كيف يعوق تغير المناخ البنوك المركزية في تحقيق استقرار الأسعار؟

 

متابعة ـ التآخي

يؤدي المناخ الأكثر سخونة إلى أحداث مناخية متطرفة أكثر تواترا وأكثر تدميرا، وبتكاليف اقتصادية كبيرة.

يمكن أن يؤثر فصل الصيف الأكثر حرارة من المعتاد على كل من التضخم وتقلبات التضخم، وهي أمور وثيقة الصلة باستقرار الأسعار، وعادة ما يكون هناك تأثير تصاعدي مباشر بارتفاع أسعار المواد الغذائية لعدة أشهر.

على سبيل المثال، تشير تقديرات أبحاث البنك المركزي الأوروبي إلى أن حرارة الصيف الشديدة في عام 2022 أدت إلى زيادة تضخم أسعار الغذاء في أوروبا بنحو 0.7 نقطة مئوية.

وبالنظر إلى المستقبل، فقد يكون هذا التأثير أكثر وضوحا: فنحن نقدر أن تضخم أسعار الغذاء قد يرتفع بنحو 1.8 نقطة مئوية في صيف قاس في مناخ عام 2060، نسبة إلى سيناريو افتراضي من دون أي تغير مناخي.

يمكن أن يتأثر تضخم الخدمات أيضًا، ربما لأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يؤدي إلى زيادة الأسعار في المطاعم والمقاهي، ولأن الخدمات المرتبطة بالسياحة تتأثر بقوة أكبر بدرجات الحرارة المرتفعة.

ويمكن أن يؤثر تغير المناخ أيضا على المتغيرات الاقتصادية الرئيسة الأخرى التي تهم السياسة النقدية وانتقالها إلى الاقتصاد الحقيقي والأسعار، مثل الناتج المحتمل. وبرغم أن الناتج المحتمل لا يمكن قياسه بشكل مباشر، إلا أنه مهم لفهم درجة الضغوط التضخمية.

وهو يمثل أعلى مستوى من الإنتاج يمكن للاقتصاد الحفاظ عليه من دون توليد التضخم.

وفيما يلي بعض الأمثلة على الكيفية التي يمكن بها لتغير المناخ المستمر أن يضعف اقتصاداتنا: يمكن للفيضانات والعواصف أن تدمر المصانع والآلات والبنية التحتية؛ وسوف يؤدي انخفاض تساقط الثلوج إلى تعريض جدوى حقول التزلج في أوروبا للخطر، وقد تصبح عديد مناطق البحر الأبيض المتوسط شديدة الحرارة بحيث لا تسمح للسياحة الصيفية. كما أنها مهددة بارتفاع منسوب مياه البحر.

وفي حين أن تغيير المحاصيل يمكن أن يساعد في تخفيف بعض الآثار، فمن المرجح أيضًا أن يؤدي التقلب الأكبر في درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار إلى إضعاف الإنتاج الزراعي.

ويصبح الناس أقل إنتاجية في الحرارة، اذ اننا نعمل بكفاءة أكبر في نطاق درجة حرارة يتراوح بين 19-22 درجة مئوية. ويعني الانحباس الحراري العالمي وجود عدد أكبر من الأيام فوق العتبات الحرجة، وخاصة في البلدان الأكثر سخونة حاليا في المتوسط.

وبالفعل، أصدرت الحكومة القبرصية مرسومًا في صيف 2023 يحد من العمل في الهواء الطلق في أيام معينة من أجل حماية العمال.

ويؤثر الجفاف على قطاعات أكثر من الزراعة: فقد أصبح نهر الراين شبه مستحيل بالنسبة للشحن النهري في عدة مناسبات في السنوات الأخيرة، مع تأثيره على سلاسل التوريد، وواجهت قناة بنما قيودا مماثلة في صيف عام 2023.

ويوفر التأمين أداة إضافية للتكيف، برغم تواجد فجوة كبيرة في حماية التأمين المناخي في أوروبا.

وبرغم أن تكيف الاقتصادات مع المناخ الأكثر حرارة أمر ضروري، إلا أنه سيكون مكلفًا أيضًا. فهو يحول الموارد التي كانت ستذهب لولا ذلك إلى الابتكار أو الاستثمار في الأنشطة الإنتاجية أو الاستهلاك.

وفضلا عن ذلك، سيقع على عاتق الحكومات المحلية والوطنية إلى حد كبير دفع تكاليف التكيف مع المناخ الأكثر حرارة. وسوف يتعين عليهم تحمل قدر كبير من التكاليف الناشئة عن الكوارث الطبيعية غير المؤمن عليها.

وبالنتيجة فمن المرجح أن نشهد ضغوطاً متزايدة على الموارد المالية العامة، وهو ما قد يؤدي إلى تقليص نطاق تثبيت استقرار السياسات المالية بل وحتى التأثير على السلامة المالية.

وتزيد فروق التضخم بين الدول الأعضاء، في البلدان والمواسم. وعلى سبيل المثال، في حين أن الصيف الأكثر حرارة يزيد من التضخم، فإن الشتاء الدافئ بشكل غير اعتيادي يمكن أن يؤدي إلى انخفاض التضخم بسبب انخفاض الطلب على التدفئة.

ويشكل هذا التقلب تحديا أمام البنوك المركزية لأنه قد يجعل من الصعب فصل الصدمات المؤقتة عن الصدمات الأكثر ديمومة.

وهذا يزيد من صعوبة التنبؤ بالتضخم بدقة. علاوة على ذلك، فإن التأثير غير المتكافئ لتغير المناخ على البلدان يجعل إدارة السياسة النقدية في منطقة اليورو أكثر صعوبة، لأنها قد تجعل فرص الربح المستقبلي نادرة.

ففي سيناريو نمو الناتج المحتمل المنخفض، تكون فرص الربح نادرة، ولن تعد الشركات مستعدة للاقتراض عند أسعار فائدة مرتفعة للاستثمار.

وبالتالي يمكن للبنوك أن تخفض أسعار الفائدة للمقترضين والمدخرين، وهذا من شأنه أن يقلل من الحيز السياسي المتاح للبنوك المركزية لتحفيز الاقتصاد أثناء فترات الركود.

في مثل هذا العالم، قد يضطر صناع السياسة النقدية إلى اللجوء بشكل متكرر إلى أسعار الفائدة السلبية. ويمكن أن يتسبب تغير المناخ أيضًا في خسائر في النظام المالي.

وتؤدي البنوك على وجه الخصوص دوراً حاسماً في نقل التغييرات في السياسة النقدية إلى الأسر والشركات.

ووجد أول اختبار للضغط المناخي أجراه البنك المركزي الأوروبي على مستوى الاقتصاد زيادة كبيرة في احتمالية التخلف عن سداد القروض التي تقدمها بنوك منطقة اليورو في “عالم ساخن”، ومن المرجح أن تؤدي مثل هذه الخسائر إلى إضعاف توفير الائتمان للبنوك التجارية. وهذا يمكن أن يضر بفعالية السياسة النقدية.

ويقول باحثون اوروبيون: كلما تأخرنا في التحول لاقتصاداتنا، كلما كان الضرر أعظم، وفي المقابل، فإن المماطلة تؤدي إلى تعقيد مهمة البنك المركزي الأوروبي المتمثلة في تحقيق استقرار الأسعار.

قد يعجبك ايضا