زهير كاظم عبود
في الوقت الذي ينشغل عدد من أعضاء مجلس النواب لمشروعات تكرس الاختيار الطائفي ٬ وتضعف قوة القانون ٬ وتسلب القضاء العراقي بعض من اختصاصاته ٬ وتحاول ان تلوي ذراع الدولة بذريعة الحرية في الالتزام بالأحوال الشخصية وفقا للمذاهب المختلفة ٬ دون ان تعي انها تخالف بذلك القانون المدني العراقي في المادة ١٤٦ حول أهلية الشخص لمباشرة حقوقه المدنية ٬ والمادة ٩٦ حول بطلان تصرفات الصغير غير المميز باطلة وان أذن له ٬ والمادة ١٠٦ من القانون التي حددت سن الرشد بثمان عشرة سنة ٬ وتخالف أيضا نصوص قانون العقوبات العراقي في المادة ٦٤ بعدم جواز إقامة الدعوى الجزائية على من يكن وقت ارتكاب الجريمة لم يتم التاسعة من عمره ٬ ومخالفة قانون رعاية الاحداث في المادة ٣ منه ٬ بالإضافة الى التنصل من المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعها العراق والتزم بها ٬ وصادق عليها مجلس النواب لتصبح قوانين ملزمة ومنسجمة مع الدستور ٬ وكل هذا من أجل ان يتم اجراء عقود الزواج من عاقد ديني خارج المحكمة ٬ وكل هذا من اجل اجبار القاضي على اللجوء الى اعتماد الآراء الشرعية والمدونات التي يختلف عليها الناس بديلا عن القانون ٬ وكل هذا من أجل ان يصبح سن الزواج خارج حدود المنطق والعقل ٬ وكل هذا من أجل اخضاع المرأة الى سلطة الرجل وسلبها الحضانة التي قررها القانون النافذ باعتبارها الاحق بحضانة الصغير مالم يتضرر المحضون .
قبل تشريع قانون الأحوال الشخصية المرقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ المعدل كانت الأحوال الشخصية للعراقيين في العهد الملكي تنقسم الى ثلاث اقسام ٬ قضاء سني وقضاء شيعي ومجالس روحانية للمسيحيين والموسويين ٬ وفي محكمة التمييز كانت هيئة تمييز لقضايا السنة ٬ وهيئة تمييز لقضايا الشيعة ٬ حتى تم تشريع قانون موحد للعراقيين المسلمين يجمع المتفق عليه من اقوال الفقهاء والأكثر ملائمة للمصلحة الزمنية ٬ بديلا عن الاستناد الى النصوص الفقهية والفتاوى في المسائل المختلف عليها ٬ دعما لحياة اسرية مستقرة وحقوق مضمونة ٬ وتمت دراسة وتدقيق النصوص القانونية من قبل لجان مختصة من رجال القانون والفقه لوضع نصوص رصينة وغاية في المتانة التي توحد المسلمين بقانون ينظم احوالهم الشخصية ٬ لم تستطع اعتى الحكومات الرجعية واليمينية والدكتاتورية التي مرت على العراق ان تلغيه او تبدل المهم من نصوصه واحكامه ٬ وفي حينها تم تحويل رجال الدين العاملين في المحاكم الى قضاة للأحوال الشخصية فقط ٬ ولم يلغ القانون التزام العراقي بأحواله الشخصية بدليل ان جميع العراقيين من أبناء الشيعة يجرون عقود زواجهم عند العاقد الشرعي قبل اجراء عقد المحكمة ٬ والقيمة القانونية تكون للعقد الذي تجريه المحكمة ٬ كما يتحدد المذهب في عقود الزواج والطلاق أيضا ٬ ولكن سلطة المحكمة والتي تترافق مع مركزية الدولة تنظم كل تلك المسائل في الخطبة والزواج والطلاق والحضانة والنفقة والمواريث وغيرها ٬ وثبت ان الغاية من عقد الزواج بين الرجل والمرأة هو انشاء الحياة المشتركة والنسل بشرط تحقق الاهلية بتوفر الشروط القانونية والشرعية في طرفي العقد.
واذا كان العراقيون احرار بالالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم وفق ما تقوله المادة ( ٤١ ) من الدستور فلماذا يتم تطبيق قانون الأحوال الشخصية النافذ على أبناء الايزيديين والمندائيين ؟ وهم من أبناء ديانات اقرها الدستور ٬ وباتت معروفة وملموسة لكل العراقيين ٬ وهم ليسوا بمسلمين ٬ اما كان الاجدر والاقرب الى تطبيق معاني الحرية التي وردت في النص الدستوري انصاف مواطنين عراقيين يتم تجاهلهم وغبنهم بشكل لم يعد خافيا على احد.
والعراقيين متساوين ( دون تمييز ) امام القانون بسبب الجنس او العرق او القومية او الأصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الراي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي ٬ والحقوق المدنية والسياسية والدينية يتساوى بها المواطنين وفقا لأسس الديانات كلها دون استثناء ٬ ووفقا لنصوص العهد الدولي وميثاق حقوق الانسان ٬ فمتى يفكر نوابنا الافاضل بتشريع قانون للأحوال الشخصية للايزيديين وللصابئة المندائيين ٬ دون ان نقوم بتطبيق ما يتقاتل عليه أصحاب التعديلات التي لامجال لها في قوانين رصينة تتضمن قواعد قانونية تحمي العائلة والرجل والمرأة والطفل .
|