التاخي- ناهي العامري
استضاف منتدى بيتنا الثقافي الكاتب والمختص في شأن اليسار الاستاذ رشيد غويلب، لتقديم محاضرة بعنوان (اليسار بين الانكفاء والصعود .. ألأسباب والتحديات).
بدأ غويلب محاضرته بمفهوم اليسار واهميته، وقال ان اليسار له عدة توصيفات، وذلك لاسباب منهجية وتاريخية وحتى ثقافية، تعود لتطور الصراع السياسي والاجتماعي، مرورا بمراحل مختلفة، فضلا عن اختلاف الموضوعات والاهداف والمطالب من بلد لآخر.
واضاف: ان اليسار مفهوم نسبي تتحرك حدوده بدرجات مختلفة من قارة الى أخرى ومن بلد الى آخر، وفق حاجات الصراع وتوازن القوى، والتجربة التاريخية وطبيعة البنية الثقافية في البلد المعين، لذلك فتوصيف اليسار في الولايات المتحدة هو غير حدود التوصيف في اوربا او أمريكا اللاتينية.
اما في البلدان العربية فأن تجربة اليسار متأثرة باوربا، موطن اليسار الاول المعاصر، وعلى الصعيد المنهجي فاليسار مضادًا للرأسمالية، ويناضل من أجل بديل لها، جوهره العدالة الاجتماعية الجذرية، وإعادة توزيع الثروة لصالح الاكثرية، وان يكون علمي اممي تضامني، تحرري الموقف من حقوق المرأة ورؤيته للعلاقات الاجتماعية وخصوصية الافراد، وعلى هذا الاساس هناك كثير من القوى والافراد يمكن أن يكونوا اليوم شركاء لليسار وحتى جزء منه، ويسيرون معه محطات تطول وتقصر، والفيصل في هذا مدى تقبلهم لفكرة اعادة توزيع الثروات، وسياسيا يمتد اليسار بالمعنى الواسع من الاحزاب الديمقراطية الاجتماعية، مرورا بالاحزاب الشيوعية واليسار الماركسي بقراءاته الفكرية المختلفة، والعديد من احزاب الخضر والدفاع عن البيئة وصولاً الى تيارات الفوضويين واليسار المتطرف.
موضحا: ان كل المضامين التي رافقت صعود اليسار، تؤكد أنه ازداد أهمية في عالمنا اليوم، حيث يتفق كثير من المراقبين والاقتصاديين والباحثين في أن الرأسمالية لا تحل بأي شكل من الاشكال مشاكل البشرية الحالية والمستقبلية، على الرغم من امكانياتها الكبيرة، وليس هناك بديل مناهض للإمبريالية خارج منهجية اليسار التحررية، فالمشاريع القومية والطائفية، حتى وإن اختلفت سياسيا مع المراكز الرأسمالية فأنها لا تطرح مشروع خارجها.
ثم عرج غويلب الى اسباب صعود اليسار قبل تراجعه، يعود الى النجاحات في البلدان الاوربية التي حققتها احزاب الحركة العمالية قبل الحرب العالمية الاولى، ثم جاء انشقاق الحركة العمالية على خلفية الموقف من الحرب العالمية الاولى، الى يسار جذري اممي، رفض الحرب باعتبارها حرب امبريالية لاقتسام النفوذ بين مراكز الرأسمال حينها، كان ابرز رموزه: لينين، روزا لوكسمبورغ، وآخر وقع في فخ القومية وبرر اقتتال عمال البلدان المتحاربة.
والحدث الاهم في نهوض يسار القرن العشرين هو قيام ثورة اكتوبر، لانها قدّمت انموذجا ملموسا على امكانية كسر الهيمنة الامبريالية، وعبرت عن مطامح الاكثرية المستغلة والمضطهدة في العالم، وقدم النظام الاشتراكي الذي انبثق عنها مساعدات مكشوفة ومستترة للعديد من الحركات التحررية والبلدان النامية.
وعن أسباب التراجع الذي وقع مع قوى اليسار قال:
مثلما كانت ثورة اكتوبر رافعة لنهوض اليسار، فأن نهاية النموذج الاشتراكي في بلدان المنظومة الاشتراكية وغياب المثل العليا، كان عامل رئيسي في تراجع اليسار، بما في ذلك قوى اليسار التي كانت ناقدة بحق للجوانب السلبية في التجربة الاشتراكية الاولى. كذلك الاثار المدمرة لاعتماد التصفيات لادارة الصراع في حقبة سيادة الستالينية، ناهيك عن تحويل الماركسية إلى عقيدة جامدة،وشيوع البيروقراطية التي تراكمت في النظم الاشتراكية وانتقلت الى الاحزاب الشيوعية واليسارية بحكم العلاقة، وضعف التضامن مع عمال بلدان الاطراف نتيجة لنشوء أرستقراطية عمالية في بلدان المراكز الرأسمالية.