من سيحكم قطاع غزة بعد الحرب؟ السؤال الأكبر في مرحلة وقف إطلاق النار

 

التآخي ـ وكالات

تعد مسألة حكم قطاع غزة بعد نهاية الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس”، واحدة من أكثر القضايا الشائكة، إذ لم يجري التوصل إلى قرار واضح بشأنها في المفاوضات بين طرفي النزاع، التي أثمرت حتى الآن اتفاقا لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى، عندما يدخل حيز التنفيذ. وفيما ترفض إسرائيل أي دور لحماس في إدارة القطاع بعد الحرب، وتعارض أيضا حكم السلطة الفلسطينية؛ يقترح البعض تكليف قوة دولية بالمهمة، لكن هذا الخيار يصطدم برفض حماس التي تعي جيدا هي الأخرى أن استفرادها بالحكم لم يعد ممكنا.

ويرتقب أن ينهي اتفاق وقف إطلاق المعلن عنه حربا مدمرة استمرت نحو 15 شهرا وخلفت عشرات آلاف القتلى والنازحين. برغم ذلك، لن تكون الخطوة آخر حلقات سلسلة التفاوض بين الطرفين، إذ يتنظر العملية طريق معقدة يرجح أن تصطدم خلالها بألغام سياسية أبرزها هوية الجهة التي ستحكم القطاع بعد الحرب.

في هذا السياق، عبرت أسر الرهائن الإسرائيليين عن قلقها من احتمال عدم تنفيذ كامل الاتفاق مما سيؤدي إلى بقاء بعض الرهائن في غزة.

 

 

ومن المقرر أن تبدأ المفاوضات بشأن تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق في اليوم السادس عشر من المرحلة الأولى. ومن المتوقع أن تشمل هذه المرحلة إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، ووقف إطلاق النار الدائم، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة.

ويرجح أن تتناول المرحلة الثالثة استعادة إسرائيل لرفات الرهائن المتوفين، وبدء إعادة إعمار غزة بإشراف مصر وقطر والأمم المتحدة.

وبرغم أجواء الفرح التي سادت غزة في يوم اعلان الاتفاق، جاء إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس برعاية مصر وقطر والولايات المتحدة، ليطرح سؤالا جوهريا بشأن مرحلة اليوم التالي في قطاع غزة.

وفي حال سارت الأمور بسلاسة، فلا يزال يتعين على الفلسطينيين والدول العربية وإسرائيل الاتفاق على رؤية لغزة ما بعد الحرب، وهو التحدي الهائل الذي ينطوي على ضمانات أمنية لإسرائيل واستثمار مليارات الدولارات لإعادة الإعمار.

وفازت حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، فسيطرت على قطاع غزة عام 2007 بعد إجبار حركة فتح التي يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على الخروج من القطاع بعد أشهر من الجمود السياسي بشأن اتفاق لتقاسم السلطة.

وبعد حرب غزة سنة 2014، لم تتدخل حماس مباشرة في إعادة الإعمار، وأبدت مرونة، فيما وافقت على لجنة الإسناد وهي لجنة مشتركة بين فتح وحماس لإدارة قطاع غزة في المرحلة التالية للحرب اسمها الكامل لجنة الإسناد المجتمعي، ومنذ أشهر، يكرر مسؤولون فلسطينيون من الفصائل كافة أن إدارة الأراضي هي مسؤوليتهم، وأنهم لن يتسامحوا مع أي تدخل أجنبي.

وإثر محادثات في القاهرة، اتفق ممثلو حماس وفتح على تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، تتألف من شخصيات غير حزبية بقيادة السلطة الفلسطينية.

ان إنشاء هذه اللجنة على وفق مراقبين يقتضي من محمود عباس إصدار مرسوم رئاسي، يعني بالضرورة تحقيق مصالحة فلسطينية، لكن هذا الأمر غير وارد في المرحلة الحالية في الأقل “نظرا لخوف عباس من فقدان التمويل الدولي ورغبته في استعادة السيطرة الأمنية الكاملة على قطاع غزة”.

وبفضل تشجيع ولو غير مباشر من جانب جزء من المجتمع الدولي، تحاول السلطة الفلسطينية في رام الله، الحفاظ على حضورها في غزة، وخصوصا من خلال البلديات التي لا زال موظفوها المدنيون يعملون فيها.

كما أن إعادة فتح معبر رفح، بوابة الخروج من القطاع إلى مصر، التي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي في أيار 2024، هي أيضا موضوع مفاوضات غير رسمية وغير مباشرة بين مصر وإسرائيل والفلسطينيين وشركاء أجانب مثل الاتحاد الأوروبي.

 

وفي حال تمكنت السلطة الفلسطينية من إدارته، فإنها ستفتح الطريق أمام عودتها إلى قطاع غزة.

في هذا السياق، شدد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، على أن السلطة الفلسطينية هي الجهة الشرعية الوحيدة التي يجب أن تدير قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

وقال مصطفى، في كلمة له خلال مشاركته في مؤتمر دولي بالنرويج، “بينما ننتظر وقف إطلاق النار، من المهم التأكيد على أنه لن يكون مقبولا لأي كيان آخر أن يحكم قطاع غزة غير القيادة الفلسطينية الشرعية وحكومة دولة فلسطين”.

وشدد مصطفى على ضرورة ألا تكون هناك محاولة لفصل غزة عن الضفة الغربية المحتلة كجزء من دولة فلسطينية مستقبلية.

وكان تقرير لهيئة البث الإسرائيلية، اورد أن السلطة الفلسطينية رفضت تشكيل لجنة مشتركة مع حركة حماس لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، و”أصرت على إدارته بمفردها”، برغم اتفاق القاهرة الذي لم ترشح عنه تفاصيل كثيرة.

وذكرت مصادر مصرية مطلعة لهيئة البث، أن السلطة الفلسطينية “تجري محادثات مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، بشأن هذا الموضوع”.

ووفقا للتقرير، فقد حاولت مصر التوسط للتوصل إلى اتفاق بين السلطة الفلسطينية وحماس بشأن الإدارة المدنية لقطاع غزة، “لكنها لم تنجح” في ذلك.

وترفض إسرائيل أي دور لحماس التي تحكم القطاع منذ عام 2007 وتعهدت رسميا بتدمير الدولة العبرية. لكنها عارضت بنفس القدر تقريبا حكم السلطة الفلسطينية التي أنشئت بموجب اتفاقيات أوسلو للسلام المؤقتة قبل ثلاثة عقود التي لها سلطة محدودة في الضفة الغربية.

وقبل إقالته من منصبه في أوائل تشرين الثاني الماضي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت إنه لا يريد أن تدير بلاده قطاع غزة بعد الحرب. لكن خليفته، يسرائيل كاتس، طالب بـ”حرية العمل الكاملة” للجيش الإسرائيلي في القطاع.

وتقود شخصيات يمينية متطرفة، بمن فيهم أعضاء في الحكومة، حملة من أجل عودة المستوطنين إلى غزة، ويعدون إنشاء قواعد عسكرية في المنطقة بمنزلة دليل على الدعم الضمني لهذا المشروع.

مع ذلك، جرت مناقشات بين إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة لتشكيل إدارة مؤقتة تدير غزة إلى أن يتسنى للسلطة الفلسطينية بعد إصلاحها تولي المسؤولية.

كما تحدثت عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية عن قوة دولية ذات تفاصيل غامضة يمكن أن تشارك فيها المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وحتى الاتحاد الأوروبي.

وبحسب الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية عمر معربوني، هناك اتجاهان اثنان للتفصيل في مسألة مستقبل غزة بعد الحرب، أولهما مرتبط بنتيجة الحرب، “على المستوى المباشر لم تستطع إسرائيل إلحاق الهزيمة بحماس، ولم تستطع حتى اللحظة تحرير الأسرى بالقوة العسكرية، هذا له دلالاته انطلاقا من المفاهيم السائدة والثابتة لنتائج الحرب التي تحسم بنتائجها وليس بكلفتها، وبالتالي، حماس والفصائل الفلسطينية التي قاتلت في غزة، لا تعد نفسها مهزومة، وهذا سينعكس على مسألة إعادة ترتيب السلطة في قطاع غزة، لكنه بالتأكيد يعني أن الوضع لن يكون كما كان عليه قبل الحرب، وحماس بتقديري ستكون في حالة انفتاح على وضعية جديدة، لاسيما أن هناك مفاوضات مستمرة بين القوى الفلسطينية المختلفة، فضلا عن قيام روسيا في هذه المرحلة بتقريب وجهات النظر بين الفصائل، تماما كما تفعل الصين”.

وفضلا عن ذلك، يشير معربوني إلى أن “هناك مساع عربية في هذا الاتجاه أعتقد أنها ستبلغ مرحلة الوصول إلى اتفاق بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس وبقية الفصائل المتواجدة في غزة لتيسير مسألة إعادة الإعمار ودخول المساعدات الإنسانية وفك الحصار وما إلى ذلك، وهذا أمر بتقديري سيجري برعاية مصرية وقطرية بشكل مباشر، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كونها دول تشكل ضامنا لعملية وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب”.

وقبل يوم واحد من إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، طرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خطة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، قائلا إن إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن سلمت “خارطة الطريق” لفريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب لكي يتابعها في حالة التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في القطاع.

وفي كلمة ألقاها في المجلس الأطلسي بواشنطن في أيامه الأخيرة بمنصبه، قال بلينكن إن إدارة غزة بعد الحرب يجب أن تتولاها السلطة الفلسطينية ولكن مع أدوار مؤقتة للأمم المتحدة وأطراف أجنبية.

وأضاف بلينكن، كاشفا عن خطة طال انتظارها لما بعد الحرب مع انتهاء ولايته “نعتقد أن السلطة الفلسطينية يجب أن تدعو الشركاء الدوليين للمساعدة في إنشاء وتولي إدارة مؤقتة تتحمل المسؤولية عن القطاعات المدنية الرئيسة في غزة”.

هذا الموقف الأمريكي قد لا يصمد طويلا، إذ من المنتظر أن ينهج الرئيس ترامب نهجا مغايرا أكثر حزما خلال توليه السلطة. هذا الأخير لم ينتظر حتى بدء مهامه رسميا لإعلان بعض ملامح تصوره للمرحلة المقبلة، وحتى إن كان ترامب لا يملك استراتيجية واضحة بشأن اليوم التالي بعد الحرب، فإنه متشبث بضرورة إبعاد حماس عن أي تدبير مستقبلي لشؤون القطاع.

 

 

وابان المفاوضات، ادى موفد ترامب إلى الشرق الأوسط من أجل السلام ستيفن ويتكوف دورا رئيسا في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس؛ وعقب إعلانه الاتفاق بين الطرفين تعهد ترامب بأنه لن يسمح بأن تتحول غزة إلى “ملاذ للإرهاب”.

وكتب على شبكته للتواصل الاجتماعي “تروث سوشال” أن إدارته “ستواصل العمل بشكل وثيق مع إسرائيل وحلفائنا لنضمن أن غزة لن تتحول أبدا ملاذا للإرهاب من جديد”.

وفي عرضه الخطوط العريضة لخطة ما بعد الحرب في قطاع غزة، شدد بلينكن على ضرورة “ضمان عدم قدرة حماس على حكم قطاع غزة، وأن تتولى السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها حكم القطاع، ولكن مع أدوار مؤقتة للأمم المتحدة وأطراف دولية”.

كثير من قادة حماس سبق أن تحدثوا عن قدرة المقاومة بعد الحرب، وربطوها بتصورهم لطبيعة الحكم المرتقب لقطاع غزة. باسم نعيم الذي يشغل منصب عضو المكتب السياسي للحركة واحد من هؤلاء، قال في تصريحات إعلامية سابقة أن حماس لن تطالب بالتفرد بالحكم، لكنه شدد على أن الأمر شأن داخلي فلسطيني، قد يحل بتوافق جميع مكونات الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية، على شكل من أشكال الإدارة ولو مؤقتا، عبر حكومة وحدة وطنية تحكم قطاع غزة والضفة الغربية والقدس لمدة محدودة وتقوم بمهام محدودة، مثل إعادة إعمار قطاع غزة وتوحيد المؤسسات التي عاشت وعانت من انقسام عمره 17 سنة، والتحضير لانتخابات؛ في المقابل، عبر عن الرفض التام لحكم القطاع من قبل أي جهة خارجية.

في هذا السياق، يرى المحلل السياسي عمر الرداد أن “حماس لديها قناعة اليوم بأنها لن تعود في الأقل مستفردة بحكم قطاع غزة كما كان الواقع قبل السابع من تشرين لاول، وكل ما تأمله أن تكون شريكة مع الجانب الفلسطيني”.

ويوضح الرداد أن “الإشكالية اليوم مرتبطة باليمين الإسرائيلي الذي لا يريد لا لحركة فتح أي السلطة الوطنية الفلسطينية ولا لحركة حماس حكم غزة، وهو ما عبر عنه نتانياهو، بتكراره في مناسبات عديدة، عبارة لا فتحستان ولا حماستان، قاصدا بذلك أن التنظيمين إرهابيين ولن يسمح لهما بإدارة القطاع”، هذا الخيار بحسب المتحدث “يتعارض مع الموقف الدولي، إذ تصر كثير من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلى جانب الدول العربية على حكم السلطة الفلسطينية قطاع غزة كما الشأن بالنسبة للضفة الغربية”.

وبحسب المحلل السياسي فستشهد المرحلة المقبلة “مزيد من الضغوط على إسرائيل تمهيدا لعوده السلطة الوطنية الفلسطينية إلى رفح، وربما سيكون ذلك عبر إشارات تتمثل في عودة تسلمها لإدارة المعابر، بحيث تشرف على العملية، مع احتمال مشاركة جهة أوروبية أو جهات عربية مثل قطر، أو الإمارات، أو مصر، أو الأردن، أو غيرها من الدول”.

ويخلص المتحدث إلى أن “حماس لن تستفرد بإدارة غزة بأي صيغة من الصيغ”، غير أنه يؤكد “أن كثيرا من علامات الاستفهام بشأن إمكانية حكم السلطة الفلسطينية للقطاع ما تزال مطروحة، لا سيما وأنها متهمة بالفساد ومدعوة لإجراء إصلاحات هيكلية” لكنه يرجح في المقابل أن “أطروحات اليمين الإسرائيلي ستذهب أدراج الرياح، إذ لابد من شريك فلسطيني يدير قطاع غزة في جميع الأحوال وإلا تحول الأمر إلى احتلال كامل له”.

قد يعجبك ايضا