زيارة السوداني لأربيل .. ضرورة وطنية في وقت حرج

 

 

 

احمد غازي الجبوري

منذ تأسيس النظام السياسي العراقي الجديد بعد عام 2003، كانت العلاقة بين بغداد وأربيل مزيجاً من التعاون والتوتر والأزمات والانفراجات، وشهدت هذه العلاقة مراحل من التقارب، كما في التعاون ضد تنظيم “داعش”، وأخرى من الخلافات الحادة، كما حدث إثر استفتاء الاستقلال في 2017، وفي السنوات الأخيرة، برزت قضايا شائكة مثل إدارة الموارد النفطية، توزيع الموازنة الاتحادية رواتب موظفي الإقليم، والمناطق المتنازع عليها، كعوامل معقدة للعلاقة بين الطرفين.

 

واليوم … جاءت زيارة السوداني، في وقت يسعى فيه العراق إلى تحقيق استقرار سياسي واقتصادي داخلي، مع تعزيز دوره الإقليمي كوسيط وفاعل في استقرار المنطقة، وتشير هذه الزيارة، التي تعد الثالثة للسوداني إلى الإقليم منذ توليه منصبه في أكتوبر 2022، إلى إدراك عميق لأهمية إقليم كوردستان في معادلة الحكم الوطني.

 

ويمكن تلخيص البُعد الوطني لزيارة السوداني لأربيل بعدة نقاط أبرزها:

 

اولاً: تعزيز الاستقرار السياسي

يعاني العراق من هشاشة سياسية مزمنة نتيجة الانقسامات الطائفية والإثنية، وتعزيز العلاقة مع إقليم كوردستان يسهم في تحقيق استقرار سياسي أوسع، حيث يشكل الكورد مكوناً أساسياً في النسيج العراقي، وزيارة السوداني تؤكد أن الحكومة الاتحادية ملتزمة بإشراك جميع الأطراف في عملية صنع القرار.

 

 

ثانياً: الاستفادة من الموارد الاقتصادية

يمتلك إقليم كوردستان موارد طبيعية هائلة، خاصة النفط والغاز، والتي يمكن أن تلعب دوراً محورياً في تنشيط الاقتصاد العراقي، من خلال التعاون مع أربيل في إدارة هذه الموارد بشكل شفاف ومتوافق مع الدستور، يمكن للعراق تحقيق نمو اقتصادي مستدام يعود بالنفع على جميع مواطنيه.

 

ثالثاً: تعزيز الأمن القومي

شهد إقليم كوردستان، بفضل قوات البيشمركة، نجاحات كبيرة في مواجهة الإرهاب، خاصة خلال الحرب ضد “داعش”، إذ إن التعاون الأمني بين بغداد وأربيل يعزز قدرة العراق على مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، ويضمن استقرار المناطق الشمالية للبلاد.

 

رابعاً: دور اقليم كوردستان في الدبلوماسية الإقليمية

يتمتع إقليم كوردستان بعلاقات قوية مع دول الجوار، مما يجعله بوابة للعراق نحو تعزيز دوره الإقليمي، وزيارة السوداني تعكس إدراكاً لهذا الدور، حيث يمكن للتعاون مع أربيل أن يسهم في تعزيز مكانة العراق كلاعب إقليمي فاعل.

 

عدم التخلي عن كوردستان التزام وطني وأخلاقي

إن التأكيد على عدم التخلي عن كوردستان ليس مجرد شعار سياسي، بل هو التزام وطني وأخلاقي ينبع من تاريخ طويل من النضال المشترك بين كل مكونات الشعب العراقي، لقد كان الكورد شركاء أساسيين في بناء العراق الحديث، وساهموا بشكل كبير في إسقاط النظام الدكتاتوري السابق، وفي مواجهة التحديات التي واجهت البلاد لاحقاً، إن التخلي عن كوردستان يعني التفريط بجزء حيوي من الهوية الوطنية، وإضعاف الدولة أمام التحديات الداخلية والخارجية.

 

 

علاوة على ذلك، فإن دعم كوردستان يعني الالتزام بمبادئ العدالة والمساواة، حيث يحق للكورد، كما لغيرهم من العراقيين، التمتع بحقوقهم الدستورية ومشاركتهم في صنع مستقبل البلد، إن بناء علاقة قائمة على الثقة المتبادلة والاحترام بين بغداد وأربيل هو السبيل الوحيد لضمان استقرار العراق وازدهاره.

 

إن عدم التخلي عن كوردستان ليس خياراً سياسياً فحسب، بل هو ضرورة وطنية وأخلاقية تتطلب جهوداً مستمرة لبناء الثقة وتحقيق العدالة، ومن خلال الحوار والتعاون يمكن للعراق أن يتجاوز تحدياته ويبني مستقبلاً يشارك فيه الجميع في صنع القرار وجني ثمار التنمية.

قد يعجبك ايضا