التآخي / علاء الفريجي
حسمت الهيئة الوطنية للصحافة المسؤولة عن الإشراف على المؤسسات الصحافية القومية (الحكومية) في مصر، قرارها بعدم إلغاء الصحف الورقية وإن سرّعت تحركاتها نحو التحول الرقمي من أجل مجاراة التطور التكنولوجي، الذي فرض نفسه بعد عزوف شريحة كبيرة من الجمهور عن الإعلام التقليدي، ما عدّه نواب برلمانيون خطوة إيجابية، لكنها غير كافية في ساحة تشهد منافسة إعلامية حادة .
وخصصت لجنة الإعلام بمجلس الشيوخ المصري جلسة مطولة أخيرا، لتشخيص المشكلات التي تواجه الصحف القومية، ومحاولة إيجاد حلول جذرية لها، وجرى الاتفاق على أن التحول الرقمي السبيل لخروج المؤسسات الصحافية من أزماتها، طالما أن فئة كبيرة من الجمهور لا يروق لها شراء صحيفة ورقية، بقدر ما تبحث عن وسيلة رقمية للحصول على المحتوى السريع .
وأكد رئيس الهيئة الوطنية للصحافة عبدالصادق الشوربجي وجود توجه لتحويل جميع المؤسسات الصحافية القومية إلى الشكل الرقمي، مع استمرار النسخة الورقية، بالتعاون مع وزارة الاتصالات، لأنها أصبحت تدر أرباحا معقولة، مستشهدا بما حققته صحيفة “الأهرام” التي يتابعها الملايين من المواطنين من خلال محتوى النسخة الرقمية .
وتقرر الانفتاح على الشراكة مع القطاع الخاص في مشروعات رقمية تخص الصحف القومية، مثل إسناد إدارة صفحات كل مؤسسة على شبكات التواصل الاجتماعي إلى شركة خاصة تملك أدوات مبتكرة لمخاطبة الجمهور، خاصة وأن الكثير من المؤسسات لديها إمكانيات كبيرة، لكنها عاجزة عن التسويق بشكل جيد، ولا تزال تتعاطى مع تطلعات القراء بطريقة عفا عليها الزمن .
وبدأت الكثير من الصحف الحكومية الرقمنة منذ سنوات، وأخفقت في توظيف ذلك، لأن المواقع الإلكترونية المملوكة للمؤسسات القومية تبدو نسخة مكررة من الصحيفة الورقية، من حيث التقليد في المحتوى وعرضه للجمهور، وفي كل حديث عن التطوير يتحجج المسؤولون بالوضع الاقتصادي لتبرير عدم شراء مستلزمات حديثة للتطوير
ولدى الكثير من الصحافيين في المؤسسات الحكومية استعداد لتقديم أفضل محتوى بأقل الإمكانيات المتاحة، على عكس روايات بعض المسؤولين، لكن المشكلة في وجود إدارات تميل إلى الالتزام بالرواية الرسمية فقط، وهي إشكالية عمّقت أزمات الصحف وأصابت العاملين فيها بإحباط، ظهر في أدائهم، ومنهم من ارتضى أن يصبح مجرد موظف أمام تشعب القيود
وتُطبق في الصحف الحكومية سياسة تحريرية محاطة بجملة من المحاذير، وإن لم يُطلب من الإدارة ذلك رسميا، والكثير من رؤساء التحرير يرون أن التجويد والتعمق والتحليل والتطوير وتلبية احتياجات الجمهور من تقديم محتوى جاد ومتوازن وجذاب، قد يوقعهم في محظورات سياسية تجعلهم في مرمى الاتهام بالخروج عن النص .
وينطبق هذا الفهم على الصحيفة الورقية والإلكترونية، ما جعل كل مؤسسة شبه عاجزة عن التطوير، ولو أطلقت أكثر من موقع إخباري عصري، لأنها تقدم ذلك للجمهور منذ البداية على أنها متحدثة بلسان الحكومة، وباتت تجربة التحول الرقمي في أغلب المؤسسات دون المستوى، ولم تستطع انتشال الصحافة من عثراتها، لأن التوسع فيها يحدث بطريقة عقيمة وتدعم الحكومة رقمنة الإصدارات الصحفية المملوكة لها، وتبدو صيغة مقبولة للتخلص من عبء دعم المؤسسات الصحفية سنويا بالمليارات من الجنيهات، رغم أنها لا تؤثر في الرأي العام ولا تستطيع توصيل رسائل الدولة جيدا إلى المواطنين، ولا تجلب عوائد مالية تُمكّنها من الاعتماد على نفسها، وتطلب مساعدات لتجنب الاندثار .