التآخي ـ وكالات
يقول خبراء إن قرار أحمد الشرع بإعلانه رئيساً مؤقتاً لسوريا يضفي الطابع الرسمي على إدارته للبلاد، لكن في المقابل حذر نشطاء أن الأمر لا يستند إلى الدستور وينذر بتداعيات خطيرة على مستقبل سوريا، على حد وصفهم.
وغداة إعلانه رئيسا مؤقتا لسوريا بعد نحو شهرين على الإطاحة بنظام بشار الأسد، خرج أحمد الشرع ليبعث برسائل تطمينية، قائلا “أحدثكم اليوم لا كحاكم بل كخادم لوطننا الجريح”.
وفي خطاب متلفز، بث في 29 كانون الثاني 2024 أُعلن إسناد منصب رئيس البلاد في سوريا في المرحلة الانتقالية إلى أحمد الشرع، الذي تعهد بإتمام “وحدة” أراضي سوريا وتحقيق “السلم الأهلي”.
وأعلنت الإدارة السورية الجديدة أيضا تفويض الشرع بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية وتعليق الدستور ضمن مجموعة من القرارات صدرت في “مؤتمر إعلان انتصار الثورة السورية” في دمشق بحضور قادة الفصائل المسلحة الأعضاء بإدارة العمليات العسكرية.
ويرى الباحث والمحلل السوري المستقل، منهل باريش، أن قرار الشرع كان “متأخرا بعض الشيء”.
وفي مقابلة قال باريش، المقيم في لندن، إن “ما تم إعلانه الأربعاء، أعتقد أنه كان يجب أن يجري ابتداء من يوم الثامن من كانون الثاني بالتزامن مع لحظة سقوط نظام بشار الأسد، لأننا كنا في مرحلة فراغ دستوري وكان يجب إعلان تشكيل قيادة هيئة حكم انتقالي مجلس قيادة يدير شؤون البلاد”.
وبرغم أن القرار “يضع سوريا على المسار الصحيح”، بحسب باريش، إلا أنه شدد على أن الإعلان يعتريه بعض القصور، وقال “كان يجب أن يترافق مع إعلان دستوري”، على حد قوله.
ولم تحدد القرارات الأخيرة موعدا لتشكيل الهيئة التشريعية الجديدة كما لم تتضمن أي تفاصيل عن الجدول الزمني للمدة الانتقالية مما أثار مخاوف نشطاء سوريين.
وفي مقابلة من محافظة السويداء جنوب غربي سوريا، رأت الناشطة السياسية، رقية الشاعر، قرارات الشرع الأخيرة بصفتها “غير قانونية ولا تستند إلى الدستور”، على حد وصفها.
واردفت إن الشرع “برر قراراته بأن الشرعية الثورية هي من منحته هذه الصلاحية. وبهذا نصب نفسه رئيسا لمرحلة قد تطول بحسب مقتضيات المرحلة”، بحسب تعبيرها.
وأضافت “سوف تكرس هذه القرارات حالة من الانقسام السياسي ما قد ينعكس حتمًا على الأرض ويمكن أن يترجم إلى حالة من النزاع”، بحسب قولها.
وشملت القرارات المعلنة حل مجلس الشعب الذي انتخب في عهد الأسد على أن يقوم المجلس التشريعي المؤقت بتولي مهامه لحين إقرار دستور دائم ودخوله حيز التنفيذ.
كما شملت القرارات “حل حزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان”، وأيضا “حل جميع الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية” مع دمجها في مؤسسات الدولة.
ويعتقد الباحث السوري باريش أن الأمور المتعلقة بشكل الحكومة المقبل ووضع خارطة طريق شاملة بما فيها الدستور “تتسم بالغموض”.
ورأى إن “تكليف الرئيس بإنشاء مجلس تشريعي تمثل كلمة فضفاضة وغير مفهومة، صراحة لا يحق للرئيس تشكيل مجلس تشريعي”، بحسب رأيه، مضيفا “من المبكر الحديث عن سيناريوهات سيئة أو جيدة، لكن جميع الأطراف متفقة على إعطاء فرصة للشرعية في هذه المرحلة سواء داخليا أو خارجيا”.
وكان الشرع قد ذكر في تصريحات سابقة أن سوريا بحاجة إلى مرحلة تمتد من ثلاث إلى أربع سنوات حتى تجري كتابة دستور وإجراء تغييرات جذرية في سوريا.
ومنذ الإطاحة ببشار الأسد، تبذل القيادة السورية الجديدة جهودا لطمأنه سكان بلد أنهكه نزاع اندلع عام 2011 وقضى على الأخضر واليابس وأدى إلى مقتل أكثر من نصف مليون انسان وتهجير الملايين.
وعقب تنصيبه رئيسا مؤقتا، شهدت معظم المدن السورية احتفالات؛ إذ خرج سوريون إلى ساحة الأمويين أكبر ميادين العاصمة دمشق وهم يرفعون العلم السوري ويرددون شعارات مؤيدة للشرع وضد حكم الأسد السابق.
وبرغم إقراره بأن الإعلان الأخير ليس سوى محاولة لإضفاء الطابع الرسمي على الوضع القائم، إلا أن نانار هواش، المحلل البارز في شؤون سوريا بمجموعة الأزمات الدولية، يشدد على ضرورة أن تقدم القيادة الجديدة على توضيح “الطبيعة المؤقتة” لتعيين الشرع.
وفي مقابلة مع القناة الالمانية العربية، أضاف “كان أحد الأهداف الرئيسة لإعلان الأربعاء هو دمج الفصائل المتعددة، باستثناء قوات سوريا الديمقراطية، ومع ذلك، هناك فجوة كبيرة بين إعلان الدمج واتخاذ خطوات ملموسة لتنفيذه”.
وفيما يتعلق بالمسار السياسي المستقبلي لسوريا، قال هواش إن “درجة الديمقراطية لا تزال غير مؤكدة. يمكن أن تكون الجمعية الوطنية (البرلمان) مؤشرا مبكرا على الاتجاه الذي تتجه إليه الأمور”.
ويخشى سوريون كثر من توجه السلطة الجديدة نحو إقامة نظام حكم ديني، وإقصاء مكونات واستبعاد المرأة من الحياة العامة برغم رسائل طمأنة يوجهها المسؤولون إلى شتى المكونات وبينها المكونات الدينية الأخرى، وإلى المجتمع المدني و الدولي.
وتعيش في سوريا تاريخيا مجموعات عرقية ودينية بما في ذلك المسيحيون والأرمن والكورد والشيعة. وينتاب كثير من أبناء هؤلاء القلق من أن أي حكم إسلامي قد يفرض عليهم أسلوب حياة مغاير.
ويعتقد هواش أن “القيادة الجديدة تفهم تعقيد وتنوع المجتمع السوري وتفهم أنها لا تستطيع فرض وجهات نظرها الخاصة على المجتمع السوري ككل، وهي بحاجة إلى منح مستوى معين من الحقوق والحريات للنساء والأقليات المتنوعة”.
وأضاف “أود القول بشكل عام إنه عندما يتعلق الأمر بالنوايا، يظهر أن القيادة لديها نية للحفاظ على حقوق الأقليات والنساء”، على وفق تعبيره.
ولاقى تنصيب الشرع رئيسا مؤقتا لسوريا ترحيبا من قطر والسعودية، ففي رسالة تهنئة، تمنى الملك سلمان للشرع “التوفيق والنجاح في قيادة بلدكم الشقيق نحو مستقبل مزدهر يحقق تطلعات الشعب السوري”.
وتأتي تهنئة السعودية في سياق علاقات ودية بين الطرفين؛ إذ كانت الرياض وجهة أول زيارة خارجية لوزير الخارجية في الإدارة السورية أسعد الشيباني مطلع شهر كانون الثاني.
وشدد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في زيارته لدمشق قبل أيام على وقوف بلاده إلى جانب الإدارة السورية الجديدة ودعمها في مسألة رفع العقوبات الغربية.
أما قطر، فقد زار أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دمشق بعد يوم من تنصيب الشرع ليكون بذلك أول زعيم دولة يزور العاصمة السورية منذ اسقاط بشار الأسد.
وفي تعليقه، يرى الباحث السوري المستقل، منهل باريش، إن “التحرك العربي تجاه سوريا سواء من تصريحات السعودية وزيارة أمير دولة قطر إلى دمشق تجعل الأمور تتوجه نحو استعادة سوريا لحضنها العربي”، بحسب تعبيره.
كيف سيكون شكل نظام الحكم في سوريا؟ برلماني أم رئاسي؟ قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع أحال هذا الأمر، في الحوارات الصحفية التي أجريت معه إلى طاولة “الحوار الوطني”.
ويعول السوريون على الحوار الوطني المنتظر كي يكوّنوا تصورا أكبر بشأن مستقبل بلدهم وطريقة حكمه؛ ولكن التفاصيل لازالت غير واضحة حول من سيشارك في هذا المؤتمر، فهل تشمل المشاركة جميع القوى السياسية؟ وهل يكون التمثيل بناء على أساس جغرافي (محافظات)، أم على أساس مذهبي / ديني وأساس إثني، أم مزيج من كل ذلك؟، بحسب تساؤلات المراقبين.
النقاشات حول ذلك بدأت بكثافة، سواء في المقاهي واللقاءات الخاصة والعامة، أو على وسائل التواصل الاجتماعي. وهناك حركات وأحزاب ناشئة بدأت بإطلاق رؤيتها وتدعو للنقاش العام.
وينتظر أن يكون هذا المؤتمر مقدمة لتغييرات سياسية لاحقة، منها تشكيل حكومة انتقالية، لتخلف الحكومة الحالية، برئاسة محمد البشير، التي تقوم بتصريف الأعمال، التي وجهت لها انتقادات بأنها من لون واحد، وانبثقت من هيئة تحرير الشام. فيما رد القائمون عليها، بأن “ضرورات العمل في هذه المرحلة” تطلبت ذلك.
ومن التغييرات المنتظرة أيضا البدء بإعداد الدستور، الذي قد يستمر العمل عليه مدة تتراوح “بين عامين وثلاثة أعوام”، على وفق الشرع.
وقد يشهد عام 2025 عودة الحياة السياسية “التعددية”، التي اختفت منذ عام 1958، هذا الطريق سيكون مليئا بالصعوبات والصراعات، لاسيما مع تواجد ملفات أخرى عالقة وهامة جدا.
من التحديات التي تواجه الإدارة الجديدة، هي نجاح عملية عملية دمج الفصائل التي قاتل معظمها لتحقيق هدف واحد وهو إسقاط نظام الأسد؛ ولكن ومع تحقيق هيئة تحرير الشام تفوقا كبيرا على بقية الفصائل، تولت هي مسؤولية دمجها، فهل ستتمكن البلاد من تشكيل جيش حقيقي بعيد عن الولاءات الفصائلية؟
وماذا عن الجيش الوطني السوري “الذي عرف بالجيش السوري الحر”، وهو قوَّة عسكريَّة مكون من عدة فصائل مدعومة من تركيا؟
والكلام نفسه ينطبق على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكوردية، فالقيادة السورية الجديدة في دمشق كررت الكلام أن “قسد” ستنضم إلى الجيش السوري الجديد، وقيادة قسد كررت التصريحات أيضا بأنها تريد الانضمام.
بيد أنّ المراقبين يقولون ان هذا العنوان يبقى غامضا حتى الآن ومن دون تفاصيل، وهو مرتبط بشكل كبير بالحل النهائي للملف الكوردي ومنطقة شمال شرق سوريا؛ وهذا الملف يرتبط بشكل كبير بالقوتين الرئيستين المؤثرتين هناك، وهما الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، بحسب قولهم.
وتواجه سوريا أيضا تحديات كبيرة في مجال إعادة الإعمار وهي الكلمة السحرية التي ينتظر السوريون سماعها، لكي يستطيعوا إعادة بناء المنازل المدمرة، والطرقات، وترميم كثير من القطاعات الخدمية، من كهرباء ومياه وصرف صحي واتصالات، الخ.
وهذا الأمر يشمل القطاع الصحي أيضا، الذي تضرر كثيرا في السنوات الماضية، بفعل عمليات قصف المشافي، التي كانت تشنها طائرات النظام المباد وحليفته روسيا حينها، كما شهد القطاع الطبي نزيفا كبيرا بهجرة العاملين فيه بعد التضييق عليهم وملاحقتهم، وأيضا بسبب الحالة المادية المزرية لهم.
وتشير التقديرات الى انه، بالمجمل اضطر نحو نصف السوريون لترك منازلهم، وهجروا إلى داخل أو خارج سوريا؛ وبمجرد سقوط الأسد واختفاء شبح الملاحقة الأمنية، بدأ سوريون كثر بالعودة إلى ديارهم، وبخاصة من دول لبنان، الأردن، تركيا، مصر.
وبالعموم ستستغرق مسألة عودة اللاجئين التدريجية سنوات على الأرجح، لأنها مرتبطة بشكل كبير بالاستقرار الأمني والاقتصادي وبإعادة الإعمار، بحسب الباحثين.
وتعاني سوريا من وضع اقتصادي كارثي بكل ما للكلمة من معنى، نسبة البطالة مرتفعة للغاية، والرواتب الشهرية في سوريا تعادل راتب عمل يوم واحد أو أقل في دول الجوار.
وقد تلوح الفرصة الآن للبدء بمشاريع استثمارية تعيد تحريك سوق العمل وقطاع الاقتصاد بشكل عام، إلا أن نجاح ذلك يرتبط بعامل مهم وهو رفع العقوبات الدولية، وهي عقوبات كثيرة جدا، فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وجهات أخرى.
وقد يبدأ الرفع التدريجي لهذه العقوبات في الأشهر الأولى من عام 2025، وهذا يعني حركة اقتصادية متصاعدة في سوريا، وتوضح ذلك في نشاط الأسواق المحلية وتصاعد حركة التبضع من قبل السكان، لاسيما بعد الارتفاع التدريجي لقيمة العملة السورية الليرة مقابل الدولار وانفتاح السوق السوري على الدول المجاورة لاسيما تركيا والأردن ودول الخليج العربية.