عصام الياسري
بذريعة تجنب القلاقل والتظليل طلبت نقابة المحامين العراقيين قبل أيام من هيئة الإعلام والاتصالات، أمرا إداريا خطيرا، يدعوها اتخاذ إجراءات قانونية بحق المحامين الذين يظهرون لإبداء الرأي والمشورة في وسائل الإعلام دون “ترخيص” مما أثار استياء المحامين. وعلى ما يبدو أن توجهها هذا يرتبط لرأي جهة سياسية تتربص لمنع الآراء التي تشغل الرأي العام حول ممارساتها على الصعيدين السياسي والمؤسساتي.
إلا أنها، أي النقابة، أكدت التزامها مسألتين: لا يجوز للمحامين الظهور للتعبير عن رأيهم دون الحصول على “ترخيص” مسبق منها.. ثانيا، إن لم يحدث ذلك: فسيعرض المحامي نفسه للمساءلة القانونية. لكنها، في الوقت نفسه، لم تعلن صراحة عن نواياها الحقيقية من وراء تبني مثل هذا الشروع الذي يدعو إلى القلق، لأنه، يؤخذ نوع من تكميم الأفواه ومصادرة حقوق الإنسان وحرية التعبير التي يكفلها الدستور والأعراف القانونية والمدنية وأيضا، النظام الداخلي للنقابة ذاتها، يؤكد على مبدأ الدفاع عن أعضائها.
التحليل العلمي والقانوني المرتبط بمهام المحامي والقاضي كرجال قانون يلعبون أدوارا محورية في حياة المجتمع من خلال ضمان تطبيق القانون وتحقيق العدالة. يشير إلى: حق المحامي بالدفاع عن حقوق الأفراد والمؤسسات ويقدم لهم المشورة القانونية. بينما القاضي يفسر القانون ويفصل في النزاعات. هذه المهام تتطلب مسؤولية أخلاقية كبيرة ودورا علميا في تطوير اللوائح القانونية وتعزيز العدالة الاجتماعية. لذا؛ لا يجوز بأي حال من الأحوال لمؤسسات الدولة أو مؤسسة نقابية منع المحامي من أداء دوره الأخلاقي والإنساني في الدفاع عن حقوق أبناء المجتمع. مثل هذا المنع يعد انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان وسيادة القانون والعدل ويؤدي إلى تقويض المجتمع.
إن تقييد المحامين من المشاركة في النقاشات العامة والظهور في وسائل الإعلام لإبداء المشورة حول القضايا التي تؤثر على حقوق المجتمع يعتبر تعد صارخ على حقوقهم في التعبير ويضعف دورهم الأساسي لحماية وتعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. إن حرية التعبير والمشاركة في النقاشات العامة جزء لا يتجزأ من دور المحامي كمدافع عن تلك العدالة المجتمعية. ويعتبر هذا الحق جزءا أساسيا من حقوق الإنسان التي تكفلها المواثيق الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة11) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 14). وبالتالي، فإن تقييد هذه الحرية يمكن أن يؤدي إلى ممارسة الفساد وانتهاك الحقوق المدنية للمجتمع، وهو ما يتناقض مع المبادئ الأساسية لسيادة القانون والعدالة الاجتماعية.
كحلقة وصل بين الأفراد ومؤسسات الدولة، أو يعمل على تمثيل الأفراد أو الكيانات أمام المحاكم والجهات الرسمية وغير الرسمية أو الظهور في وسائل الإعلام لإبداء المشورة. يسعى المحامي وفق مبادئ وقيم منها المسؤولية القانونية: تقديم المشورة الصادقة والمبنية على أساس قانوني سليم. عدم القيام بذلك يمكن أن يؤدي إلى فقدان الموكل حقوقه أو تعرضه للمساءلة القانونية. كذلك، المسؤولية الأخلاقية: الالتزام بأعلى المعايير في التعامل مع موكليه من مختلف أصنافهم الجنسية والعقائدية، أن يكون صادقا ونزيها لرعاية قضاياهم. والأهم، دوره في المجتمع الحديث: تمثيل الأفراد والفئات المستضعفة وتقديم المشورة لمواجهة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتحقيق العدالة الاجتماعية. ومن واجبه أيضا تقديم الرأي القانوني في القضايا العامة وأن يشارك في صياغة التشريعات الجديدة.
فماذا يعني إذن، حرمان ـ المحامي ـ من لعب دوره لتوضيح حقوق المواطنين في المجالس الحقوقية والسياسية أو في وسائل الإعلام المختلفة، والذي يمثل انتهاكا جسيما لأسس العدالة وحرية التعبير؟. من الناحية “القانونية”: المحامي الضامن الأساسي لهذا الحق، حيث يقدم الدفاع القانوني والمشورة لموكليه. منعه من أداء هذا الدور يشكل انتهاكا مباشرا للحقوق الدستورية والقانونية. وإذا ما تدخلت الدولة أو أي مؤسسة أخرى ومنها النقابية في عمل المحامي، فذلك يعرض استقلاليته للخطر كما يؤثر سلبا على عدالة الإجراءات القانونية. فالنقابات المهنية، بما في ذلك نقابات المحامين، يفترض أن تدعم حقوق أعضائها وتعمل على حمايتهم من أي تدخلات غير مشروعة، لا أن تفرض قيود عليهم تمنعهم من أداء مهامهم الأساسية لتوضيح الأمور المتعلقة بحياة ومستقبل كافة فئات المجتمع دون تمييز.
أما من الناحية “الإنسانية”، بغض النظر عن الضغط السياسي أو الاجتماعي. فإن أي محاولة لمنع المحامي من أداء دوره، هو انتهاك لهذا الالتزام الأخلاقي لتقديم دفاعات عادلة ومنصفة. وعندما يتم منع المحامين من أداء دورهم، فإن المجتمع يفقد إحدى أهم دعائم العدالة وقد يؤدي إلى تشويهها، حيث يمكن أن تصدر أحكام غير عادلة نتيجة لعدم توفر دفاع كاف أو مناسب، مما يشكل تهديدا خطيرا لحقوق الأفراد أمام المحاكم.
إذن، على الدولة أن تكفل للمحامين الاستقلالية الكاملة للقيام بمهامهم دون تدخل أو ضغوط، ذلك لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الأفراد والكيانات المدنية.
في بعض الأنظمة القمعية، تم تقييد أو منع المحامين من الدفاع عن حقوق الأفراد والكيانات المجتمعية، مما أدى إلى انتهاكات جسيمة للحقوق والحريات. في مثل هذه الأنظمة، يعتبر القضاء أداة للقمع بديلا عن أن يكون وسيلة لتحقيق العدالة. وغالبا ما تؤدي إلى تفشي الظلم وزيادة الفجوة بين النظام القانوني والمجتمع، مما يقلل من ثقة الجمهور بالنظام القضائي.
خلاصة القول للدولة والمجتمع: عندما تسمح الدولة أو المؤسسة النقابية بتقييد حرية المحامين من الظهور في وسائل الإعلام، يصبح النقاش في قضايا العدالة وحقوق الإنسان أقل توازنا وشمولية. هذا يمكن أن يؤدي إلى تراجع في مستوى الحوار المجتمعي ونقص في التنوع الفكري في المناقشات العامة. وفي الوقت نفسه يكون: رسالة سلبية حول مفهوم الدولة ومؤسساتها للديمقراطية وحقوق الإنسان. أيضا، ما يمكن أن يثير الشكوك حول نزاهة النظام السياسي للدولة وأحزاب أصحاب السلطة ـ على حد سواء!.