اليوم الدولي للصداقة: الصديق لا يأتي صدفة

 

متابعة التآخي

يعد اليوم الدولي للصداقة فرصة للتذكير بأهمية العلاقات الإنسانية القائمة على الاحترام المتبادل والثقة في عالم يعج بالصراعات والأزمات، تبرز قيمة الصداقة كركيزة أساسية لتحقيق السلام والتنمية المستدامة، فالصداقة ليست مجرد علاقة بين الأفراد، بل هي جسر يمتد بين الشعوب والأمم…

في الثلاثين من تموز من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للصداقة، وهو مناسبة تعكس القيم الإنسانية العميقة التي تجمع بين البشر بمختلف ثقافاتهم وأديانهم، هذه المناسبة التي أطلقتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2011، تهدف إلى تعزيز التفاهم بين الشعوب وبناء جسور من التعاون والمحبة، بعيدًا عن النزاعات والاختلافات.

يعد اليوم الدولي للصداقة فرصة للتذكير بأهمية العلاقات الإنسانية القائمة على الاحترام المتبادل والثقة. في عالم يعج بالصراعات والأزمات، تبرز قيمة الصداقة كركيزة أساسية لتحقيق السلام والتنمية المستدامة. فالصداقة ليست مجرد علاقة بين الأفراد، بل هي جسر يمتد بين الشعوب والأمم، يربط بين القلوب والعقول، ويعزز من فهمنا وتقديرنا للآخر.

يمثل هذا اليوم دعوة مفتوحة لجميع الناس لإظهار مشاعر الود والتقدير لأصدقائهم، والتأكيد على أن الصداقة تتجاوز الحدود الجغرافية والحواجز الثقافية. إنها تعبير عن إنسانيتنا المشتركة، وعن قدرتنا على التآزر والتعاون من أجل مستقبل أفضل للجميع. تتجسد هذه القيم في الأنشطة والفعاليات التي تُنظم بهذه المناسبة حول العالم، والتي تشمل اللقاءات الثقافية، والحملات الاجتماعية، والمبادرات التعليمية التي تركز على تعزيز التفاهم والتسامح.

وعلى الرغم من التحديات التي تواجه البشرية، يظل الأمل قائمًا في قدرة الأفراد على بناء علاقات قوية ومستدامة تعزز من روح التضامن العالمي. فاليوم الدولي للصداقة ليس مجرد احتفال عابر، بل هو تذكير دائم بأهمية الحب والاحترام في بناء عالم أكثر سلامًا وعدلاً. وفي هذا اليوم، يتجدد العهد بأن الصداقة هي القوة الدافعة التي يمكنها تغيير العالم، وتحقيق السعادة والرفاهية لجميع سكان الأرض.

الصحة والعمر

قد تؤثر علاقاتك الاجتماعية على صحّتك بقدر ما تفعل التمارين الرياضية اليومية. الكاتب ديفيد روبسون يبحث في كتابه الجديد حول العلاقات، عن الأدلة والأسباب خلف هذا الرابط المُفاجئ.

إن كنت قد ألقيت نظرة على أحدث الأفكار حول الرفاهية وطول العمر، ستلاحظ التركيز المتصاعد حول وضع علاقاتنا. وقيل لنا إنّ الأشخاص الذين يتمتعون بشبكة علاقات مزدهرة، قد تكون صحتهم أفضل من أولئك الذين يشعرون بالعزلة.

وترتبط تفاعلاتنا مع الآخرين بشكل وثيق بطول أعمارنا. حتى أنّ منظمة الصحة العالمية أنشأت لجنة جديدة خاصة بالتواصل الاجتماعي ووصفتها بأنها “أولوية صحية عالمية”.

قد تشكّك قليلاً بهذه المزاعم، وبالآليات الغامضة التي من المفترض أن تربط بين صحتنا الجسدية وقوة علاقاتنا.

لكن فهمنا للنموذج “البيولوجي النفسي الاجتماعي” المتعلّق بالصحة ظلّ ينمو لعقود. أثناء التحقيق العلمي في كتابي “قوانين الاتصال”، اكتشفت أن صداقاتنا يمكن أن تؤثر على كل شيء، بدءاً من قوة جهاز المناعة لدينا، وصولاً إلى فرص وفاتنا بسبب أمراض القلب.

كانت استنتاجات هذا البحث واضحة: إن أردنا أن نحيا حياة طويلة وصحية، يجب أن نبدأ بإعطاء أولوية للأشخاص حولنا، يمكن تتبع الجذور العلمية بالعودة إلى بداية الستينيات، عندما أرسى ليستر برسلو، من وزارة الصحة العامة في ولاية كاليفورنيا، مشروعاً طموحاً لتحديد العادات والسلوكيات التي تؤدي إلى عيش حياة أطول.

وقام برسلو بجمع سبعة آلاف مشارك من مقاطعة ألاميدا المجاورة، وبنى صورة مفصلة عنهم من خلال استبيانات شاملة، وتابع وضعهم الصحي لسنوات لاحقة.

وخلال عقد من الزمن، حدّد فريق بريسلو العديد من المكونات التي نعرف اليوم أنها ضرورية لصحة جيدة: لا تدخن، لا تسرف في تناول الكحوليات، سبع إلى ثماني ساعات نوم في الليلة، التمارين وتجنب الوجبات السريعة والحفاظ على وزن معتدل وتناول الفطور.

كانت الاكتشافات مذهلة، لدرجة أنّه حين قدم زملاؤه النتائج له، اعتقد أنهم يمارسون دعابة ما. لن تحتاج إلى تفسير تفاصيل هذه الإرشادات “ألاميدا 7″، لأنها تشكّل اليوم معظم إرشادات الصحة العامة.

استمر البحث، وفي عام 1979 اكتشف زميلان لبريسلو – ليزا بركمان وأس ليونارد سايم – عاملاً ثامناً يؤثر على طول عمر الأشخاص: التواصل الاجتماعي.

في المتوسط، كان الأشخاص الذين لديهم أكبر عدد من العلاقات أقل عرضة للوفاة بنحو النصف تقريباً، مقارنة بالأشخاص الذين لديهم شبكة علاقات أقلّ حجماً. وبقيت النتيجة ذاتها حتى بعد أن تحكموا بعوامل مثل الوضع الاجتماعي والاقتصادي وصحة الناس في بداية الدراسة، فضلاً عن استهلاك السجائر وممارسة الرياضة والنظام الغذائي.

ومع التعمّق أكثر، أصبح واضحاً أن جميع العلاقات مهمّة، لكن بعضها كان أهمّ من الآخر.

إن الشعور بالارتباط مع الأزواج والأصدقاء المقربين يوفر أكبر قدر من الحماية، ولكن حتى الأشخاص الذين تتعرف عليهم بشكل عرضي في الكنيسة أو في نادي البولينغ يساعدون في إبعاد شبح الموت.

قد يفسر إطلاق هذا الادعاء بجرأة مطلقة، سبب إهماله في البداية في إرشادات الصحة العامة. اعتاد العلماء على رؤية الجسد كنوع من الآلة، منفصلاً إلى حد كبير عن حالتنا العقلية وبيئتنا الاجتماعية. ولكن منذ ذلك الحين، أكدت الأبحاث المكثفة أن التواصل والشعور بالوحدة يؤثران على قابليتنا للإصابة بالعديد من الأمراض المتنوعة.

صلب المسألة

على سبيل المثال، يمكن للتواصل الاجتماعي أن يعزّز نظام مناعتك وحمايتك من العدوى. في التسعينيات طلب الباحث شيلدون كوهين من جامعة كارنيغي ميلون من 276 مشاركاً، إعطاء تفاصيل كاملة عن روابطهم الاجتماعية.

خضع المشاركون لاختبار فحص عدوى موجودة، ووضعوا في حجر صحي وطلب منهم استنشاق قطرات الماء الملوثة بالفيروس الأنفي – وهو الفيروس الذي يسبب العديد من السعال والعطس.

على مدار الأيام الخمسة التالية، استمرت الأعراض في الظهور على العديد من المشاركين، لكن هذا كان أقل احتمالا بشكل ملحوظ لدى الذين يتمتعون بمجموعة كبيرة ومتنوعة من الروابط الاجتماعية.

في الواقع، كان أولئك الذين لديهم أدنى مستويات التواصل الاجتماعي أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد بثلاثة إلى أربعة أضعاف من أولئك الذين لديهم شبكات أكثر ثراء تضمّ العائلة والأصدقاء والزملاء والمعارف.

يجدر بأي عالِم جيّد، أن يفكر دائما في ما إذا كانت العوامل المربكة الأخرى قد تفسر النتيجة.

من المنطقي الافتراض أنّ الأشخاص الذين يعيشون بعزلة، يمكن أن يكونوا أقل لياقة ونشاطاً، إذا كانوا يقضون وقتا أقل في الخارج مع الأصدقاء والعائلة على سبيل المثال.

ومع ذلك، وبحسب اكتشاف بيركمان وسايم أيضا، ظلّ الارتباط قائماً حتى بعد أن أخذ الباحثون في الاعتبار جميع هذه العوامل. ويتجاوز حجم التأثير بشكل كبير فوائد تناول مكملات الفيتامينات، وهو إجراء آخر قد نتخذه لتعزيز نظام المناعة لدينا.

يطال أثر تعزيز الصحة الاجتماعية، حالات مزمنة وتصطحب معها تغيرات في ظروف الحياة مثل مرض السكّري النوع 2.

تنمو هذه الحالة حين يتوقف البنكرياس عن إفراز الكمّ الكافي من الأنسولين، وتوقف خلايا الدم عن التجاوب مع الأنسولين الذي يتدفق في الدم – وكلاهما يمنع البنكرياس من خفض نسبة السكر في الدم إلى خلايا الطاقة.

يمكن لعوامل مثل السمنة أن تساهم في الإصابة بمرض السكري، لكن يبدو أن جودة علاقاتك تؤثر أيضاً.

كشفت دراسة أجريت على 4000 مشارك في الدراسة الطولية الإنجليزية حول الشيخوخة أن النتيجة الأعلى في مقياس الشعور بالوحدة في جامعة كاليفورنيا ــ وهو استبيان يستخدمه العلماء لقياس الارتباط الاجتماعي ــ تنبأت بظهور مرض السكري من النوع 2 على مدى العقد التالي. وهناك إشارات تدلّ على أن الأشخاص الذين يتمتعون بروابط اجتماعية أقوى لديهم خطر أقل للإصابة بمرض الزهايمر وأشكال أخرى من الخرف.

ومع ذلك، ترتبط أقوى الأدلة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

وسلطت دراسات كبيرة طالت عشرات آلاف من الأشخاص على مدى سنوات عديدة، الضوء على هذا الرابط.

ويمكن ملاحظة ذلك في المراحل المبكرة – فالأشخاص الذين يعانون من علاقات اجتماعية سيئة، هم أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم – وفي أسوأ النتائج، تزيد الوحدة من خطر الإصابة بنوبة قلبية أو ذبحة صدرية أو سكتة دماغية بنحو 30 في المئة.

وقامت جوليان هولت-لانستاند، عالمة نفس من جامعة بريغام يونغ في يوتاه، بجمع نتائج 148 دراسة، وذلك بهدف الحصول على قياس الأهمية الشاملة لتعزيز الصحة الاجتماعية.

الدراسات غطّت 300 ألف مشارك، وفحصت فوائد الانخراط الاجتماعي ومخاطر الانفصال الاجتماعي.

بعدها قارنت جوليان آثار الوحدة مع مخاطر عوامل أخرى في الحياة، من بينها التدخين وشرب الكحول والتمارين والنشاط الجسدي، ومؤشر قياس السمنة، وتلوث الهواء وتناول دواء التحكم بضغط الدم.

النتائج التي صدرت عام 2010 كانت مذهلة، وجدت هولت- لونستاد أن حجم وكمية علاقات الأشخاص الاجتماعية يساويان أو يتخطيان جميع العوامل الأخرى تقريبا، في تحديد الوفيات.

كلما شعر المزيد من الناس بدعم الأشخاص من حولهم، كلما تحسنت صحتهم وقلّ احتمال وفاتهم. بشكل عام، لعب التواصل الاجتماعي – أو غيابه – دورا أكبر في صحة الناس، من استهلاك الكحول وممارسة الرياضة ومؤشر السمنة وتلوث الهواء. النتائج المتعلقة فقط بآثار التدخين كانت قريبة.

قد يعجبك ايضا