عبد القادر الرسام .. مؤسس الفن العراقي المعاصر

 

د. كاظم شمهود

اشتهر عبد القادر الرسام في اسطنبول وبغداد ودخلت اعماله في المسابقات والمعارض الدولية، ويذكر ان أحد لوحاته اقتناها متحف برلين بعدما فازت بالجائزة الثانية في المسابقة الدولية التي اجريت في المانيا، وهذا يعني ان عبد القادر سجل حضورا عالميا مبكرا تقدم به على كل الفنانين العراقيين الرواد وربما على العرب ايضا. كما يظهر ان عمله هذا نال اعجاب لجنة التحكيم التي تأخذ بنظر الاعتبار الاساليب الاوربية الحديثة كمقياس لتقيمها. ويبدو ان تاريخ المشاركة كان في زمن العلاقات الطيبة والودية التي كانت تربط الدولة العثمانية بالمانيا او في زمن بداية الدولة العراقية، ولكن لا نعرف بالتحديد تاريخ المشاركة والاقتناء واين أصبح مصير اللوحة.

 

 

رسم الطبيعة

يعتبر بعض النقاد ان رسوم عبد القادر الرسام تقليدية وليس جديدة على الساحة العراقية ولكن ماذا يقصد بالتقليدية هل هو تقليد للماضي او تقليد للطبيعة؟ والمتتبع لحياة عبد القادر واعماله والمنصف في ذلك، يرى غير ذلك فالتقليد ينطبق على الفنون الموروثة كالفن الاسلامي والخط العربي والزخرفة (الارابكس) والفنون الشعبية والتي كانت سائدة في ذلك الوقت ولكن عبد القادر تجاوز هذه التقاليد الموروثة واعتنق الفن الاوربي خاصة المدرسة الواقعية الكوربية والانطباعية ونقل ذلك الى العراق واخذ يدرس الجيل الثاني من الرواد.

وكان عبد القادر لا يرسم الطبيعة حرفيا كما يراها وانما يعمل على تحقيق ما يريده ويشعر به ومثله كمثل سيزان ومونيه حيث انفعل مع الطبيعة ومزج الواقع المرئي الحسي مع الوجدان والمشاعر الداخلية، فهو بذلك يتبع المدارس الاوربية الحديثة، فكانت حرارته وابداعاته في نقل المنظر لا تختلف عن اولئك الانطباعيين الذين تمردوا على الواقع الفني الكلاسيكي وخرجوا للطبيعة واثروا الحياة الريفية وانتعلوا احذية الفلاحين الغليضة وعاشوا حياتهم المتواضعة ليقتربوا من قلب الطبيعة.

 

كان الجيل الثاني من الشباب بعد الحرب العالمية الثانية منهمكين في اعمالهم التقليدية وحذوا خلف الجيل الاول واستاذهم عبد القادر ولكن الفرق بين الجيلين هو ان الثاني أصبح أكثر وعيا وثقافة وانه عاش احداث الحرب العالمية الثانية من سياسية وفكرية والصراع بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، وكان هؤلاء يقضون اوقاتهم بالنقاش حول المفاهيم الفنية الجديدة في أوربا وحول الفنانين الاوربيين الذين حلوا لتوهم في العراق.

كان عبد القادر في عصره امام تحديات كثيرة منها اولا هو التخلي عن الموروث الفني القديم وعزوفه عن الفن الاسلامي واعتناقه المذاهب الفنية الاوربية الحديثة خاصة الواقعية الكوربية الاشتراكية وشجعه على ذلك وجوده في اسطنبول وجولته في بعض المدن الاوربية والعربية، ثانيا مواجهة الفقهاء الذين كانوا يحرمون التصوير ويسيطرون على العوام، وتأسيسه مشغلا في بغداد واعطاء الدروس فيه، وهو بذلك يشبه الواسطي-1237- في زمانه عندما تحدى الجميع ورسم الجموع الغفيرة من الناس والخيل حتى النساء اثناء الولادة. ثالثا بما ان عصره عصر صراع بين القديم والحديث فلا بد منه ان يشتبك بفكره المقتنع به ضد التخلف والتحجر الذي كان يسود البلاد في ذلك الوقت ولا يحايد وعليه ان لا يصبح ذيلا.

 

 

يقول المصور الانكليزي كونستابل ان فهم الطبيعة ليس سهلا فلا بد من دراستها كالسير في الحقول واشباع العين برؤية سحرها وجمالها. ومجد كونستابل الظل والضوء والوحدة النغمية بين الالوان والاشكال. اما ديلاكروا فقال ان الطبيعة قاموس الفنان. بمعنى انه ليس تقليدا لها وانما انتقاء الاجمل منها من مفردات حسية اي يختار ما يعبر عن عمق مشاعره.. فالتعبير الكامل عن الغنائية الطبيعية هو ذلك الذي يمثل الجمال فهو يأتي ويروح مع تموجات الضوء واهتزازاته، وانه نوع من الشعر.

وبعد خسارة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الثانية عاد الضباط العراقيين من اسطنبول الى وطنهم واخذوا يمارسون الرسم في مشاغلهم وبعضهم اخذ يدرس مادة الرسم في المدارس البغدادية ويبدو ان بداية العشرينات كانت بداية ظهور المدارس الحكومية وبذات مادة الرسم تعتبر من المواد التدريسية الرسمية التي شرعتها وزارة التربية.

تعرضت اعمال عبد القادر الى التلف نتيجة الاهمال والرطوبة وعدم الصيانة وقد دأبت وزارة الثقافة الى ترميم بعض اعمال الفنانين الرواد وقد أخبرني الاستاذ محمد مكي، بان طالب مكي ساهم في ترميم اعمال عبد القادر الرسام. ومعروف ان عملية الترميم تحتاج الى خبرة وتخصص منها معرفة سبب تشقق الطبقة اللونية ومعرفة معالجة الرطوبة والمناخ وتغييراته، وظهرت في اعمال عبد القادر بقع لونية نتيجة تفاعل الغازات الموجودة في الجو مع الرطوبة فظهر احيانا مسحوق ابيض يشبه الكلس. وتذكر مديرة المتحف هدى الصديق التابع لمديرية الفنون بأنهم أنقذوا عشرات الاعمال من بين الركام بعد الفوضى التي عمت البلاد بعد السقوط عام 2003 حيث استطاعت الوزارة من انقاذ الكثير من اعمال الرواد والتي يعود معظمها الى عام 1950 ومن بينهم اعمال عبد القادر الرسام، واقامت لهم الوزارة معرضا يضم على أكثر من 50 عملا فنيا. وكان عدد من لوحات عبد القادر الرسام تعود الى عام 1895 منها لوحة تمثل الخيالة.

 

قد يعجبك ايضا