اعداد: عدنان رحمن
اصدار: 13- 8- 2024
عن دار سطور للنشر والتوزيع- العراق- بغداد بالتعاون مع مؤسسة سومر صدرت في العام 2024 الطبعة الاولى من رواية ( تاجر الجلود) للروائي عبد العزيز الفيزي ورد في جزء منها:
– ” البداية
– لا أريدكم أكرهكم جميعاً.
صرخ الولد الصغير بصوت عال وذهب راكضا إلى غرفة جدته. وهذا عادة ما يفعله كلما أراد شيئا ولم يعطوه. فقد كان الولد الوحيد بعد أربع بنات فأحبته أمه كثيرا، أكثر من أخواته. وأعطته كل ما يريد لكنَّ أباه كان مختلفا، هو الوحيد الذي يستطيع أن يقول له ” لا”. وكثيرا ما كان يدخل في سجال مع زوجته وأمه لهذا السبب. دخل إلى غرفة جدته التي كانت جالسة على فراشها تشاهد التلفاز، وهو يبكي ذهب إليها فاحتضنته وقالت بصوت هادئ:
– لِمَ تبكي يا ولدي ولم هذا الصراخ؟.
أجابها بحزن: إنهم لا يدعوني أشاهد التلفاز.
– ألَم تكن تشاهد التلفاز طوال الظهيرة؟.
– بلى. لكني لم أكن أريد المشاهدة لم يكن برنامجي المفضل برنامجي المفضل الآن موعده، أريد أن أشاهده الآن.
عادت جدته لتجيبه بصوتها الحنون:
– لكن والديك وأخواتك يريدون أن يشاهدوا التلفاز الآن. إنهم أكبر منك ويجب أن تحترمهم.
أجابها بعصبية: كلا لن أفعل… لا أريدهم… أكرههم جميعاً. أتمنى لو كان لي عائلة أخرى.
علا صوت الجدة وقالت بحزم: لا تقل ذلك.
صمتت للحظة وعادت إلى صوتها الهادئ: لا تقل ذلك يا ولدي، وإلا جاءك الآخوذ.
سكت الولد، وتوقف عن البكاء، وسأل جدته باستغراب: الآخوذ؟!
– نعم الأخوذ. إنه وحش ضخم طويل جدا وأبيض. كل ما فيه أبيض، لون وجهه شعر رأسه، لحيته، حتى قرونه التي تشبه قرون الماعز. لو رأيته من بعيد لظننت أنه شبح ولو رأيته من قريب لمتُ من الخوف. إنه قبيح جدا ومرعب. يسمونه الآخوذ لأنه يأخذ الأولاد السيئين، الذين لا يسمعون كلام أهلهم، ويبدل جلدهم بجلد كلب. ويعيشون باقي حياتهم كلابا، تعرف جارنا حيدر؟.
– حيدر المجنون؟.
– لم يكن مجنونا، لقد كان ولدا مرحا مثلك بالضبط، ولكنه كان مشاكسا، أغضب أمه يوما فدعت عليه. فأخذ الآخوذ روحه ووضع روح كلب في جلده . فهو ليس شخصًا مجنونا، بل هو روح كلب في جلد بشر.
سكتت ونظرت إليه كان يبدو في عينيه الخوف، فقالت مازحة:
– كما أنك لو أردت عائلة جديدة ستفقدني أنا أيضا.
سكت لفترة من الزمن ثم قال بصوت ناعم خافت: أنا لا أريد أن أفقدك أنا أحبك جدتي.
فقامت بضمه إليها وتقبيله، كان يحب ذلك، بقيت حاضنة له حتى سمعته يقول بصوت واطئ:
– أنا… أنا خائف يا جدتي. أنا خائف من الآخوذ.
أفلتت ذراعيها من حوله ومسكته من رأسه ونظرت إليه. وبدأت بتمشيط شعره بيدها بشكل خفيف وقالت:
– لا تقلق يا ولدي فهو لا يأخذ الجميع سوى الأولاد السيئين الذين تكون أرواحهم سوداء.
سألها باستغراب: الذين تكون أرواحهم سوداء؟.
– نعم.. فالناس ألوان يا ولدي ولا أقصد لون جلدهم، وإنما لون أرواحهم فبعضهم تكون أرواحهم خضراء، فيكونون متفائلين محبين للحياة، يفضلون زراعة الورد على قطفه ويتمنون لو تقطع ساقهم على أن يقطعوا شجرة أو يؤذوا حيواناً. وآخرون أرواحهم صفراء، فيكونون متقلبين سريعي الغضب والفرح يغيرون تفكيرهم باستمرار، يغدرون بسهولة ويغارون حتى من أقرب الناس لهم. وغيرهم أرواحهم حمراء، فيكونون كتلة من الطاقة، دمهم حار تملؤهم الحماسة، قادة يثورون لغضب الناس ويتصدرون الموقف، شجعان لا يخافون الموت، والموت عندهم أولى من العيش بذل وهوان. وآخرون تكون أرواحهم زرقاء مسالمون حالمون راضون بما لديهم يوافقون على كل شيء، لا يمتلكون آراء ولا يعيشون من دون جماعة ينتمون إليها، فيكونون كالخراف يتبعون ذوي الأرواح الحمراء أما أفضلهم فهم أولئك الذين تكون أرواحهم بيضاء، فيكونون طيِّبي القلب مبتسمين دائما لا يكرهون ولا يرفضون مساعدة الناس ولم تلوث الحياة أرواحهم. لكن إياك ثم إياك أن تكون روحك سوداء. فأولئك يكونون متشائمين عبيسي الوجه طوال الوقت لا يرضيهم شيء، ولا يهتمون إلا بأنفسهم، ولا يقومون بعمل ما لم يكن يصب في مصلحتهم الشخصية. توقفت قليلا، وكان الخوف ما زال واضحا على وجهه. فعادت لتقول:
– لا تقلق يا صغيري. تفاءل واضحك ولا تُحزن والديك، وستكون بخير.
ارتسمت على وجه الولد ابتسامة عريضة. فحضنتـه الجدة مرّة أخرى وقبلته وقالت مبتسمة:
– هذه هي الابتسامة الجميلة التي أحبها. هل نشاهد التلفاز معا؟
أومأ برأسه علامة الموافقة. أخذت الجدة جهاز التحكم. وغيرت التلفاز إلى قناته المفضلة. وجلسوا يشاهدون.
النهاية
استيقظ من النوم وكانت الشمس قد بدأت بالشروق. وجد نفسه في زقاق ترابي وعلى جانبيه العديد من المحال. كانوا قد بدؤوا للتو بفتح أبوابهم. تمشی متنقلا من زقاق إلى آخر. شمّ رائحة يعرفها فذهب باتجاهها. بعد فترة من المشي وجدها كانت رائحة أصدقائه. كانوا مجتمعين حول حاوية قمامة، يأكلون من النفايات المرمية بجانبها. بعد الانتهاء من الأكل تحركوا وذهب معهم. ظلوا يتجولون في شوارع المدينة حتى المساء، يبحثون عن المزيد من الطعام متنقلين من حاوية إلى أخرى، وفجأة بدؤوا بالركض ركض خلفهم. وصلوا الى خرابة كانت في السابق بيتا كبيرا. وجدوا كلبا وكلبة ملتحمين مع بعضها. هجموا عليهما و فصلوهما. وتصارعوا مع الكلب وطردوه. بعدها التفوا حول الكلبة وهجموا عليها جميعا ليلتحموا معها. بعد الانتهاء اضطجعوا في مكانهم وغطوا في نوم عميق. استيقظ من النوم على وجع في رجله سببه حجارة رماها طفل صغير. صحا وانطلق بالركض مباشرة. كان أصدقاؤه قد رحلوا قبله وتركوه وحيدا مشى طوال الصباح محاولا إيجادهم لكنه لم يشم رائحتهم. شم روائح كثيرة لكنه لم يعرفها . كان لا يزال يفتش عنهم عندما سمع صوت كلب ينبح من مكان بعيد زاد من سرعته متوجهاً إليه حتى وجده. كان الكلب محبوسًا داخل منزل وينبح بصوت عال اقترب من الباب فزاد نباح الكلب وحشر أنفه من تحت الباب محاولا الخروج وكأنه يريد أن يتصارع فتركه وأكمل مسيره. بعد فترة عندما قارب الصباح على الانتهاء، شم رائحة يعرفها، فركض نحوها استمر بالركض عبر الشارع العام إلى محلة أخرى. تنقل في أزقتها الضيقة إلى أن وصل إلى مصدر الرائحة. فكانت لطفلين صغيرين. اقترب منهما وشم يديهما. كانا لطيفين للغاية. أخرج لسانه وهز ذيله فرحا يريد اللعب عندما سمع صوت رجل يصيح: عادل، مها. لا تقتربا منه كي لا يعضكما. إنه كلب شارع.
انحنى الرجل إلى الأرض وحمل حجرا. فخاف وهرب يعرج على قدمه اليمنى التي كانت لا تزال تؤلمه، واضعا ذيله بين فخذيه. وصل إلى نهاية الزقاق فوقف ونظر إليهم. كان الرجل قد حمل الفتاة بذراعيه إلى الأعلى وظل يفرها وهي تصرخ وتضحك، والولد يضحك أيضا. بعدها دخلوا إلى المنزل وأغلق الباب. ظل يجوب شوارع المدينة من دون هدف. رأى كلبة، خلفها. شم مؤخرتها فأعجبته، فمشى معها”.
وعن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع- القاهرة في العام 2024 صدرت الطبعة الاولى لدراسة نقدية بعنوان ( الشعر العربي المعاصر بين المعايير والمحاذير) للكاتب والشاعر المصري حسن عبد الفتاح الحضري ([1]) ورد عنه:
– ” يرى الحضري أن الإتجاهات عند بعضهم ذهبت إلى مسارات بعيدة، واتخذت أشكالًا جديدةً خرجت بها عن مفهوم الشِّعر ومسمَّاه. يقع الكتاب في ثلاثة فصول، حيث يؤكد الحضري من خلالها أن الشِّعر له تعريف محدَّد وُضِع مِن أجله ولا ينبغي إغفاله، ويجب ألَّا يُدرَج تحته ما لا تنطبق عليه مقوِّماته وقواعده التي يشتمل عليها تعريفه. يأتي الفصل الأول بعنوان ( الشعر العربي ومراحل تطوره حتى نهاية العصر العباسي)، الذي يتناول فيه الحضري: مفهوم الشعر ومكانته عند العرب، ومراحل تطور الشعر العربي حتى نهاية العصر العباسي؛ ثم يأتي الفصل الثاني بعنوان ( الشعر العربي من عصر الركود حتى النهضة الحديثة)، الذي يتناول فيه: الشعر العربي من الركود إلى الإحياء، ثم ينتقل إلى المدارس الشعرية الحديثة وتحوُّلات القصيدة العربية؛ أما الفصل الثالث فعنوانه ( القصيدة الحداثية في ميزان النقد)، الذي يتناول فيه الحضري: التجديد الشعري في منظور القرآن الكريم والمنهج العلمي، ثم ينتقل إلى قضية الانحراف عن عمود الشعر. يقع الكتاب في مئة وأربع وعشرين صفحة من القطع الكبير، وهو الإصدار ( 15) حيث صدر له قبل هذا الكتاب 9 دواوين، وكتاب في علم العروض بعنوان ( الصحيح في علم العروض)، وكتاب في النقد الأدبي والإعجاز القرآني بعنوان ( القرآن الكريم يحدد ماهية الأدب)، وكتاب بعنوان ( الشعراء الصعاليك بين التفاوت الطبقي والتوافق الفكري)، ومجموعة مقالات نقدية في كتابين؛ هما: ( سطور من الواقع) و ( رؤى نقدية)، كما نُشِر له عدد من الأبحاث العلمية والدراسات النقدية في عدد من المجلات العلمية والثقافية في مصر والدول العربية والإسلامية، ومن أهم أبحاثه ودراساته المنشورة: ( السيناريو المسرحي في شعر الأعشى، ابن خذام بين الواقع والدلالة، ميزان النقد عند النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، دلالة اللفظ والسياق في تفسير القرآن والحكم على الحديث، دلالة الصيغة والسياق في استنباط المعنى القرآني، وقفات مع تحقيق ديوان عروة بن الورد، وقفات مع تحقيق ديوان الشَّنفرَي)”.
[1]– حسن عبد الفتاح خلف حسين الحضري: ” شاعر وكاتب وناقد أدبي، عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وُلِد في مدينة سمالوط بمحافظة المنيا في صعيد مصر، يوم 29/ 10/ 1975، وتخرَّج في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة المنيا، وعمل باحثًا ومحققًا وعضوًا باللجنة العلمية في عدد من المؤسسات البحثية، وتولى مناصب ثقافية رفيعة في بعض المؤسسات الثقافية داخل مصر، وله دور ملحوظ في الدعوة إلى النهوض بالثقافة في مصر من خلال مقالاته وتصريحاته ولقاءاته الإذاعية والتليفزيونية، ومن خلال دوره في بعض المؤسسات التي عمل فيها، ومنها: عضو اللجنة العلمية بمؤسسة اقرأ الخيرية. مساعد رئيس مجلس أمناء مؤسسة الحسيني الثقافية. مستشار مجلس إدارة مؤسسة الجبالي للثقافة. كما تولى رئاسة لجان التحكيم في بعض المسابقات الأدبية، وشارك في تحكيم بعضٍ آخر، منها: المشرف العام على لجان تحكيم الشعر بمؤسسة الحسيني الثقافية. رئيس لجنة تحكيم مسابقة مدح الرسول بمؤسسة الجبالي للثقافة. المنسق العام لجائزة كشيدة. عضو لجنة تحكيم مسابقة القصة الومضة. شارك في عدد من المؤتمرات داخل مصر وخارجها”. للمزيد انظر: ويكيبيديا. الموسوعة الحرّة.