ۱۸٦٧. وبقي الوضع على حاله حتى الحرب العالمية الأولى. ويعود الجدال حول كاراباخ بعد إنطلاق ثورة أكتوبر في عام ۱۹۱۷ وإنهيار الإمبراطورية الروسية وإنسحابها من الحرب العالمية الأولى. وتم الاعتراف بحق تقرير مصير الشعوب التابعة لروسيا السوفييتية من خلال سياسة ( العقيدة الوطنية) التى أطلقها لينين قائد الثورة البلشفية. في أيار عام ۱۹۱۸ اعلنت جمهوريات أرمينيا وأذربيجان وجورجيا عن استقلالها، الذي لم يستمر طويلاً فبعد سنتين ونيف، فقدت هذه الدول استقلاليتها لأسباب مختلفة وانضمت فيما بعد الى المنظومة السوفييتية”.

  وعن دار سطور- بغداد- شارع المتنبي بالتعاون مع سومر للطباعة والنشر، صدر كتاب بعنوان ( حافلة الصليب البيضاء)، التي هي رواية لــلاستاذ ( نعيم كرم الله) في العام 2024 بطبعته الاولى، وكان قد ورد في جزءاً منها:

– ” بدا الطريق العام الموصل إلى بغداد مقفراً يتموج تحت لون زئبقي لسراب يوم قائظ في صحراء شاسعة، حين أوقفت المفرزة الأمريكية حافلة البحث التي يستقلها رياض حاتم ومجموعته التي كونها من خمسة أفراد من زملائه الذين رافقوه أيام زنازين العهد الديكتاتوري، الذي أسقط توا على أيدي القوات الأمريكية، كانت المجموعة قد تعاهدت وهي في غلواء نشوتها وفرحها بحدث سقوط النظام تعاهدت على القيام بمهمة البحث عن جثامين الذين فقدوا واختفوا على أيدي أجهزة القمع السرية.

 

 

 

أشار الجندي الأمريكي إلى سائق الحافلة بالوقوف والتراجع إلى الوراء على بعد مسافة مئة متر، أوضح ذلك المترجم الذي يرافق المفرزة، وأردف أنهم يريدون أن يفجروا مخلفاً حربيًا متروكاً بجانب الطريق العام. التفت رياض المهوس بالحماس إلى مجموعته وقال، يبدو أن هؤلاء وكأنهم قدموا من كوكب آخر، أنا ما زلت غير مصدق أن النظام قد سقط واختفى وتلاشى بهذه السرعة بعد عقود من الخوف والرعب والإعدام والحصار وعد أنفاس البشر. قال سعد حميد، أنا كنت في بغداد حينها وأقسم لك أني قد رأيت التمثال يسقط في ساحة الفردوس بلقطة سينمائية ستظل يتداولها الإعلام إلى ما لا نهاية. كان هناك شباب متحمسون يحيطون بالتمثال كادوا أن يطيروا من على الأرض، بينما راح رجل مفتول العضلات من أولئك الذين يظهرون في بطولات كمال الأجسام يحمل معولاً، راح يحطم قاعدة التمثال بكل ما أوتي من قوة وقد خلع قميصه وساعده آخرون بالمهمة، وهم يهتفون أسقطوا الصنم، أسقطوا الصنم، لكنهم لم يفلحوا بتحطيم جزء من قاعدة التمثال الخرسانية، إلى أن جاءت الآلية الأمريكية يحيط بها الجنود ووضعوا السلاسل والحبال برقبة التمثال وأسقطوه أرضاً وسط فرح حذر وهتافات حماسية لتلك اللحظة الخالدة لاختفاء الرعب، التي عصفت بنظام بدا عصيّاً على الإنس والجن في زوال كابوسه الجهنمي. قطع صوت الانفجار الذي أحدثه المخلف الحربي الحديث بين المجموعة، وتطاير الدخان والغبار في السماء مع سحابة سوداء حجبت رؤية الطريق بعدها سمحت المفرزة الأمريكية لحافلة المجموعة أن تذهب لوجهتها. كان الطريق خالياً إلا من الأرتال العسكرية، حيث ما زالت الأعمال الحربية قائمة، وتنتشر الجيوش التي تقودها أمريكا في طول البلاد وعرضها.

 

 

 

فور سماع سقوط تمثال ساحة الفردوس من خلال ثلاثة أجهزة راديو أحاط نفسه بها، وضع مؤشر كل راديو على كل محطة من محطاته المفضلة، إذاعة لندن، وإذاعة سوا، وإذاعة الكويت، كان يسهر ليالي طويلة محاطًا بأجهزته حتى الصباح، لا تفوته شاردة ولا واردة ولا خبر صغير ولا تحليل ولا رأي صحيفة ما من صحف العالم حول مدى جدية ما يحدث حين تتناقل تلك الوكالات تجاه أمريكا نحو إسقاط نظام صدام. طفق رياض حاتم يكون مجموعة البحث تلك مشحوناً بخمس عشرة سنة قضاها في سجون النظام الديكتاتوري وقسوته المرعبة، وقصص اختفاء وتعذيب لا توازيها أفلام الرعب في العالم كله متخيلاً لحظة السقوط تلك هي بمثابة هبوط الفردوس من السماء. كان المعارضون الذين هربوا من النظام في سنوات غلوائه وعنفه قد أنعشهم الحدث المهول وراحوا يدبجون المثاليات ويظهرون في وسائل إعلام عالمية بعدما جمعتهم أمريكا في مؤتمر سُمّي ( مؤتمر لندن للمعارضة العراقية) المتشكلة من أحزاب دينية وليبرالية وكوردية وقومية. لم يفكر رياض خارج اللحظة تلك، وكأن عقله لم يحتو إلا على مفردة واحدة أصبحت بحجم العالم كله وهي أن نظام الموت الذي لا يزول ولا يتزحزح قد زال الآن، وتلك حقيقة أغرب الآن من الخيال جعلته ينطلق كالمحموم مارا على مساحة الطبيعة البشرية بوهج مثالي صور له فيها وهمُ اللحظة تلك أن الألم الذي قاساه يشعر به العالم كله. كان حي الضفاف العشوائي الذي لا ضفاف فيه أبداً، الذي سكنه رياض حاتم منذ خروجه من السجن قد بدا ساكناً لا يعبأ بشيء وغير متفاعل مع الحدث، كان الحي يرقد في الفقر والفوضى وممرات المجاري المكشوفة وعشوائية البناء وبيوته الضيقة والمتهالكة وجوع ثلاث عشرة سنة من الحصار والضنك والضيق وهموم تدبير لقمة العيش جعلته مخدراً بترياق اليأس. حين يـمـر مــن خــلال أزقة الحي العشوائي القذرة ملتهباً بحماس الفردوس القادم يعزّي نفسه أن كل هذا سوف يتغير وسيعمل هو ورفقاء دربه على إحياء العزيمة والتفاني ومسح غلالة الكدر والفقر التي خلفتها عقود الديكتاتورية، فهو واحد من هؤلاء الذين أنهكهم نخر الحروب ولا عقلانية الديكتاتور و مخبرو حزبه وحيرة الحصار وعيشه المر”.

قد يعجبك ايضا