حيدر فليح الشمري
عندما ننظر في زوايا الفصول الدراسية ، نرى كيف يُزرع المستقبل ببذور المعرفة والأمل ، وكيف تقف قامات شامخة تتحدى ظروفها بصمت ، نعرف إنهم معلمو العراق ، الذين حملوا مشاعل النور في بلد عانى طويلاً من ظلمات الحروب والصراعات ، يقفون كل صباح أمام صفوفهم بابتسامات تخفي خلفها قصصاً من المعاناة والصبر والكفاح من أجل لقمة العيش الكريم .
تتعالى اليوم أصوات المعلمين العراقيين مطالبة بحقوقهم المسلوبة ، ليس رغبةً في الترف أو الرفاهية ، بل سعياً وراء الحد الأدنى من العيش الكريم الذي يليق بمن يبني أجيال المستقبل ، رواتب لا تكاد تغطي احتياجات الأسبوع الأول من الشهر ، وقوانين مجحفة تقيد حريتهم المهنية وتحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية .
هل من المعقول أن من ينير العقول ويصقل المواهب يعيش في ظلام الحاجة والعوز .!؟
هل يُعقل أن من يُعلّم أبناء الوطن عن العدالة والمساواة يُحرم منها في واقعه المعيشي .!؟
يستيقظ المعلم العراقي فجراً ليقطع مسافات طويلة للوصول إلى مدرسة قد تفتقر لأبسط المقومات ، يدخل فصلاً مكتظاً بالتلاميذ ، يبذل جهده وروحه في التعليم ، ثم يعود مساءً منهك القوى ليجد نفسه عاجزاً عن تلبية احتياجات أسرته الأساسية .
مطالب المعلمين العراقيين ليست ترفاً ، بل هي جوهر حقوق الإنسان الأساسية ، “الحق في العمل بكرامة والحصول على أجر عادل يضمن مستوى معيشي لائق” ، هذه الحقوق ليست منحة أو هبة ، بل هي مكتسبات طبيعية كفلتها المواثيق الدولية والشرائع السماوية .
عندما يُكرم المعلم ويُمنح حقوقه ، لا يكسب هو فحسب ، بل تكسب الأمة بأكملها ، فالمعلم المُقدر المُحترم يعطي من قلبه وروحه ، ينقل المعرفة بشغف ، ويزرع في تلاميذه قيم العدل والمساواة التي يعيشها ويلمسها في واقعه .
لنرفع أصواتنا تضامناً مع معلمي العراق ، لنكن صدى لصرخاتهم الصامتة ، فحين نقف مع المعلم ، نقف مع المستقبل ، ومع الحلم العراقي بغدٍ أفضل تسوده العدالة والكرامة للجميع .
المعلم شمعة تحترق لتضيء دروب الآخرين كما يُقال ، فلنحرص ألا تنطفئ بظلم الواقع وقسوة الظروف ، ولنتذكر دائماً أن احترام حقوق المعلم هو احترام لحقوق الإنسان ، واحترام لقيمة العلم والمعرفة التي بها تُبنى الأوطان وتنهض الأمم