التآخي – وكالات
أدى انهيار الائتلاف الحكومي الالماني بزعامة المستشار أولاف شولتس لأزمة غير مسبوقة قد تُعيد تشكيل المشهد السياسي بالبلاد. يأتي ذلك في ظرف دولي بالغ الحساسية بالنسبة لبرلين على وفق عدد من المنابر الإعلامية الألمانية والأوروبية.
وكشف المستشار الألماني أولاف شولتس أنه سيطلب التصويت على الثقة في 16 كانون الأول المقبل، مما سيفتح الطريق لإجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها في شباط 2025. وجاء هذا الإعلان تحت قبة البرلمان “بوندستاغ” بعد انهيار حكومته الائتلافية المكونة من ثلاثة أحزاب، والمسماة بائتلاف “إشارة المرور”. وتتكون الحكومة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار وسط) بزعامة شولتس، والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، وحزب الخضر.
انهيار التحالف، جاء بعد إقالة شولتس لوزير ماليته كريستيان ليندنر بسبب خلافات بشأن الملف الاقتصادي؛ وتتزامن الأزمة السياسية الألمانية مع ظرف محلي ودولي زاد من تعقيده فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ إذ ترى النخب السياسية الألمانية في ترامب تحديا حقيقيا ينذر بمواجهة قد تضعف التحالف بين ضفتي الأطلسي؛ وان دفع الإدارة الجمهورية باستمرار نحو زيادة الإنفاق على التسليح والأمن سيضع برلين في دائرة الضوء بشكل خاص، كما ان الأزمة الحالية لا تساعد الحكومة على تعزيز موقع ألمانيا في داخل الاتحاد الأوروبي.
داخليا يتعرض المستشار أولاف شولتس لضغوط من المعارضة المحافظة ولكن أيضاً من قبل أرباب الاقتصاد والصناعة.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة “ذي غارديان” البريطانية (الاثنين 11 تشرين الثاني 2024) معلقة “ألمانيا ستواجه مدة من عدم الاستقرار تحت حكومة أقلية ضعيفة، مشابهة لما حدث في فرنسا بعد حسابات ماكرون الخاطئة في الصيف الماضي. هذا ليس مثالياً في وقت يخطط فيه دونالد ترامب لإعادة تشكيل السياسة الغربية تجاه أوكرانيا والتشويش على الاتحاد الأوروبي في قضايا التجارة. في لحظة حاسمة، يتباطأ محرك التكامل الأوروبي بين ألمانيا وفرنسا. في عالم متعدد الأقطاب، اذ تتفكك عقائد التجارة الحرة القديمة، يمثل نهج شولتس مفترق طرق بالنسبة لألمانيا، التي بقيت وفية لوصفات اقتصادية باتت قديمة. عواقب حرب روسيا ضد أوكرانيا وصعود الصين كمنافس، بالإضافة إلى أمريكا الأكثر حمائية، تشكل تهديداً وجودياً للاقتصاد الألماني المتأزم”.
ودعا المستشار الألماني أولاف شولتس في بيان حكومي أمام البرلمان يوم الأربعاء (13 تشرين الثاني 2024) القوى السياسية إلى تمرير مشاريع قوانين مثل زيادة إعانات الأطفال ورفع الحدود الضريبية قبل الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها في شباط من العام المقبل. وأكد أن الألمان لا يجب أن يضطروا للاختيار بين الأمن والرفاهية.
ومع استعداد الأحزاب للانتخابات، يواجه شولتس تحديات كبيرة في الحفاظ على منصبه، اذ تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم المعارضة بقيادة فريدريش ميرتس. ويتزامن انهيار ائتلاف “إشارة المرور” الحاكم في ألمانيا مع مدة حساسة، يواجه فيها أكبر اقتصاد في أوروبا انكماشاً للعام الثاني على التوالي، تتفاقم فيها المخاوف من الحروب التجارية وصعود دونالد ترامي في الولايات المتحدة وتأثيرات ذلك على القدرة التنافسية للشركات الألمانية، إضافة إلى الغموض الذي يكتنف مستقبل الحرب في أوكرانيا.
وفي تعليقها على البيان الحكومي للمستشار شولتس، كتبت صحيفة “نويه تسورشر تسايتونغ” الخميس (14 تشرين الثاني 2024) معلقة “من الواضح أنه لا حاجة لأن تندب الليبرالية على فشل الحكومة الائتلافية تحت قيادة شولتس، كما تم تذكير الجمهور مجدداً بذلك يوم الأربعاء في البرلمان الاتحادي. في خطاب حكومي قدَّمه بحماسة، لكنه أغفل بشكل واضح خطورة الوضع الاقتصادي في ألمانيا، لم يكشف المستشار المنتهية ولايته عن أي خطة واضحة لكيفية إعادة البلاد المتعثرة إلى النجاح. بدلاً من ذلك، انصرف إلى تمنيات عامة حول التضامن وتحذيرات من الانقسام، مع إلقاء اللوم على الآخرين”.
وتتصدر الأحزاب المحافظة في ألمانيا نتائج استطلاعات الرأي مع اقتراب الانتخابات العامة المبكرة. ويستفيد حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، إلى جانب شقيقه الأصغر الحزب المسيحي الاجتماعي (البافاري)، من تقدم واضح في هذه الاستطلاعات، اذ أظهر 33% من الناخبين تأييدهم للتحالف الذي يقوده فريدريش ميرتس، وهو ما يمثل زيادة طفيفة مقارنة بالاستطلاع السابق. وقد أجرى معهد يوغوف استطلاعاً بين 8 و12 تشرين الثاني شمل 2193 شخصاً، وأظهرت نتائجه أن الوضع السياسي في ألمانيا لم يشهد تغييرات كبيرة بالنسبة للأحزاب الأخرى.
وبحسب الاستطلاع، خسر كل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر نقطة مئوية واحدة، ليصبحا الآن في المرتبتين 15% و11% على التوالي. في المقابل، حقق حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي زيادة بمقدار نقطة مئوية، ليصل إلى 19%، فيما تراجع “تحالف سارا فاغنكنشت” بمقدار نقطة ليحصل على 7%. أما الحزب الديمقراطي الحر وحزب “اليسار”، فما يزالان عند 5% و3%، مما يعني أنهما يواجهان تحديات كبيرة للتمكن من دخول البرلمان الاتحادي (بوندستاغ).
وعلى وفق التقاليد الجاري العمل بها، لا يستبدل الحزب الحاكم المستشار من صفوفه الذي يمارس الحكم في الترشيحات لمنصب المستشارية؛ لذلك، تمسك الحزب الاشتراكي الديمقراطي حتى الآن بأولاف شولتس. وحتى وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، الذي كان يعده كثيرون بديلاً، رفض الترشح مراراً. شولتس يرفض اعتبار حكومته “فاشلة”، ويشير الأمين العام للحزب ماتيا مييرش إلى النجاحات التي حققتها حكومة ائتلاف “إشارة المرور”، قائلا، أن شولتس أظهر قيادة قوية.
قيادة الحزب ترى في الاستطلاعات المتنديىة حالية، مجرد مرحلة عابرة، إذ كانت الأرقام ضعيفة أيضاً قبل الانتخابات السابقة في 2020 و2021، ومع ذلك فاز الحزب وشولتس أصبح المستشار. لكن هناك أصوات منتقدة في داخل الحزب، كعمدة ميونيخ ديتر رايتر، من منتقدي شولتس التي تدعو إلى ترشيح بيستوريوس.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة “تاغس آنتساغر” الصادرة بالألمانية في زوريخ السويسرية (14 تشرين الثاني 2024) “بيستوريوس نفسه يقول إن شولتس هو المرشح المتوقع. ولكن في داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بدأت الثقة تتراجع في شولتس وقدرته على تكرار المعجزة التي جعلته يصل إلى منصب المستشارية في انتخابات 2021. على عكس ما كان عليه الحال حينها، عندما كان يظهر للكثيرين بصفته الأقل ضعفاً من بين ثلاثة مرشحين للمستشارية، يعرفه الألمان الآن. وقد أصبحت الآراء السلبية تجاهه أكثر رسوخاً؛ من ناحية أخرى، قد يكون بوريس بيستوريوس هو الأكثر شعبية بين السياسيين الألمان، إلا أنه محبوب في الغالب خارج الحزب الاشتراكي الديمقراطي. أما داخل الحزب، فإنه يثير الاستقطاب. دعم بيستوريس الكبير لأوكرانيا وتحذيره بأن ألمانيا يجب أن تصبح مستعدة للحرب من جديد، يخيف كثيرين في داخل حزبه المؤيد تقليدياً للسلام. وبسبب ذلك، انضم كثيرمنهم إلى سارا فاغنكنشت (تتموقع في أقصى اليسار)”.
غير أن موقع “شبيغل” الألماني (14 تشرين الثاني 2024) ذهب في اتجاه آخر معلقاً “إذا كان الحزب الاشتراكي الديموقراطي يرغب في تحقيق نسبة أكبر من الـ 15 في المئة الحالية في استطلاعات الرأي في الانتخابات في شباط المقبل، فيجب عليه أن يمنع شولتس من إلقاء المزيد من خطب الحملة الانتخابية. تحتاج الاشتراكية الديمقراطية إلى مرشح آخر. كلما كان ذلك أسرع، كان أفضل”.
ويواجه فريدريش ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) تحديات كبيرة في سعيه للفوز بمنصب المستشارية في الانتخابات المقبلة برغم أن حزبه يعد أحد القوى السياسية التقليدية في ألمانيا. ميرتس سيعتمد على استغلال القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تشغل الشارع الألماني، مثل إدارة الأزمات الاقتصادية والتغير المناخي. فضلا عن ذلك، قد يحاول استقطاب الناخبين الذين يشعرون بالقلق إزاء سياسات الحكومة الحالية. لكن نجاحه سيتوقف على قدرته في بناء تحالفات قوية في داخل البرلمان، وتحقيق وحدة داخل حزبه الذي يعاني من بعض الانقسامات الداخلية؛ وبرغم أن ميرتس يملك الخبرة السياسية ويعد من الشخصيات المحترمة في الساحة الألمانية، فإن مستقبله السياسي مرهون بمدى نجاحه في تأكيد نفسه كبديل قادر على قيادة البلاد وسط التحديات الحالية.
صحيفة “زودويتشه تسايتونغ” الألمانية كتبت (13 تشين الثاني 2024) معلقة “برنامج الحزب المسيحي الديمقراطي لا زال غامضا إلى حد كبير في عديد النقاط المهمة. يجب على فريدريش ميرتس تغيير ذلك بشكل عاجل إذا كان يريد أن يجذب ليس فقط أنصار الحزب البافاري الشقيق (الحزب الاجتماعي المسيحي)، ولكن أيضاً عموم الناخبين إلى جانبه”.