صادق الازرقي
تمثل قضية توفير الماء النظيف للسكان ومعالجة الصرف الصحي عملية مفصلية لإنشاء مجتمع حضري سليم؛ ومن دونهما لا يمكن مواصلة حياة الناس بصورة اعتيادية.
وتفيد دراسة قدمت الى الامم المتحدة، ان المياه تحافظ على الحياة، ولكن مياه الشرب النظيفة والمأمونة تحدد ماهية الحضارة، بحسب تعبيرها.
ويعد تحقيق أحد أهداف التنمية المستدامة بإحداث تحسن مثير في جودة الحياة ومعدلات طول العمر في بعض أشد بلدان العالم فقرا، وذلك مقرون بجودة المياه، اذ يمثل الحصول على الموارد المائية النظيفة والمأمونة والآمنة شرطا مسبقا أساسيا لازدهار المجتمعات المحلية، على وفق الدراسات والامم المتحدة.
وقد حددت أربعة مبادئ لتحقيق الاستعمال الامثل للمياه وذلك بفصل مياه الشرب عن المياه المستعملة ومعالجتها من أجل إزالة الملوثات الكيميائية والبيولوجية؛ وضمان إمكانية الحصول على المياه بما سمي حقوق المياه.
ولقد ثبت بالتجربة واشار الى ذلك المتخصصون، ان العامل الأكبر الرئيس الذي يُسهم في إطالة عمر البشر هو فصل مياه الشرب عن المياه المستعملة، فقد أسهم بناء الهياكل الأساسية الصحية في تمكين المجتمعات المحلية، وبالنتيجة، الاقتصادات من الازدهار، من دون عبء الأمراض المنقولة بالمياه.
وقد اجمع الخبراء على ان الوصول إلى مياه الشرب ومعالجتها بتوفيرها في المنازل، يؤدي الى حدوث زيادة كبيرة في الوقت المتاح للعمل المنتج، أو الذهاب إلى المدرسة، أو تنمية الأعمال التجارية، أو رعاية الأسرة؛ وينطبق ذلك على نحو فريد على النساء والأطفال الذين يقضون وقتا طويلا في السعي إلى الوصول إلى المياه عندما لا تكون تُضخ بالأنابيب إلى منازلهم.
ويمثل العراق بلد النهرين مصدرا مهما للمياه منذ القدم، وكان يفترض ان تفعل عمليات تصفيته وتنقيته وايصاله الى المنازل بصورة مكتملة، بخاصة اثر التطورات العلمية في العالم التي تسهل تلك الامور، والتقنيات الحديثة التي توصلت الى تحلية وتطهير مجمعات مائية مالحة وملوثة اصلا ومنها البحار.
لكن الملاحظ ان الجهات المعنية في البلد اخفت في تلك المهمة اليسيرة اصلا، اذ لطالما عانت مناطق واسعة من المدن وبخاصة في العاصمة بغداد، التي يسكنها نحو ربع سكان العراق من شحة المياه وبخاصة في فصل الصيف، ما يتسبب في مشكلات جمة للسكان تتمثل في انعدام او شحة حصولهم على الماء العذب، ما يؤدي الى تبعات اجتماعية واقتصادية ومعيشية على ذلك، ومنها اضطرارهم الى شراء الماء المنقى في محطات التصفية المحلية (ماء RO).
اما المشاريع التي أعلن عنها بعد عام 2003 ومنها مشروع ماء الرصافة الكبير فلم تحل مشكلات توفير الماء العذب لجميع السكان؛ لأسباب شتى منها سوء الإدارة والفساد.
وما يصح قوله عن توفير مياه الشرب العذبة ينطبق أيضا على الحاجة الى استكمال تأسيس وتأمين شبكات المجاري والصرف الصحي التي تفتقر اليها مناطق كثيرة، اذ من دون صرف صحي لن تكتمل حياة السكان بصورة سليمة، ففضلا عن المشكلات المتعلقة بتصريف المياه الثقيلة من منازلهم، تتولد المشكلات الصحية التي تنغص عليهم حياتهم وتتسبب في الامراض المتنوعة التي تهددهم لاسيما الاطفال والنساء منهم، ناهيك عن الآثار الاجتماعية والنفسية السلبية، التي يجبرون على التعايش معها.