التآخي – ناهي العامري
نواجه في حياتنا اليومية، أحيانا، أناس فقدوا احدى حاجاتهم، تسقط سهوا من جيوبهم، كمحفظة النقود، أو حقيبة يدوية تنسى على غفلة في سيارة الأجرة أو اي مكان آخر يغادره الشخص، أو اي حاجة او بضاعة اشتراها او جلبها لبيته، ذلك الفقدان يكون احيانا صعب على الشخص ومؤلم جدا، حيث تكون الخسارة مضاعفة، فقد يصادف ان الفاقد قد احتفظ بوثائق رسمية مهمة في محفظته الجيبية أو اليدوية، وتلك الوثائق قد كلفته من ماله الخاص وبذل جهدا وصرف وقتاً كثيرا لغاية انجازها، فتراه والحالة هذه يتمنى ان يترك له من وجدَّ اللقية اوراقه الرسمية، ويتنازل له بكل ما احتوته من أموال، لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، فغالب الفقدانات تضيع في زحمة الحياة، ولا تترك أثر، ربما السبب هو طغيان الفوضى التي عمت البلاد، واضعفت بدورها ثقافة الوطنية والتماسك المجتمعي والتضحية لاجل الصالح العام، كذلك عدم اهتمام الجهات الرسمية لهذه الظاهرة، والعمل على توعية المجتمع لاهمية الحفاظ علي الامانة واسترجاعها لاهلها، عبر وسائل الاعلام كافة، المقروءة والمسموعة والمرئية، وتخصيص صناديق آو لجان لاستلام المفقودات موزعة على مناطق البلديات.
شخصيا، فقدت محفظتي، تحتوي على مبلغ مالي ووثائق رسمية، عندما ذهبت الى السوق، وهو مكان قريب عن بيتي، ومع ذلك لم اعثر عليها، بالرغم من أني مسحت المكان أكثر من مرة، وسألت غالبية اصحاب المحلات والدكاكين عنها، على أمل ان اجد الوثائق الرسمية فقط، كثيرين صرحوا لي، ان من وجدها وطمع بالنقود التي بداخلها، سوف يستل النقود ثم يلقيها في أقرب قمامة، لكن هذا التوقع ليس في محله دائما، فقد حدث حالة فقدان أخرى، كنت قد اشتريت كتابين من شارع المتنبي في احدى زياراتي له، واثناء ركوبي حافلة الكيا المتجهة من البياع الى حي الجهاد، ركنت الكتابين فوق دكة أمامي، وراء مقعد السائق، وما إن توقفت الحافلة بعد ان أمرت السائق بالوقوف لوصولي مكان بيتي، ترجلت مسرعا، وغفلت عن حمل الكتابين، لكن بعد لحظات من مغادرة الحافلة للمكان تذكرتهم، وكم سألت سواق الخط عنهما، لكن كما يقال: (فص ملح وذاب)، ولو كان مخصص صندوق للمفقودات في مرأب البياع أو الجهاد، لكان العثور عليهما محتملا.
هذه المقدمة التي ذكرتها هي للتذكير بأن الفقدانات أمانة، وعلينا أن نثني ونشيد لكل من يحافظ عليها، فهو شهم وكريم وذو اخلاق حميدة، وعلينا البر له بذكر شهامته وكرمه وصونه للامانة، وندعو له بالخير، وبعملنا هذا مثل الذي ينفخ بشرارة صغيرة لتتحول الى شعلة كبيرة تنير الظلمة وتنشر الدفء في الارجاء.
من هؤلاء الشجعان الكرماء الأوفياء الشاب محمد قاسم/ بكالوريوس الكلية التقنية الطبية، يعمل مساعد مختبر في المختبر المركزي التعليمي في مدينة الطب، قام هذا الشهم باسترجاع حقيبة نسائية تحتوي على مبلغ أكثر من مليون دينار وتلفون أي فون عدد إثنان ووثائق رسمية، حيث اتصل حالاً بصاحبة الحقيبة السيدة أم أثير بعد ان عثر على رقمها، وبشرها بان حقيبتها المفقودة بحوزته، وتم اللقاء بينهما، وسلمها لها بكامل محتوياتها.
بوسع اي إنسان ان يتخيل مقدار الفرحة آلتي ارتسمت على وجه ام اثير، اذا علمنا أنها زوجة مريض، تم خروجه من المشفى بعد إجراء عملية جراحية له، وهي برفقته، واثناء صعودهما سيارة الاجرة فقدتها سهوا.
كل من سمع بشهامة الشاب محمد قاسم دعا له بالموفقية والنجاح، وعبر عن فرحته، منهم، المواطن صباح فنجان العبل، اشاد بمثل هذا التصرف الجميل ودعا الى تشجيع الشباب لحذو الآخرين مثل قاسم.
اما المواطن محسن صالح قال: مثل هكذا شاب يعطينا أمل بأن مستقبلنا بخير، ولا تزال التربية الايجابية موجودة بين مجتمعنا.