اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 18- 2- 2025
صدر للـ ( د. آزاد عثمان) كتاب بعنوان ( مسألة محافظة كركوك المجزأة) عن دار موكرياني للطبع والنشر بطبعته الاولى عام 2013، الذي كان رقم ايداعه في المديرية العامة للمكتبات العامة ( 744) لسنة 2013. وكانت محتوياته متنوعة شملت حلولا لمسألة كركوك ومحاولات النظام السابق ( 1968- 2003) لتعريبها، وما تتطلبه اوضاع كركوك الحديثة من اداء بالنسبة لمؤسسات حكومة اقليم كوردستان- العراق لواجباتها من اجل حل تلك القضية. وكان من احد عناوين الكتاب الفرعية: ( الحل الجذري للقضية الكوردية في العراق يتوقف أساساً على حل مسالة محافظة كركوك المجزأة)، الذي ورد فيه:
– ” في أعقاب الحرب العالمية الأولى و إنهيار الأمبراطورية العثمانية تمكنت جميع الشعوب غير التركية في الأمبراطورية المنحلة تشكيل دولها المستقلة، عدا الشعب الكوردي الذي حرم من حقه الشرعي في تقرير مصيره بنفسه، بالرغم من إقرار هذا الحق في معاهدة سيفر ( ۱۹۲۰) للسلام بين الحلفاء و تركيا، حيث أكدت المادتان ٦٢ و ٦٣ على حصول جزء كبير من كوردستان ( العثمانية)- في البداية من شمالها- على الأستقلال الكامل في غضون عام واحد بعد تنفيذ المعاهدة. ونصت المادة ٦٤ على إستفتاء الشعب الكوردي في كوردستان الجنوبية ( التي كانت تشكل القسم الأعظم من ولاية الموصل) بعد ذلك بشأن إنضمامها إلى الدولة الكوردية المستقلة. ( دافيد ماكدوفال، ۱۹۷۷ ، ص ٤٥٩- ٤٦٠). بعد تأكد البريطانيين من وجود كميات هائلة مـن النفط في كوردستان الجنوبية- خاصة في كركوك، تراجعوا تدريجيا عن تعهدهم بصدد إستقلال كوردستان. فاقترحوا في بادئ الأمر منح كوردستان الجنوبية الحكم الذاتي بعد ضمها إلى ميزوبوتاميا ( بلاد مابين النهرين) أي دمجها في مملكة العراق ( مقابل موافقة حكومة العراق على منح الشركات الأنجليزية- والغربية الأخرى – إمتياز إستخراج النفط) والمساومة مع تركيا فيما بعد على أساس التنازل عن المطالبة بولاية الموصل، مقابل الأجهاز على معاهدة سيفر والتخلي عن تنفيذ البنود الخاصة بالدولة الكوردية المستقلة. وقد تمت هذه الصفقة الغادرة فعلا في معاهدة لاحقة في لوزان ( ۱۹۲۳) بين الحلفاء وتركيا الكمالية التي خلت حتى من كلمة الكورد. وقد أصاب المستعمرون البريطانيون في هذه العملية عدة أهداف بحجر واحد حيث خدعوا بعض الكورد فيها بطرح موضوع ( الحكم الذاتي) كبديل عن الدولة المستقلة، وألزموا حكومة المملكة العراقية مقابل إمرار هذه الخدعة، وكذلك إقناع الترك بتفاصيل المخطط بالاستجابة لمطاليبهم وشروطهم التي تضمن مصالحهم الخاصة في الدولة العراقية الفتية، وساوموا الدولة التركية الجديدة ( الكمالية) بموجبها على أساس القضاء على حق الكورد في تشكيل دولتهم المستقلة. وقد لعب المندوب السامي البريطاني في بغداد بيرسي كوكس، دورا أساسيا في رسم هذا المخطط اللئيم. ففي الرسالة التي بعثها في الرابع من كانون الثاني عام ۱۹۲۲ إلى الملك فيصل يصف كوكس جوهر الخطة كما يلي: ( إنها تؤدي إلى عدم التحاق المناطق الكوردية في العراق بكوردستان التي ستحدد للأستقلال عن تركيا، وفي نفس الوقت تكون الحكومة التركية حرة في عدم الالتزام بالسماح للمناطق الكوردية في تركيا للحصول على الاستقلال الكامل). (بيتر، سلو جليت، ١٩٧٦، ص ١١٩). ففي الوقت الذي سمحت فيه بريطانيا العظمى للعديد من العشائر أو العوائل العربية في الخليج بتشكيل دول وإمارات مستقلة منعت فيه قيام أية دولة أو إمارة كوردية، حتى في ظل حكومة خاضعة لها أو متحالفة معها على غرار تلك الدول والأمارات التي أقامتها في شبه الجزيرة العربية!. تُرى ماذا كان السبب؟. بهذا الخصوص كتب السياسي العربي العراقي الأستاذ عزيز شريف عام 1955: ( أما علّة عدم إدارة كوردستان الجنوبية بالأحتلال المباشر، فمردها الى تفادي النفقات الباهظة التي يقتضيها الأحتلال. وقد وجد الأستعمار البريطاني في حكام العراق البوليس الذي يقوم له بخدمة الحراسة على العراق بما فيه كوردستان، ويجبي نفقاتها ونفقات سحق الحركة القومية الكوردية من جماهير العراق الكادحة، بدلا من أن تقع على كاهل الخزانة البريطانية.
وبايجاز إن الأسلوب البريطاني في السيطرة على كوردستان العراق يتخذ نوعا من الأنحراف عن الأساليب الاستعمارية الأخرى، فانه لم يديره بالاحتلال المباشر، كما انه لم يقيم فيه حكما شبه وطني بل حكمه بإسم حكم وطني- أجنبي، عراقي- عربي. ( عزيز شریف، ۱۹۸۷، ص ۱۳). ولقد حصلت الشركات الغربية فعلا على إمتياز النفط في كوردستان الجنوبية بموجب اتفاق خاص بهذا الغرض بين الحكومتين البريطانية والعراقية في ١٤ آذار عام 1925، قبل إلحاقها بالعراق رسميا- حيث حصلت ( شركة النفط التركية- البريطانية) التي تغير اسمها فيما بعد إلى شركة نفط العراق على الامتياز المنشود. وبعد مرور ثلاث سنوات تم توزيع نسب الأمتياز بين الشركات الغربية، حيث حازت شركتان بريطانية وبريطانية- هولندية على نسبة 50، 47 % وشركتان فرنسية وأمريكية كل منهما على نسبة 75، 23 % وحصل التاجر الأرمني س. جولبنكيان على نسبة 5 %. ( فاضل حسين، ۱۹۷۷، ص ٣١٦). وخرج الكورد من هذه العملية حتى من الناحية الاقتصادية بخُفي حنين. وتمّ ضم كوردستان الجنوبية إلى المملكة العراقية في ١٦ كانون الأول 1925، بموجب قرار من عصبة الأمم، يتجاهل أصلا النتيجة الفعلية للأستفتاء الذي أجرته اللجنة المكلفة منها بتقصي الحقائق في عموم ولاية الموصل، ( أو بالأحرى نتيجة آراء الكورد في كوردستان الجنوبية بشأن مصيرهم). فلقد أصرّ الكورد في كركوك والسليمانية على الأستقلال و وافق الكورد في أربيل و المناطق الكوردية من الموصل على الضم الى العراق- في حالة تعذر الأستقلال- شريطة ضمان الحكم الذاتي. ( فريد ئیستر باور، ۱۹۷۷، ص ٢٥٦). فكان موضوع النفط لدى الغربيين- آنذاك- أهم بكثير من مسألة دولة كوردية ذات سيادة. لقد كان إكتشاف النفط في كوردستان الجنوبية نقمة على الشعب الكوردي خاصة وعلى أهل العراق عامة بدلا من أن يكون نعمة لهم جميعا. ففي لواء كركوك بدأت عملية التعريب بعد مرور بضعة أعوام على تأسيس مملكة العراق بسبب وجود النفط هناك. في عام ۱۹۳۷ تم إسكان عشرين ألف عائلة عربية في مناطق الحويجة وداقوق و تازه خـــورماتو. ( أ. د. خليل محمد، ۱۹۹۹، ص ٤٤). ولقد أصبح تعريب محافظة كركوك سياسة ثابتة تُطبق وفق خطة مرسومة منذ عام ١٩٦٨ بلغت ذروتها في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وقد تم هدم عشرات القرى الكوردية في محافظة كركوك خاصة ضمن حملات ( الأنفال السيئة الصيت)، علما بأنه تم هدم ۷۷۹ قرية وكوردية فقط في هذه المحافظة بين عامي ۱۹٦٣- ۱۹۹۰. وتم ترحيل عشرات الآلاف من الكورد من ديارهم هناك، وقد تم إبادة قسم منهم ودفنهم في مقابر جماعية في أماكن متعددة في غرب وجنوب العراق. وقد عُثر على جثث العشرات منهم في القبور الجماعية المكتشفة لحد الآن. وبسبب ممارسة هذه السياسة العنصرية المعادية لكل القيم العربية الشريفة والمنافية لجميع الشرائع الدينية والأعراف الأنسانية، قَلّت نسبة الكورد في كركوك تدريجيا، ففي إحصاء عام ١٩٤٧ كانت نسبة السكان الكورد ٥٣,٠%، في إحصاء عام ١٩٥٧ أصبحت ٤٨,٣ %، وفي إحصاء عام ۱۹۷۷ هبطت إلى ٣٧,٥% وقد قلّت نسبة السكان التركمان في كركوك من 4، 21 % في إحصاء عام ١٩٥٧ إلى ١٦,٣ % في إحصاء عام ۱۹۷۷. بينما زادت نسبة السكان العرب باستمرار، فلقد ارتفعت نسبة الساكنين العرب من 2، 28 % في إحصاء عام ١٩٥٧ إلى ٤٤,٤% في إحصاء عام 1۹۷7. ( راجع الأحصائيات العراقية الرسمية). ولتحقيق تعريب أوسع لمحافظة كركوك لم يكتفي نظام البعث بممارسات ( التطهير العرقي) البغيض، ولا بتزوير سجلات النفوس أو إجبار أهاليها- غير العرب- على تغيير قوميتهم باسم ( تصحيح القومية)، بل قام أيضا بتفكيك وحدة محافظة كركوك الجغرافية والأدارية وتقزيم المحافظة، ففصّل أربع أقضية منها، وألغى عدة نواحي فيها، ذي أغلبية سكانية كوردية- أو كوردية تركمانية- وضمها إلى محافظات أخرى ذي أغلبية عربية سُنيّة بغية خفض نسبة السكان الكورد بالدرجة الأساسية في محافظة كركوك و زيادة نسبة السكان العرب فيها. فلقد ضمّ قضاء طوزخورماتو إلى محافظة تكريت صلاح الدين وقضاء كفري إلى محافظة ديالى، وقضائي جمجمال وكلار إلى محافظة السليمانية وناحية آلتون كوبري إلى محافظة أربيل. وألغى نواحي شوان وقره هنجير و قره حسن نهائيا، وقام ببناء أحياء إستيطانية عربية في مدينة كركوك كـ( محلتي العروبة والقادسية…). وكذلك ببناء مستوطنات عربية في أطراف كركوك باسماء فلسطينية كـ( حيفا ويافا…)، وغيّر إسم المحافظة إلى ( التأميم)”.