التآخي : وكالات
كان أحد أبرز احلامه الفنية هو تحويل رواية “الأوجاع والمسرات” للكاتب العراقي فؤاد التكرلي الى فيلم سينمائي، حيث بقي سنوات طويلة يعمل من اجل تحقيق هذا الحلم، حتى حققه عام 2013، وكان آخر فيلم اخرجه عراب السينما العراقية محمد شكري جميل الذي رحل اليوم الاثنين (27 كانون الثاني 2025) عن 88 عاماً.
محمد شكري جميل كان يرى المشهد الحياتي باعتباره فيلماً سينمائياً مزدهراً بالاحداث وضاجاً بالاصوات. ذات مرة سألته، خلال تصوير مشاهد فيلم الملك غازي في قصر الزهور الملكي، عن كيفية اختياره للرواية واسلوبه في تهيئة السيناريو قبل ان يتحول الى فيلم سينمائي، لاسيما وانه المخرج العراقي الوحيد الذي حول روايات عراقية مهمة الى السينما مثل رواية (الضامئون) للكاتب عبد الرزاق المطلبي عام 1973، ورواية الكاتب عبد الرحمن مجيد الربيعي (الاسوار) عام 1979، ورواية الكاتب فؤاد التكرلي (الاوجاع والمسرات) عام 2013، قال مباشرة: “عندما اقرأ الرواية تبدأ احداثها تتحول الى فيلم سينمائي في رأسي، حتى اني احدد اسماء الممثلين الذين سيلعبون ادوار الرواية. الحياة ذاتها بالنسبة لي احداث سينمائية وتحتاج الى تصويرها ومنتجتها لتكون فيلم واقعي مدهش”.
قبل ان يدرس فن السينما في المعهد العالي للسينما في المملكة المتحدة، كان قد عشق هذا الفن وشاهد الافلام التي عرضتها صالات بغداد، التي ولد فيها عام 1937، وبدأ تجربته سنة 1953 بإنتاج أفلام وثائقية لوحدة الإنتاج السينمائي في شركة نفط العراق وعمل في الافلام السينمائية العالمية (اصطياد الفأر) لبول روثا، وفيلم (عين الثعلب في الصحراء)، وفيلم الرعب (التعويذة) الذي صور في مدينة الموصل.
ملصق فيلم المسألة الكبرى
دراسته للسينما في انكلترا تفسر لنا سر انتمائه للسينما الانكليزية وتمسكه بالواقعية، وعشقه للروايات او السينما الروائية. وعندما عاد إلى العراق شارك في الاخراج مع المخرج جرجيس يوسف حمد لفيلم (أبو هيلة) عام 1963. وسنحت له فرصة فنية نادرة عندما عمل في المونتاج في الفيلم التاريخي (نبوخذ نصر) الذي اخرجه كامل العزاوي، والذي يعد أول فيلم عراقي ملون، ثم أخرج فيلم (شايف خير) عام 1968.
لكن الفرصة الكبيرة التي قدمته للجمهور والنقاد وعالم السينما هي اخراجه لفيلم الاسوار عام 1979 والذي يتحدث عن المرحلة النضالية للشعب العراقي ووقوفه إلى جانب الشعب المصري في مواجهة العدوان الثلاثي بعد تأميم قناة السويس عام 1956، واندلاع انتفاضة 1956 بالعراق.
في عام 1982 كان المخرج السينمائي محمد شكري جميل على موعد مع اضخم انتاج سينمائي حتى ذلك الوقت عندما اخرج فيلم (المسألة الكبرى) والذي شارك في تجسيد ادواره، بجانب الفنانين العراقيين، امثال غازي التكريتي وفاطمة الربيعي، ممثلون بريطانيون من ضمنهم الممثل العالمي اوليفر ريد .
فيلم “المسألة الكبرى” الذي يعتبر من أضخم إنتاجات السينما العراقية، حتى ذاك الوقت، ويتحدث عن نضال الشعب العراقي ضد المحتل الإنكليزي وثورة العشرين. وفي عام 1982 أخرج فيلم (المهمة مستمرة) وهو أول فيلم روائي عن الحرب العراقية – الايرانية، حيث مزج بين التسجيلي والروائي متناولاً حادثة حقيقية وقعت لطيار عراقي تصاب طائرته فوق اراضي العدو أثناء تنفيذه لأحد واجباته مما يضطره للهبوط في مكان ما، ومن ثم يبدأ رحلته في البحث عن طريق الخلاص بالعودة مشياً الي أرض الوطن. أخرج بعد ذلك أفلام: (الفارس والجبل) و(عرس عراقي) و(اللعبة) و(الملك غازي)، وفيلم (الاوجاع والمسرات) عن رواية فؤاد التكرلي عام 2013.
ملصق فيلم الضامئون
وفي مجال الإخراج التلفزيوني إخرج مسلسلات “حكايات المدن الثلاث”، و”الفراشات”، و”السرداب” الذي يعد آخر مسلسل تلفزيوني تولى مهمة إخراجه في عام 2006.
كان محمد شكري جميل يتعمد زج اسماء كثيرة من الممثلين العراقيين بينهم شباب عملوا للمرة الاولى في السينما، أمثال رياض شهيد وفيصل حامد وسهير اياد والذين مازالوا يدينون له الفرص النادرة التي وضعتهم على طريق السينما.
وكان الراحل محمد شكري جميل من الشخصيات العراقية القليلة التي حظيت برفع الستار عن نصب تذكاري نصفي لها في مقر نقابة الفنانين العراقيين في العاصمة بغداد عام 2023.