قراءة لما يحدث في كركوك

د. حسن كاكي

عادت قضية كركوك الى الواجهة كعقدة في المنشار من جديد، فبعد الاتفاق بين تحالف ادارة الدولة وحكومة الاقليم على عودة الحزب الديمقراطي الكوردستاني الى مقراته السابقة في كركوك، وبعد اجتماع مجلس الوزراء العراقي وبحضور وزير الداخلية والدفاع، وبعد قرار القائد العام للقوات المسلحة العراقية الاستاذ محمد شياع السوداني إناطة مسؤولية قيادة عمليات القوات المتقدمة في كركوك الى لواءين مشتركين من القوات العراقية ومن البيشمركة لمسك زمام الأمن في كركوك .. انطلقت تظاهرات رافضة لهذا القرار من قبل مجموعة من الاشخاص يقودهم البعض من فصائل المسلحة، وهذا يصرخ (انباعت كركوك .. وذاك يصرخ راح نفط كركوك) وما الى ذلك .. واغلقوا الطريق وبحجج وادعات كاذبة وباطلة منها عثورهم على جثث داخل مقر القيادة المذكور الذي كان يشغله الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ولكن اين الدليل ولماذا لم يتحدث عنها احد منذ عام 2017 عند دخول القوات العراقية لمقر القيادة المذكور ولغاية يوم انطلاق التظاهرات؟

وكأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني قوة اجنبية ستحتل مقر قيادة العمليات، وليس هو الحزب الذي آوى عبر حكومة اقليم كوردستان أكثر من (1،5) مليون ونصف نازح بعد احداث داعش، والاقليم كان ولازال الملاذ الآمن لكل من يلتجأ اليها.

هنا لابد الأشارة الى ان عدد الأخوة العرب القاطنين في اربيل لوحدها اكثر من نصف مليون نسمة يعيشون في امن وسلام وتآخي في الاقليم .

المتتبع لشأن مدينة كركوك سيلاحظ الفرق واضحاً بين الادارة السابقة التي كان يقودها المحافظ الراحل نجم الدين عبد الكريم، والادارة الحالية التي استحوذ عليها راكان الجبوري، في تجوال
بسيط في المدينة سيرى حجم الخراب الذي حل بالمدينة من سوء ادارة،فضلا على الفساد المستشري في كافة مرافقها، وانعدام الخدمات والنفايات المنتشرة في كل مكان وما الى ذلك، ناهيك عن تمدد داعش في سلسلة جبال حمرين وقيامه بعمليات ارهابية هنا وهناك..
عليه غالبية اهالي كركوك الاصلاء يتمنون عودة ادارة كركوك الى الكورد.

لا أريد التعمق في التأريخ ولكني اريد الأشارة الى نقطة مهمة وهي، عندما كان العرب بدواً رحل في اليمن والجزيرة العربية، وكان التركمان قبائل (الهون أو القون) في شمال الصين حوالي نهر (أورخون) كانت (أرابخا = كركوك) عاصمة اول حكومة كوردية وهم الكوتيين، كذلك كانت كركوك ضمن لواء الموصل ذات الغالبية الكورية والتي كانت تشمل (الموصل وكركوك والسليمانية) قبل سقوط الدولة العثمانية، وتم ضمها الى العراق قسراً من قبل الاستعمار البريطاني.

وكان لغاية تعداد 1957 وبعدها غالبية سكانها من الكورد، كما لها قدسية خاصة في نفوس الكورد ووصفها الزعيم الكوردي الخالد الملا مصطفى البارزاني بانها (قدس كوردستان) وضحى باتفاقية 11 آذار عام 1970 في سبيلها عندما منح النظام البعثي نصف مدينة كركوك لإدارة الكورد ورفضتها القيادة الكوردستانية في حينها، واليوم يأتي نفر ما وبنفس الغطرسة الصدامية ويدعي بعروبتها وذاك يدعي تركمانيتها.

وهناك من يدعي بالحدود الوهمية التي رسمها لهم حزب البعث ويعدون كركوك هبة واستحقاق من الحكام الشوفينيين السابقين، وعندما يتحدث أهلها الحقيقيين عن حقوقهم المشروعة يعدون متمردين ومتآمرين وانفصاليين يهددون أمن و وحدة العراق.

وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه اذا لم تكن كركوك كوردستانية لماذا تم تعريبها ؟ ولماذا هجر اهلها الكورد ؟ وما هو الخطر من عودة هذا الحزب الى كركوك؟

في قراءة لواقع المعترضين فهم اما من الحاقدين او حملة العقدة الشوفينية والعنصرية او الافكار المريضة او من الذين عقولهم خلف اسوار البشرية ولا يخرجون من القوقعة القديمة والخطاب الشوفيني المستهلك والاضطراب والهذيان الذي نشاهده على سيماءهم وتصريحاتهم والذين لا يغمض لهم جفن وتتجافى جنوبهم عن المضاجع لشدة انكارهم لحقوق الكورد وحساسيتهم من النهضة الكوردية التي تشكل كابوسا رهيبا لهم، او من الذين يريدون ان تبقى كركوك جمراً يومض تحت الرماد ويشعلون أوارها متى ما يشاءون، او من الموالين لداعش وخلاياها النائمة في كركوك، او من بعض المليشيات التي تفرض الاتاوات على المواطنين وعلى اصحاب السيارات في السيطرات، أو من الحالمين بضم كركوك الى تركيا، او من المدفوعين من جهات خارجية لأجندات معروفة، او من الذين يتخوفون من مشاركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقوة في انتخابات مجالس المحافظات وازدياد عدد مقاعد الكورد فيها، علماً بان عدد مقاعد الكورد في كركوك ومنذ تشكيل الدولة العراقية كان دائماً ضعف عدد مقاعد المكونات الاخرى .

هؤلاء المرعوبون من حقهم ان يصابوا بالأرق لان الحزب الديمقراطي مع القوات العراقية المشتركة ستكون شوكة في عيونهم، وان هذه التظاهرات والاعتراضات هي دعاية مجانية للحزب الديمقراطي الكوردستاني، داعية الكورد ان يتمسكوا بهويتهم القومية اكثر من هويتهم الوطنية، وربما تدفع الكورد الى الوحدة والتماسك أكثر، وانهاء الخلافات الحزبية بينهم، لانه بانت النوايا اتجاه الكورد .

يبدو ان الحكومة العراقية وقراراتها بمثابة (هواء في شبك) ولا احد يمتثل لها ولا وينفذها، فسبق ان تم الاتفاق بين ادارة الدولة والحزب الديمقراطي الكوردستاني حول إدارة مدينة سنجار وتم الاعتراض عليها ولم تنفذ لحد الان.

واليوم في كركوك يعاد نفس السيناريو فاين سلطة الدولة وهيبتها؟، ام نحن في الدولة العميقة ودولة داخل دولة.

بقي ان نسأل الى متى تبقى قضية كركوك بلا حل تلوكها ألسن من يشاء من داخل وخارج الحدود وكأنها ليست قضية عراقية، ولم تحسمها المادة 140 من دستور العراق الدائم والذي صوت عليه غالبية الشعب العراقي ؟

تجاهل الواقع السياسي للقضية الكوردية في كركوك ولواقعها الكوردستاني هو تجاهل لمشاعر جميع أصحاب الضمائر الحية والعقول الحكيمة في الشارع العراقي، وعدم التفكير بتقديم الحلول الديمقراطية الشفافة لها تشكل خطورة الحفاظ على وحدة العراق وامنه.

اخيراً انا واثق بأن هذه المرحلة سوف تنتهي والعقول سوف تتغير وهذه حتمية تاريخية وان شعب كوردستان اكثر حرصاً من الجميع في تطبيق الدستور وارساء أسس الدولة الديمقراطية، ولنترك أهالي كركوك يقولون كلمة الفصل في الانتخابات المقبلة.

قد يعجبك ايضا