تداعيات تغير المناخ .. مشكلات نفسية واضطرابات ما بعد الصدمة

 

متابعة – التآخي

تداعيات كثيرة لتغير المناخ، لكن الآن يقول باحثون إن الفيضانات وحرائق الغابات تجعل الناس أكثر عرضة للأمراض العقلية واضطرابات ما بعد الصدمة، فكيف يحدث ذلك؟ وكيف يمكن علاج اضطرابات ما بعد الصدمة؟

من المعتاد أن يعاني الجنود من اضطرابات ما بعد الصدمة عقب انتهاء مشاركتهم في مهام قتالية، بيد أن الأمر لم يعد يتوقف عليهم إذ يمكن أن يُصاب بذلك الاشخاص الذين يتعرضون لأعمال عنف أو أعمال تهجير وطرد أو حتى فرق الانقاذ الذين يعملون على إنقاذ المتضررين وانتشال الجثث في مناطق الكوارث. وقد تكون ظواهر الطقس المتطرفة وراء هذه الكوارث إذ قد يضطر الناس إلى الهرب من الفيضانات أو حرائق الغابات.

ويقول الباحثون إنه إذا تعرض شخص ما لخطر شديد ومباشر بسبب ظواهر الطقس المتطرفة مما أسفر عن شعوره بالعجز، فقد يكون أكثر عرضة للإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة.

وفي ذلك، يقول أندرياس ماير ليندنبرغ، رئيس الجمعية الألمانية للطب النفسي والعلاج النفسي / علم النفس الجسدي، إنه جرى دراسة “تداعيات إعصار كاترينا وريتا عن كثب”، في إشارة إلى أسوأ كارثة طبيعية ضربت الولايات المتحدة، تسببت في مقتل أكثر من 1800 شخص.

 

 

وابان الاعصار، عمل ليندنبرغ على إدارة الإسعافات الأولية النفسية في المدن الأمريكية التي اجتاحها الإعصار.

ويقول ماير ليندنبرغ إنه من غير الضروري “أن كل شخص يتعرض لأحداث مناخية متطرفة سوف يعاني من مشكلات في الصحة العقلية، لكن هناك زيادة كبيرة في مشكلات الصحة العقلية والأمراض عقب الأحداث المناخية القاسية”.

وأشار إلى أن نحو نصف المتضررين من الدمار الذي خلفه إعصار كاترينا أصيبوا باضطرابات ما بعد الصدمة بما شمل الاكتئاب والقلق وحتى الإدمان، مشددا على أن اضطرابات ما بعد الصدمة تعد النتيجة السببية المباشرة لما مروا به من أزمات من جراء ظواهر الطقس المتطرفة.

وسلط ماير ليندنبرغ على مفهوم اضطرابات ما بعد الصدمة، قائلا إنها تمثل الأعراض والأزمات النفسية التي يُصاب بها الشخص أو أي شخص قريب منه “عقب تعرضه لحادث كان مصدر تهديد كبير ليصبح لاحقا جوهر مشاكله”.

ويقول إن هذه الأعراض قد تشمل أن يصبح الشخص حبيسا لهذه الكارثة في شكل ذكريات الماضي فيما يحاول الانسان تجنب أي شيء قد يستدعي داخله ذكريات الماضي مثل الأمطار بالنسبة لضحايا الفيضانات، مشيرا إلى أن هذه الاستراتيجية تشير إلى عدم قدرة الأشخاص على التغلب على اضطرابات ما بعد الصدمة من دون علاج.

يشار إلى أن البيانات حيال تأثير الأحداث المناخية المتطرفة على الصحة العقلية للضحايا من البلدان النامية التي تعد الأكثر تضررا من حرائق الغابات والفيضانات، شحيحة.

وفي هذا السياق، يقول ليندنبرغ إن معظم الأبحاث ذات الصلة “جرت في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا، لذا فإن هناك نقصا في البيانات الخاصة بالبلدان الأفريقية”.

يأتي ذلك برغم أن بلدان الجنوب العالمي تواجه ظواهر مناخية متطرفة تزداد حدتها ويطول أمدها بسبب تفاقم تداعيات ظاهرة تغير المناخ مقارنة بدول الشمال.

وقال ليندنبرغ “إذا امتلكت هذه البلدان خبرة جيدة في التعامل مع ظواهر الطقس القاسية بما يشمل مواجهة تداعياتها، فإن هذا يمكن بالطبع أن يخفف من التأثيرات النفسية المترتبة عليها”.

وفي هذا الصدد، يقول الباحثون إن السدود لا توفر الحماية للمنازل وممتلكات البشر في حالة وقوع فيضانات فحسب، وانما تحمي أيضا صحتهم العقلية عن طريق تعزيز الشعور بالأمان، لكن الأمر يتطلب إنفاقا ماليا كبيرا في البلدان الفقيرة.

وفي هذا السياق، يشدد ليندنبرغ على ضرورة توافر الموارد المالية من أجل تقديم الإسعافات الأولية النفسية في أعقاب وقوع الكوارث الطبيعية، منوها إلى خطة من خمس نقاط أساسية تعد ركيزة الاستقرار النفسي للناجين من هذه الكوارث، مبينا ان الأمر الأول يتمثل في الحاجة إلى توفير مكان للنوم ومواد غذائية ومياه شرب نظيفة، مضيفا “لا يمكن التفكير في أي شيء آخر حتى يتم التأكد من توافر مثل هذه الاحتياجات الضرورية”.

وأشار إلى أن النقطة الثانية تتعلق بطمأنة الضحايا بوساطة الاستماع إليهم، لكن من دون إجبارهم على الحديث، مضيفا” النقطة الثالثة تكمن في تمكينهم من الاتصال بأقاربهم في أسرع وقت ممكن”.

 

 

وفي هذا السياق، يضيف “من المهم للغاية بالنسبة للأطفال على وجه الخصوص أن يكونوا قادرين على التواجد مع شخص يعرفونه في أقرب وقت ممكن”.

وأشار إلى أن النقطة الرابعة تتمحور بشأن قدرة الناس على التعامل مع الكوارث بشكل أفضل إذا تحلوا بقدر كبير من الكفاءة الذاتية وروح المبادرة، قائلا “مساعدة الناس هي إحدى طرق تحقيق ذلك”.

وأردف إن النقطة الخامسة تتمثل في رفع الروح المعنوية بين الناجين من الكوارث الطبيعية خاصة باتخاذ إجراءات تحفز داخلهم قدرتهم على “اجتياز هذه المدة الصعبة من حياتهم”.

ويقول المتخصصون إنه إذا ظهرت أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة على شخص ما، فيمكن مساعدته عن طريق ما يُعرف بـ “علاج التعرض” (Exposure Therapy) ما يعني تعرضه للصدمة مرة أخرى لخلق مساحة علاجية آمنة.

وفي ذلك، يقول ليندنبرغ إن “علاج التعرض قد يسهم في التغلب على اضطرابات ما بعد الصدمة”؛ لكنه حذر من أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة بسبب ظواهر الطقس المتطرفة قد يتعرضون لصدمات نفسية إذا تعرضوا بشكل متكرر لهذه الظواهر، مضيفا “كلما تزايدت مرات شعور الشخص بالعجز، كلما تفاقمت التداعيات”.

قد يعجبك ايضا