سردار علي سنجاري
الجزء الثاني
تمكنت ثورة أيلول المجيدة ان تجد الوسائل الممكنة لبناء العلاقات الخارجية حيث نشط الشباب الكوردي في المهجر خلال تلك الحقبة الزمنية نشاطًا ملحوظًا واستطاع الطلبة الكورد في الدول الاوروبية والغربية تاسيس تنظيمات طلابية مرتبطة بالثورة وقيادتها وكان للعديد من الناشطين الكورد دورا كبيرا في نقل معاناة الشعب الكوردي الى الرأي العام العالمي وكسب تعاطف الكثير من الشعوب الاوروبية والغربية وتضامنهم مع القضية الكوردية العادلة ، ما ساعد في ايجاد لوبي كوردي يتصدى لأي فكرة معادية لتشويه مسيرة الثورة والشعب الكوردي .
واليوم وبنضال قادة ثورة أيلول المجيدة وفِي مقدمتهم الخالد الملا مصطفى البارزاني والسياسة الحكيمة للسيد الرئيس مسعود البارزاني وكذلك الفكر السياسي المعتدل الذي ينتهجه كل من السيد نيجيرفان البارزاني رئيس الاقليم والسيد مسرور البارزاني رئيس حكومة الاقليم استطاع الكورد ان يحققوا حلمهم الأولي في الفيدرالية ضمن العراق الإتحادي وان يشكلوا نواة الدولة الكوردية المؤسساتية من خلال البرلمان الكوردي والحكومة الكوردية في كوردستان العراق .
تعد ثورة أيلول المجيدة العصر الذهبي للطبقة الشعبية حيث عملت منذ انطلاقتها على محاربة الطبقية والتعامل مع كافة الشرائح الكوردية كجزء واحد من الثورة الكوردية دون تميز على أساس العشيرة او المنطقة . وكذلك وقفت بوجه مطامع الإقطاع والأغوات ، الذين كان بعضهم يقف في الصف المعادي للثورة وقائدها . وكشفت الثورة عن توجهها الاجتماعي مبكرًا حيث فرضت العديد من البيانات التي تطالب الشعب بالتلاحم والوحدة ونبذ اي نوع من الطبقية وتحقيق العدالة بين ابناء الشعب الكوردي . وكذلك كانت منذ انطلاقتها تتطلع الى تكوين علاقات طيبة وصادقة مع الشعب العربي في العراق وبقية الشعوب العربية واستطاعت من خلال ادائها الإنساني ان تفرض احترامها بين الشعوب العربية ما دفع العديد من المثقفين والأدباء ورجال الدين العرب في العراق وكذلك الطبقات العاملة وحتى الفئات العسكرية الى تأييد الثورة الكوردية ومطالبة الحكومة العراقية إيقاف النشاطات العسكرية ضد الكورد والبحث عن الحلول السلمية مع قادة الثورة. وكذلك رفض المرجعية الدينية الشيعية السيد محمد باقرالحكيم إصدار فتوى تسمح بمقاتلة الكورد مما عزز العلاقات التاريخية بين الجانبين. وثقافيا تلاحم الأدباء العراقيين مع القضية والثورة الكورديتين وقائدها البارزاني الخالد فنظم الشاعر العراقي العربي الأكبر محمد مهدي الجواهري قصيدته ( كوردستان موطن الأبطال) التي صورت الشعب الكوردي كشعب مناضل وثوري ووصفت قائد الثورة البارزاني الخالد بأجمل العبارات.
وتمكنت ثورة أيلول من ايجاد الحلول الاقتصادية لديمومة الثورة وللشعب الكوردي رغم افتقارها للدعم الدولي آنذاك ، الا انها ومن خلال التلاحم الشعبي مع الثورة استطاعت ان تفتح مجالات معينة لإيجاد الوسائل الممكنة للدعم .
بعد اعلان بيان ١١ آذار وما ترتب عليه من بنود الاتفاقية في ايجاد السبل الاقتصادية وتعزيز المنطقة تجاريًا واقتصاديًا وإنعاشها بعد سنوات من الهدم المتعمد التي اتبعته السياسة العراقية لإخضاع الثورة الكوردية أمام امر الواقع . وكانت اتفاقية آذار تعتبر المدخل الحقيقي لتسوية القضية الكوردية في كوردستان العراق لولا السلوكيات الغير مسؤولة من قبل بعض الشخصيات الحكومية في العهد البعثي الصدامي الذين كانت لديهم تصورات خاطئة في اخضاع الكورد أمام أمر الواقع من خلال استخدام القوة والعنف لإرغام الكورد على المضي معهم في برنامج كان معدًا سلفًا في جعل العراق ساحة للاقتتال وكسب المزيد من الوقت لترسيخ أسس النظام الذي نفذ كافة مشاريعه لديمومته لفترة زمنية اطول. وفي الوقت الذي رحبت القيادة الكورية بآلية الاتفاقية وتعاملت بأخلاقيات الثورة الشريفة لإنهاء الصراع القائم بين الكورد والمركز وقدمت ما يمكنها تقديمه من تنازلات لإثبات حسن النوايا وتحويل العراق الى بلد ديمقراطي قادر على اخذ دوره الحقيقي في بناء الحضارة والتقدم في كافة المجالات من خلال ما يملكه من قدرات ثقافية وعلمية وطاقات شبابية وثروات طبيعية .
ثورة أيلول المجيدة رسخت العلاقات الاجتماعية بين الكورد وكافة المكونات التي تعيش ضمن حدود الإقليم او خارجه . فبالإضافة الى التقارب الكوردي العربي وما تبعه من إنجازات على الصعيدين السياسي والاجتماعي فان ثورة أيلول استطاعت ان تكون الصوت الحقيقي للمطالبة بحقوق المكونات العراقية الأخرى كالتركمان والآشوريين والكلدان والصابئة والايزيديين وكان من ضمن تلك المكونات شخصيات قيادية في الصفوف الأمامية للثورة المجيدة .
كذلك وقفت ثورة أيلول على مسافة واحدة من الأديان والطوائف وفرضت احترامها الدولي بسلوكها هذا ما جعل العديد من الصحفين والإعلاميين الغربيين يتحدثون عن التلاحم القوي بين المكونات الدينية تحت مظلة ثورة أيلول المجيدة . وعندما حاولت الحكومة العراقية في تلك الحقبة شق الصف الكوردي وإيجاد فئات معينة من الشخصيات الكوردية التي ارادت ان يكون لها كلمة فوق كلمة البارزاني الخالد فشلت في تحقيق هدفها ما دفعها الى استخدام أساليب أخرى للقضاء على البارزاني الخالد من اجل تشتيت الصف الكوردي وإيجاد البديل الذي يتناسب مع مشروع الحكومة العراقية آنذاك ولكن إرادة الله والتفاف الشعب الكوردي حول راية البارزاني الخالد كانت أقوى وابقى . كما حققت ثورة أيلول إنجازات على أصعدة متعددة منها الفكرية حيث رسخت مباديء الثورة لأجيال مستقبلية وجنت ثمارها في أيامنا هذه حيث ينعم شعبنا الكوردي في كوردستان العراق باستقلالية محدودة قوامها القرار السياسي المستقل الذي يعتبر نواة للقرارات التالية التي تتوافق مع طموح الشعب الكوردي .
لقد كانت ثورة أيلول التي تعتبر من اهم وأعظم وأطول الثورات الكوردية على مر التاريخ المعاصر ثورة تحدت كل أساليب الاستبداد والظلم وطالبت بإقامة العدل والمساواة ولولا العقلية الضيقة للحكام العراقيين آنذاك والغرور الجنوني المفرط الذي اصاب العسكر وطريقة تفكيرهم في ادارة الدولة لكان العراق بمكوناته الفسيفسائية الجميلة يعتبر من اكثر الدول الشرقية تقدما وجمالًا . واليوم مازلنا نعاني من ضيق التفكير لدى الساسة العراقيين باتجاه القضية الكوردية وما حدث في مدينة كركوك موخرا وما تقوم به الحكومة الحالية في عدم الالتزام بالاتفاقية الثنائية بين الاقليم والمركز وبالاخص قانون الموازنة يقودنا الى ان اختلاف مسميات الانظمة وأيديولوجية التفكير لا علاقة له بالتعاطي مع القضية الكوردية فالجميع متفقون على نهج ثابت للاسف لا يهدم العراق كدولة ولا المكونات العراقية .
اليوم وبعد مرور ثلاثة وستون عاما على ثورة أيلول المباركة نقف إجلالا لكل الذين ضحوا بحياتهم وناضلوا من اجل حقوق الشعب الكوردي وقضيته العادلة وفي مقدمتهم قائد الثورة الخالد الملا مصطفى البارزاني والشهيد الخالد إدريس البارزاني ورفاقهم الأبطال والشعب الكوردي الذي وقف وقفة رجولية وبطولية خلف قيادة الثورة .