اعداد: عدنان رحمن
كتاب ( ذوو الفكاهة في التاريخ) من تأليف: صادق الملائكة، صدر بطبعته الاولى عام 1948، وطبع في مطبعة الجامعة. وكان قد اورد في الاهداء تحت اسم ابو نزار: ( الى زوجتي الشاعرة الحنون: أم نزار الملائكة اعترافاً بفضلك وتقريراً لأدبك ونبلك أقدم لك هذه الفصول التي اختزلتها من كتابي- دائرة معارف الناس- الذي كنت لي في تأليفه أقوى عون وأعظم نصير). وورد في جزء من المتن: – ” المعروف أن أبا جعفر المنصور لم يصل أحداً من الشعراء بمقدار ما وصل به أبا دلامة ( ) لأنه كان مضحكه ومؤنسه ونديمه وشاعره، وهو أكثر الناس نوادر وأبرعهم نكات وأحلاهم فكاهات ومن أرقهم شعراً وأسرعهم بديهة. وكان يزاحم الشعراء في جميع فنونهم وينفرد في وصف الشراب والرياض والنكات وغير ذلك مما لا يجرون معه فيه. واختلفوا في اسمه فقيل زند وقيل زيد الذي اعتمدناه وهو الأشهر، أما الثاني فنظنه تصحيف. وكان أبو دلامة في أول أمره عبداً لرجل أسدي من أهل الرقة يقال له قصاقص ( ) بن لاحق فأعتقه فلما صار أبو دلامة مع أبي جعفر المنصور واستملحه وحظي عنده كلمه في مولاه فاجابه الى ان صيره في الصحابة والمعروف أن قصيدة أبي دلامة في رثاء أبي مسلم ( ) كانت أولى القصائد التي أذاعت شهرته. والمعروف من شعر أبي دلامه براعته في التعابير الماجنة وتناوله أنواع التهتك والخلاعة والمجون، ولم يكن يأنف من مدح أحقر الناس ما دام من وراء ذلك المدح مغنم ولذلك كان الناس يخافون بذاءة لسانه. والغريب أنه وصل بالهجاء إلى تبيان عيوب نفسه وصورته، وكان الناس يتخذون منه وسيلة من وسائل السخرية بالناس. وكان أبو دلامة رقيقاً في دينه ولذلك التف حوله ذوو الدعارة والمجون. ولقد كانت لأبي دلامة بغلة جامعة لعيوب الدواب كلها، وكان إذا ركبها تبعه الصبيان يتضاحكون منه ومنها وكان يتقصد ركوبها في مواكب الخلفاء والأمراء ليضحكهم منها ومن شماسها، وله فيها قصيدة هزلية طويلة جميلة فكهه منها:
رزقت بغيلة فيها وكال وليته لم يكن غير الوكال
رأيت عيوبها كثرت وليست وإن أكثرت يحصبها مقالي
فأهون عيبها أني إذا ما نزلت وقلت أمشي لا تبالي
أتاني خائب يستام مني عريق في الخسارة والضلال
وقال تبيعها قلت ارتبطها بحكمك إن بيعي غير غالي
فأقبل ضاحكا نحوي سروراً وقال أراك سهلا ذا جمال
هلم إليّ يخلو بي خداعاً وما يدري الشقي لمن يخالي
فقلت بأربعين فقال أحسن إليّ فان مثلك ذو سجال
فأترك خمسة منها لعلمي لما فيه يصير من الخيال
فلما ابتاعها مني وبتت له في البيع غير المستقال
أخذت بثوبه أبرأت مما أعد عليه من سوء الخلال
برأت اليك من مشش يديها ومن جرذ ومن بلل المخالي ( )
و من فتق بها في البطن ضخم ومن عقالها ومن انفتال ( )
و من عض الغلام ومن خراط إذا ما هم صحبك بارتحال ( )
وأبطأ من فريخ الذر مشياً بها عرن وداء من سلال ( )
وتكسر سرجها أبداً شماساً وتقمص للأكاف على اغتيالي ( )
ویدبر ظهرها من مس كف وتهزم في الجمام وفي الجلال ( )
تظل لركبة منها وقيذاً يخاف عليك من ورم الطحال ( )
و مشغار تقدم كل سرج تصير دفتيه على الفذال ( )
و تحفى لا تسير على الحشايا ولا تمشي على دمث الرمال ( )
فأما الاعتلاف فأدن منها من الأتبان أمثال الجبال
وأما القت فأت بألف وقر بأعظم حمل أحمال الجمال ( )
وكانت قارحا أيام كسرى وتذكر تبعاً عند الفصال ( )
وقد دبرت ونعمان صبي وقبل فصاله تلك الليالي
وتذكر ان تشا بهرام جور وعامله على خرج الجوالي ( )
ولما مات السفاح دخل أبو دلامة على أم سلمة المخزومية زوج السفاح يعزيها وهو يبكي وينشد قصيدته التي مطلعها:
أمسيت بالأنبار با ابن محمد لا أستطيع من البلاء عويلا ( )
ويلي عليك وويل أهلي كلهم ويلا وهولا في الحياة طويلا
ضحك المنصور بعد أن غيّر ابو دلامة زيّهُ. وفي ذلك قال أبو دلامة:
وكنا نرجي من إمام زيادة فجاء بطول زاده فى القلانس
نراها على هام الرجال كأنها دنان يهود جللت بالبرانس ( )
بعد موت حمادة بنت عيسى زوج المنصور، والناس حوله على حفرتها ينتظرون مجيء الجنازة وأبو دلامة فيهم، فاقبل عليه المنصور فقال: يا أبا دلامة ما أعددت لهذه الحفرة؟. قال: حمادة بنت عيسى. فضحك المنصور والقوم. وألزم المنصور أبا دلامة أن يحضر الظهر والعصر في جماعة فقال أبو دلامة:
يكلفني الأولى جميعاً وعصرها ومالي وللأولى ومالي والعصر
وما ضره والله يغفر ذنبه لو ان ذنوب العالمين على ظهري
أنشد أبو دلامة المهدي لما ورد عليه بغداد:
إني حلفت لئن رأيتك سالماً بقرى العراق وأنت ذو وفر ( )
لتصلين على النبي محمد ولتملأن دراهماً حجري”.