الشهيد إدريس وأدائه القائم على الحكمة

صبحي ساله يي

في نهاية كانون الثاني من كل عام، نستذكر الشهيد ادريس بارزاني، الذي إستطاع أن يوظف كل ما تعلمه من أبيه الكريم (البارزاني الخالد) من الخبرة والحكمة والحنكة السياسية، والذي وضع روحه فوق أكفه وقاتل بالبندقية تارة، وبالمواقف السياسية تارة أخرى، وأسهم عبر مسؤولياته في ساحات النضال التي إحتضنته في صياغة إشراقة التاريخ المعاصر لشعبنا ، والذي إستطاع بفضل تفكيره الإيجابي وإيمانه المطلق بالسلام والتعايش والتسامح، وكفاحه المسلح ونضاله السياسي والدبلوماسي من أجل قضية شعبه ورفضه الاستسلام للقدر، ومهاراته المعرفية وقدرته الفائقة على تحديد أهدافه على المدى القريب والبعيد وطاقاته الإيجابية وتمتعه بمهارات حياتية ناجحة في مواجهة التحدّيات والعقبات وقناعته الراسخة بذاته، وتجنبه للمجادلات السطحية والنزاعات الجانبية وتعامله العقلاني مع المواقف العصيبة، وتحليه بالأمل والثقة والصبر وتأقلمه أثناء فترات الشدة والمحن، أن ينتزع لنفسه الموقع الذي يستحقه في قلوب الكوردستانيين.

وإن طالت هذه المقدمة فإني أريد بها إلقاء الضوء على حياة شهيد كان حريصًا على إكمال ما بدأه والده الكريم في السعي المستمر من اجل حرية شعب كوردستان والعراق، الشهيد كان يمتلك خلفية عسكرية وسياسية بدأت في عام 1961 عندما إلتحق بثورة أيلول وشارك في تطوير قوات البيشمركه، من حيث التسليح والتدريب والهيكل التنظيمي وتعزيز قدراته الدفاعية، وساهم بتوجيهاته في جعل قوات البيشمركه تحظى بتقدير الشعب الكوردستاني وعدد كبير من المؤسسات العسكرية الإٌقليمية والدولية. وللحديث عن رؤية الشهيد المتفائلة للحياة التي سهلت السبيل أمامه لتحقيق الكثير من النجاحات العسكرية والدبلوماسية، ولتعزيز علاقاته مع الكثيرين وكسب ثقتهم، وهندسته لمبادرة أخرجت القوى والأطراف الكوردستانية التي كانت تحمل السلاح بوجه نظام البعث من دائرة مغلقة مليئة بالتوتر والتباعد والتنافر وتأنيب الضمير والخلافات التي تراكمت مع الزمن الى فضاء التفاهم والتسامح والتعاون الرحب والتعايش المشترك، وليحصل فيما بعد على لقب (مهندس السلام والمصالحة الوطنية)، مصالحة مهدت لإعلان جبهة كوردستانية أثبتت ضرورتها في قيادة الانتفاضة الكوردستانية في آذار 1991 التي أسقطت كل أدوات وملحقات البعث ومرتكزاته ومؤسساته القمعية.

إنتفاضة ساهمت في بناء مؤسسات ديمقراطية سليمة وخلقت مناخًا ديمقراطيًا صحيًا ضمن رؤية وطنية شاملة لإدارة شؤون كوردستان، وإجراء إنتخابات مهدت لتشكيل برلمان كوردستان وتكوين مؤسسات حكومية رتبت أمور الكوردستانيين وجعلت بلدهم واحة مستقرة للديمقراطية .
المهندس الذي كان أهلًا للمسؤولية النضالية الجسيمة في أصعب الظروف وأخطرها، والذي ناقش الأفكار والأحداث بعقلانية، وتجاوز المخاوف والأفكار السلبية، وتبنى مفهوم السلام، ورسخ الروابط الإنسانية والقيم المشتركة والاحترام المتبادل والمساواة والمصالحة بين القوى السياسية، والذي وظف مهارته السياسية الثابتة لإعادة ترتيب البيت الكوردستاني، وصارع أقسی الظروف وأصعبها، والذي أضحى رمزًايتوهج بالإعتزاز والاستذكار الجميل، وحمل الأمانة الثقيلة بإقتدار، وفي وقت كنا بأمس الحاجة اليه، فقد رحل عنا في الحادي والثلاثين من كانون الثاني 1987، وخسرت الحركة التحررية لشعب كوردستان شخصية حكيمة وقياديًا مقدامًا، ولكنه مازال وسيبقي خالداً في قلوبنا وضمائرنا.

قد يعجبك ايضا