الكاريزما القيادية: البارزانى الخالد أنموذجا تطبيقات نظرية (الهيمنة الكارزمية) لماكس فيبرفى ((علم الاجتماع السياسى))
بحث للسيد : مهداوى احمد داود
بكالوريوس فى علم الاجتماع / كلية الأداب
جامعه صلاح الدين للسنة الدراسية 1985-1986
2013
الــــــــمحتـــــــــويات
الموضــــــــــــــــوع | رقم الصفحة |
المقدمة | 1 |
المبحث الأول: نظرية ماكس فيبر في علم الاجتماع | 2 |
الرجل والظروف | 2 |
فيبر وأعماله | 3 |
أنواع السلطات | 4 ـ 5 |
مصطلح الكاريزما | 6 |
تعريف الكاريزما | 6 |
نظرية ماكس فيبر في الكاريزما | 7 |
من هو القائد الكاريزمي | 7 |
نظرية الهيمنة الكاريزمية | 8ـ 9ـ 10 |
المبحث الثاني: فرضية البحث والمنهج التأريخي | 11 |
فرضية البحث | 11 |
طبوغرافية منطقة بارزان | 11ـ12 |
مقاطعة بهڕۆژ | 12 |
المبحث الثالث: الزعامة الكاريزمية للبارزاني الخالد | 14ـ 19 |
سمات وملامح ومميزات الشخصية الكاريزمية للبارزاني الخالد | 19ـ 21 |
المبحث الرابع: الاستنتاجات والخلاصة | 21 |
الهوامش | 22 |
المصــــــادر | 23 |
المــــــــــــــقدمة
إن موضوع علم الاجتماع هو موضوع شامل وإن كتابة موضوع علم الاجتماع السياسي يجرنا إلى مواضع عديد ذات صلة بعلم الاجتماع وعلم السياسة…. الخ ناهيك عن كتابة بحث عن سوسيولوجية ماكس فيبر خصوصاً وتحديداً موضوع (السلطة الملهمة) أو (الكاريزيمية) وتطبيقاتها على شخصية الزعيم والقائد التاريخي المرحوم البارزاني الخالد (رمز حركة التحرر القومي الديموقراطي الكوردستاني) خلال مسيرة حياته النضالية.
إن الموضوع شائك ويحتاج إلى مقارنة والتي أنوي إثباتها كـ(فرضية البحث) قمنا بجمع كتابات وبحوث حول الموضوع وقراءتها واقتباسها وتبويبها واستنباط الآراء ووجهات النظر حولها.
وتم استخدام (مصطلح الكاريزما )في بحثنا هذا وواجهنا صعوبة المشاكل لندرة الموضوع حيث لم يتطرق لها أحد في (الدراسات السابقة). وتم (تحديد مشكلة البحث ) و(أهميتها) والإطار (العام) لها وفي النهاية قمنا بتبويب البحث إلى (المبحث الأول) وهو يدور حول نظرية الكاريزما (ماكس فيبر ) والنظريات الأخرى وتعريفها والتركيز على (ماكس فيبر) ونظرية الهيمنة الكاريزيمية وأنواع السلطات والنظم السياسية والمبحث الثاني يتطرق لفرضية البحث والمنهج التاريخي أما المبحث الثالث فقد تناولنا فيه (طبوغرافية منطقة بارزان)وإثبات (فرضية البحث) وهي (الزعامة والقيادة الملهمة )(الكاريزمية) للبارزاني الخالد.
ويتضمن المبحث الرابع الخلاصة والاستنتاجات وتم استخدام المنهج التأريخي المقارن.
الباحث
المبحث الأول
نظرية (ماكس فيبر) في علم الاجتماع السياسي:
لعل أهم ما يميز نمو النظرية السوسيولوجية في العقد الأول من القرن العشرين، ذلك الاتجاه السايكولوجي الذي ساد في علم الاجتماع، والذي نما وتطور في أقطار مختلفة، متمثلاً في أعمال ثلاثة من الدارسين، يعد مساهمة (ماكس فيبر) في علم الاجتماع السياسي مساهمة كبيرة من خلال محاضراته وكتاباته التي طبقت فيما بعد مماته من قبل زوجته وتلاميذه وخصوصاً محاضرته في السياسة كمهنة وإعجابه بالنظام الديمقراطي البريطاني.
والذي يتخذ علم الاجتماع عنده طابعاً (ذاتياً) بالرغم من تاكيده وهو (ماكس فيبر) للعناصر (العقلية) التي ينطوي عليها نشاط الإنسان عموماً([1]).
الرجل والظروف:
ولد ماكس فيبر عام 1864 في إيرفيرت Erefert بألمانيا عرفت أسرته بأنها أسرة (بروتستانتية) وعرف أجداده لأبيه بأنهم (لوثريون) طردوا من النمسا بسبب معتقداتهم، وعندما اشتغلوا بالتجارة حتى أصبحوا من أشهر تجارها وتوسعوا في تجارتهم حتى وصلوا إلى بيلفيلد bielfeld كان لها امتدادت في (فرانكفورت) (مانشستر) كان والده محامياً، عمل بالسياسة، وانتخب عضواً بالبرلمان، وكان من زعماء (الحزب الحر) وبإيجاز كانت أسرته بورجوازية موضعاً وتوجهاً، أما هو فقد انتقل مع أسرته إلى برلين عام 1869، فالتقى بأفكار (آدم سميث) و(ماركس) وغيرهما كما التقى بالفلسفة، خاصة (الكانتية) و(الوجودية). وانتظم في محاضرات القانون الروماني في جامعة (هيلدبرج) عاش نفس الفترة التي ظهر فيها (تورستن فبلن) و (سومبارت. والتي أثرت في توجههم التاريخي نحو دراسة الاقتصاد([2])، وبعد حصوله على الدكتوراه قام بتدريس القانون في جامعة برلين عام (1892) وعمل أستاذاً للسياسة عام 1884 وأستاذاً للاقتصاد عام 1897.
وتجدر الإشارة إلى أنه كان مولعاً بالسياسة، وكم تمنى أن يكون زعيماً سياسياً أو حتى عضواً في البرلمان، لكنه أخفق في حياته السياسية والعملية فحاول أن يفهم مجتمعه، كما اهتم بتوضيح فضل البروتستانتية في صعود الرأسمالية، وولدت هذه الفكرة في رأسه مما عاناه من قلق وتعب ولهذا علينا – عند محاولتنا عن فهم ما كتب (حول الأخلاق الرأسمالية وروح البروتستانتية) أن نضع في الاعتبار كونه بروتستانتياً من أسرة تنتمي إلى البورجوازية، اشتغلت بالعمل السياسي([3]). وتراكمات رأس المال، والتطور التكنولوجي، وسيطرة أوروبا على العالم الثالث في أفريقيا وآسيا. من خلال الاستعمار وأعمال القرصنة([4]).
فيبر وأعماله:
ينتمي ماكس فيبر (1864- 1920) إلى أسرة موسرة درس في مطلع حياته القانون والاقتصاد، حيث أظهر فيها تفوقاً ملحوظاً، أما والده فكان سياسياً نشطاً لعدة سنوات وعضواً في البرلمان الألماني (الريشستاخ)، منتمياً إلى الحزب (القومي الليبرالي) وفي سنة 1893 عين ماكس فيبر أستاذاً للاقتصاد، ثم انتقل بعد ذلك إلى وظيفة مماثلة في هايدلبرج heidlberg في جامعة فرايبورج freiburg في سنة 1900 أصيب بانهيار عصبي حاد، أقعده عن نشاطه الأكاديمي، ولم يستطع العودة إلى التدريس إلا في سنة 1918، حينما سافر إلى فيينا، ثم إلى ميونخ بعد ذلك، و توفي سنة 1920 في وقت بلغت فيه مواهبه وقدراته أقصى درجات نضجها([5]).
والواقع أن فيبر لم يكن كسولاً خلال السنوات التي توقف فيها نشاطه الأكاديمي فقد مكنته موارده المالية الخاصة من السفر إلى خارج ألمانيا مرات عديدة وفي سنة 1904 زار الولايات المتحدة الأمريكية، واهتم بالتعرف على البحوث التي تجرى فيها. كذلك كتب فيبر عدداً من الدراسات والمقالات، ونشر كثيراً منها في مجلة (Archiv fur Sozialwissenschaft dun Sozialoplitik) (أرشيف العلوم الاجتماعية والسياسية)، حيث كان من أكثر ممثلي الكتابات الألمانية في العلوم الاجتماعية فيها، وبالإضافة إلى ذلك أسهم فيبر بمقالات مختلفة نشرت في الصحف المختلفة، كما عمل بنشاط في مجال السياسة، ويلاحظ أن آراءه السياسية كانت ليبرالية الطابع، بحيث يمكن القول بأنها تعكس وجهة النظر السائدة في أسرته، ولقد عارض فيبر مسألة الخدمة العسكرية البحرية غير المفيدة التي التي كانت سائدة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى ودافع عن السلام القائم على المفاوضات وبانتهاء الحرب أصبح فيبر أحد أعضاء اللجنة المشكلة لإعداد مذكرة عن مجرمي الحرب، قدمت إلى مؤتمر السلام في باريس، ثم أصبح بعد ذلك عضواً في اللجنة التي قدمت كشروع دستور فايمار Veimer وباختصار مكن القول إن حياة فيبر كانت تنقسم قسمة عادلة بين العلم والسياسة([6]).
والواقع أن كثيرا من كتابات فيبر لا تنتمي إلى ميدان (علم الاجتماع) بنطاقه المعروف، فأغلبها يعالج مشكلات ملموسة أكثر مما يعالج موضوعات أساسية في النظرية العامة لعلم الاجتماع. ومع ذلك فقد كان فيبر يتمتع بقدرات تحليلية فائقة، مكنته من تقديم إسهامات مهمة إلى النظرية في علم الاجتماع، وذلك من خلال دراسة متعمقة لهذه المشكلات، بل وقد أسهم في النظرية بدراسة لمشكلات وموضوعات لا ترتبط بشكل مباشر بالنظرية([7]).
ولقد توفي فيبر قبل أن يتمم مؤلفه الأساسي الذي يدخل في ميدان النظرية السوسيولوجية economics and sosiet (الاقتصاد والمجتمع)، وهو لذلك كانت إحدى المهام الصعبة في سنة 1922، جمع شتات هذا المؤلف، بعد أن تركها فيبر في صورتها المبدئية، جمعت كتابات المنشورة في المجلة العلمية وبعض الكتابات الأخرى، ثم ظهرت بعد ذلك في شكل مؤلفات ومن هذه المؤلفات ثلاثة تتناول علم الاجتماع تحتوي على (مقالات مجمعة) (collected papers) ومؤلف يدرس التاريخ الاجتماعي والاقتصادي، ومؤلف يعالج علم الاجتماع والسياسة الاجتماعية، وأخيراً مؤلف يتناول ما انطلق عليه اليوم (علم الاجتماع المعرفي) ومن المؤكد أن هذه المؤلفات بتنوعها الواضح، تعكس لنا تعدد اهتمامات فيبر واتساعها عند ذكره عدداً من الأفكار والآراء التي تتباين لدرجة التغايير يستدعي اسم ماكس فيبر max weber الكلي وتتناقض لدرجة التنائي حيث يصعب إيجاد أية نقطة للالتقاء بين اطرافه، فما حققه من سمعة وشهرة كباحث (سوسيولوجي) لم يتم إلا بعد أن فارق الدنيا. يصنف على أنه من (رواد) علم الاجتماع، مع أنه ابتدء لم يُعد نفسه لهذا التخصص، ولم (يحترف) علم الاجتماع كمهنة إلى قبيل وفاته بعامين اثنين، فلم يعين في وظيفة أستاذ علم الاجتماع إلا عام (1918)، عندما تم له ذلك في جامعة فيينا، عده جون ركس (Jrex) من أعظم (منظري) علم الاجتماع، بل بحكم تفوقه وتألقه على (دوركايم) في هذا الأمر على أنه ((رومانسي)) تفصح رومانسيته عن نفسها في حين صنفه (ألفن جولدنر A.Goludner) تركيز الشديد على (الدس والبصيرة) في الفهم والتفسير، وفي مبالغته في تقدير الخصائص الذاتية، للمستغلين بالعلوم الاجتماعية- بل وانحصاره على العوامل (الموضوعية)، التي تحيط بهم. ولم يجد ملائماً يطلقه (ماك ري) (d. Mack Rue) عليه لاعتباره (حاوي علم الاجتماع) وأما عن علاقته بفكرة (ماركس) فهي علاقة تثير تساؤلات كثيرة،وردود أفعال متباينة([8]).
أنواع السلطات لدى ماكس فيبر:
إن جميع أعمال ماكس فيبر تقريباً تدور حول موضوع رئيسي هو الانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث، وبناءً على ذلك وضع تقسيمه الثلاثي لأنواع السلطات : 1ـ السلطة التقليدية 2ـ السلطة الملهمة 3ـ السلطة العقلانية القانونية([9]).
1ـ السلطة التقليدية: تقوم السلطة التقليدية المشروعة في المجتمعات التقليدية على أساس متميز هو التقاليد والأعراف، وحكم العادة، أو بعبارة أخرى المعتقدات التي وجدت منذ زمن طويل والتي تصبح فيما بعد قواعد سائدة، وكذلك القواعد التي تضفي الشرعية على الحكام التقليديين، كما تحدد أيضاً حقوق وحريات كل من الحكام والمحكومين، ويؤخذ النظام على أنه كان موجوداً دائماً، ومقاومة التغيير فيه كبيرة، أما الاستحداثات الضرورية لتطور المجتمع فتبرر بحزافة أنها وجدت دائماً ولكن استبعد اكتشافها….. فمجرد التقليدية يكفي لتبرير النظام، ولا يوجد في السلطة التقليدية المشروعة وظائف و إنما مراكز شخصية لدعم مركز ذوي السلطة….. وحيث لأنه لا يوجد صلاحيات واضحة الحدود فإن ذوي السلطة التقليدية المشروعة يمارسونها على نحو تعسفي كاستخدام الفضل أو العفو…. والقيود الوحيدة على هذه السلطة التعسفي هي التقاليد ذاتها، أو تدخل الرئيس الأعلى أو بغياب مجال واضح المعالم للصلاحية، ومرتبط بمركز يختفي التمييز ما بين النشاط السياسي والنشاط الخاص الملكية الخاصة يشتمل بصورة عامة على سلطة معينة على الأشخاص.
وخارج المجالات التي تنظمها القواعد السائدة تبقى مجالات أخرى يتحرك من خلالها الحكام بحرية، بل ويتمتعون بامتيازات شخصية، وعلى الأخص في المجال الاقتصادي، ويرى ماكس أن التأثير المباشر للسلطان التقليدي على المجتمع هو إضعاف المواقف والنشاطات الاقتصادية الواعية أو العقلانية، لأنه بحكم الامتيازات التي يتصرف بها الحكام كيفما يشاؤون، يخشى الأفراد القيام بمبادرات اقتصادية. ومن ناحية أخرى قد يترجم هؤلاء الحكام مشيئتهم بفرض الضرائب فيؤول الأمر إلى إعاقة تطور اقتصادي نشيط وفعال، ولا يوجد في هذه النظم تمييز واضح بين السلطان السياسي والسلطان الأخلاقي.
ويرى ماكس فيبر أن التطور الطبيعي في حركة المجتمع هو الانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع العقلاني- القانوني بصورة تدريجية.
2ـ السلطة الملهمة: عندما تمر أزمات عنيفة تنهار فيها القيم والقواعد السائدة في المجتمع التقليدي تظهر زعامات من نوع جديد تقود حركة التطور إلى الأمام، هذه الزعامات تعتبر ملهمة لأنها لا تتقيد بالوضع القائم وإنما تستوحي مسيرة التأريخ بوعي مكثف وإرادة قوية، وبالمقابل عندما تمر المجتمعات العقلانية – القانونية (الحديثة) بأزمات حادة لا يعود بوسع مؤسساتها السياسية القيام بوظائفها كما يجب.
تظهر أيضاً زعامات جديدة تستوحي التغيير وإعادة تطوير النظام القائم أو بنائه من جديد، ولكن ما هو الأساس الذي تقوم عليه السلطة الملهمة…..؟ في الواقع أن المفهوم الحديث للإلهام Charisma يقوم قبل كل شىء على مزايا تفوق شخصية لدى الزعيم، أو على الأقل هكذا ينظر إليه من يلتف حوله من الأتباع أو المؤازرين، فالزعيم الملهم يستقطب حوله إخلاص مؤيديه له، وثقتهم بشخصه، لهيبته او بطولته او صفاته النادرة، وغير ذلك.
ومن ثم فإنه عندما يمارس السلطة، لن يتقيد بالمؤسسات القائمة، ولا بالسوابق في الحكم وفي بعض الأحيان تكاد تكون مشيئته الشخصيةة تقف على قدم المساواة مع القواعد القانونية، وطاعة الأفراد له لا تأتي عن عرف أو قانون وإنما عن إيمان به، ومع أن السلطة الملهمة غالباً ما تحدث في أقطار العالم الثالث بسبب الحركات السياسية التي تسعى للخروج بها من المجتمعات التقليدية إلى المجتمعات الحديثة القائمة على استخدام التكنولوجيا والتصنع على الأخص، إلا أنها أيضاً المجتمعات العصرية حتى المصنعة بدرجة عالية عندما تمر بأزمات حادة، كما هو الحال مع إيطاليا مع موسوليـني وألمانيا مع هتلر، وعلى نحو أقل من ذلك إسبانيا الفرنكوية والبرتغال قبل تكوينها بالنظام الديكتاتوري.
وعلى أي حال من الأحوال إن السلطة الملهمة غير مستقرة بسبب بعدها عن العمل داخل المؤسسات، لأن سلطان النظام السياسي وشرعيته مرتبطان بشخص واحد وهو الزعيم الملهم، وعلى صعيد آخر إن الزعيم الملهم يستطيع أن يحافظ على تأثيره في الجماهير مادام يقوم بإنجازات كبرى، ورؤية الجماهير له فرد ذي مواهب خارقة للإنسانية مرتبطة بمواصلة قيامه بالأعمال الباهرة.
فالزعيم الملهم هو فقط بالنسبة للأفراد الذين يتأثرون به ويسيرون على خطاه وفضلاً عن ذلك تطرح مشكلة أخرى على صعيد النظام السياسي الذي يشيده، فإن اختفاء الزعيم الملهم، لسبب أو آخر، يخلق مشكلة من يجب أن يخلفه في الحكم بسبب ضعف المؤسسات فإن الصراع على السلطة قد يخلق تراكماً جديداً لحالة عدم الاستقرار والواقع أن السلطة الملهمة بحكم طبيعتها الشخصية، لا تسعى إلى بناء المؤسسات وإنما إلى الحركة المتواصلة، وتوقف أو تلكؤ هذه الأخيرة يؤدي إلى انهيار النظام السياسي بكليته وعندئذٍ إما أن تعود السطة القهرية إلى المجتمع التقليدي، كما هو الحال في بلدان العالم الثالث، أو أن تأخذ بإقرار المجتمع القائم على أسس عقلانية وقانونية([10]).
3ـ السلطة العقلانية – القانونية: وهي التي توجد في المجتمعات الحديثة. وتقوم على مجموعة من القواعد والقوانين المبنية على أساس المنطق، وكل من له سلطان يستمد صلاحيته من القواعد الدستورية والقانونية، ومصدر السلطان أساساً في طبيعة النظام الشرعي ذاته. فهناك تمييز ما بين الوظائف وبين الأشخاص الذين يشغلونها، ولذلك فإن سلطة الأفراد متأتية عن الوظيفة التي يشغلونها، أما خارج نطاق ذلك فإنهم ليسوا سوى أشخاصاً اعتياديين، وتجسد البيروقراطية هي التدريجية التي تحل مكان السلطان الملهم أو السلطان التقليدي، وذلك عندما يصبح الاقتصاد أو الحكومة أو التربية والتعليم أو المؤسسة الإدارية المحددة رسمياً وتحكم بموجب قواعد، أي قوانين ونظم إدارية، وتصبح النشاطات العادية موزعة باعتبارها واجبات رسمية، كما يوزع السلطان إصدار الأوامر بطريقة ثابتة وواضحة يشغل وظيفة تتمايز بمكانها في التدريجية الإدارية، كما تتميز أيضاً بالتحديد الدقيق بصلاحياتها، ويعين الموظف بناءً على مؤهلاته التي يكشف عنها من خلال إجراء امتحان أو تدريب له ويكافأ براتب ثابت ومنظم، ثم يخضع نشاطه إلى رقابة رئيسه الأعلى الذي يتمتع بصلاحيات التعيين والترقية وإيقاع العقوبات([11]).
ـ مصطلح الكاريزمة – روتينية الكرزمة Charisma, Routinzation of Charisma
تعني كلمة كرزمة في اللغة الإغريقية (الرحمة الإلهية) وأول من استعملها (أرست ترولتش) ثم (ماكس فيبر) الذي كان يعني بها قابلية الشخص على القيادة والإلهام بفضل قوة شخصيته وعبقريته وعقيدته.
عادة لا يعتمد القائد الكاريزماتيكي على جهاز بيروقراطي منظم يساعده في الحكم حيث أن تأثيره وقوته لا تستمد من النظم القانونية والشرعية بقدر ما تستمد من قابليته على كسب وإرضاء الناس والتفافهم حوله وخضوعهم لرسالته، فالزعيم القومي أو السياسي أو الديني أو المذهبي مثلاً هو الشخص الذي تنعكس فيه جميع الصفات الكاريزماتيكية طالما أن مركزه القيادي هذا لا يعتمد على ثروته أو جبروته أو جهازه القانوني والإداري، كما أن هناك عدداً من القادة السياسيين يحملون الصفات كرزماتيكية مثل (غاندي) و (لينين) و(هتلر )و(مصطفى البارزاني) والطاغية يختلف عن القائد الكرزماتيكي اختلافاً كبيراً إذ أن حكمه يعتمد على القوة والخوف الذي يزرعه في نفوس رعاياه الذين يطيعونه خوفاً منه وخوفاً من مركزه وهذا النوع من القادة تتمثل في قيادة دفة الحكم من قبل الدكتاتور صدام حسين، بينما الطاعة التي يقدمها التي يقدمها الأفراد للقائد الكرزماتيكي مصدرها الصفات اللامعة والشخصية الجذابة التي يميز بها([12]). وهذا ما يؤكده عليه هذا البحث حيث يتعرج لشخصية البارزاني.
ـ تعريف الكاريزما :
إن أول من استعمل مصطلح (الزعامة الملهمة) هو (ماكس فيبر) السوسيولوجي الألماني في تصنيفه المعروف لأنواع السلطة، أما أصل كلمة (الإلهام) فيرجع إلى اللغة الإغريقية التي كانت تعني (الموهبة).
ثم صارت مردافة لتعبير (الموهبة السماوية أو الإلهية ). وظل هذا التعبير متداولاً في الأوساط الدينية والمسيحية حتى استعمله (ماكس فيبر) بعد أن جرده من طابعه الديني.
الملاحظ أن الإلهام خضع لعدة تفسيرات هي([13]):
الأول: بعض السوسيولوجيين رأى: أنه اصطلاح ديني قاصر على ذوي الإلهام السماوي ولا ينسحب على الزعماء السياسيين بأي حال من الأحوال فلا يمكن معاملة (مارتن لوثر) كـ(أدولف هيتلر).
الثاني: يؤكد على أن مصدر الزعامة الملهمة هي المزايا الشخصية الخارقة لدى بعض الأفراد المتفوقين الذين يقومون بأعمال عظيمة تقرب بعض الأحيان من مرتبة المعجزات ولذلك فإن الجماهير تخضع لهم وتسير وفقاً لمشيئتهم.
الثالث: الإلهام في الزعامة لا يتعلق بماهية الزعيم ذاته وإنما برؤية الأفراد الذين يخضعون لزعامته، أي أتباعه ومريديه، إن هذا التفسير كان قد وضع الزعامة في إطارها الاجتماعي والسياسي وقد تبناه (ماكس فيبر) فالزعامة الملهمة في نظره لا يمكن فصلها عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع في زمن ومكان معينين([14]). وهذا ما ينطبق على القيادة الملهمة التي تميز بها البارزاني الخالد، حيث كان له هيبة وإلهام في إدارة السياسة في الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
نظرية (ماكس فيبر ) في الكاريزما
يخبرنا ماكس فيبر بأن القيادة الكرزماتيكية تمضي في النجاح إذا كان عدد أتباعها ومؤيديها صغيراً وهذا الأمر يحدث في بداية الحركة الدينية والاصلاحية والثورية التي يتزعمها القائد الكارزماتيكي. وبعد نجاح واستقرار هذه الحركات يزداد عدد مؤيديها وأنصارها فتحتاج إلى أجهزة إدارية وأموال مستمرة وقوة عسكرية تستخدم في دعم قوانينها وإجراءاتها، وفي هذه القيادة الكرزماتيكية إلى قيادة دستورية تسمى بروتينية الكرزمة التي غالباً ما تعتمد على الدبلوماسية ولهذا تكون بعيدة عن الصفات والظروف الأساسية التي ساعدتها على استلام مركز القيادة([15]). يمكن ان يتمثل ذلك في ما هو عليه الآن قيادة نجل البارزاني الخالد – الرئيس مسعود بارزاني-
إن هناك بعض القادة يتمتعون ببعض الصفات الكرزماتيكية بالرغم من عدم تواجد الظروف والأحوال التي تمكننا من تسميتهم بالقادة الكارزماتيكيين، فمثلاً كان يتمتع الجنرال ديغول ببعض الصفات الكرزكاتيكية للأشخاص المعجبين به بالرغم من اعتماده على قوة الشرطة وعلى الجهاز الإداري البيروقراطي الذي يدعم حكمه، وهتلر هو قائد كرزماتيكي بالنسبة للشعب الألماني ولكنه لا يمكن اعتباره كرزماتيكياً بالنسبة للشعوب التي انتصر عليها أو بالنسبة لمنافسيه السياسيين([16]). والسلطةالكرزماتيكية تتجسد في شخصية الفرد الذي يشغلها هذه الشخصية والتي تتميز ببعض الصفات والمزايا المقدسة التي تدل على قابليته الفذة وسحر شخصيته وصلاحيته للدور الذي يحتله وفي جميع حالات السلطات الثلاثة نشاهد بأن أحكام السلطة وقوانينها والطريقة التي يحتل بها الرئيس مركز قيادته وجوهر الحكام ومصدر إصدار الأوامر واعتماده على الاعتقاد بأن السلطة متصلة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بقوة شرعية ونهائية مطلقة، وهذه قد تكون إرادة الله أو إرادة مؤسسي الخلافة أو المجتمع أو القانون الطبيعي أو إرداة الشعب، وهذا يعني بأن شرعية السلطان التقليدية والشرعية- العقلية حسب اعتقاد فيبر تعتمد على اعتقادها واتصالها بمصدر مقدس أي مصدر كرزماتيكي. إلا أن السلطتين الأوليتين تختلفان عن السلطة الكرزماتيكية من حيث كون اتصالها بالمصدر المقدس غير مباشر في حين تكون علاقة السلطة الكرزماتيكية بالمصدر المقدس علاقة مباشرة وعميقة.([17])
من هو القائد الكريزماتيكي؟
وقد لا يدعي القائد الكرزماتيكي بأنه يتمتع بصفات نادرة وتجعله مختلفاً عن بقية الأشخاص ومتميزاً عليهم ومثل هذه الصفات عنده و تجعله مختلفاً عن بقية الأشخاص ومتميزاً عليهم ومثل هذه الصفات النادرة والمتميزة التي يحملها القائد هي التي تدفع أتباعه وأبناء مجتمعه على احترامه وتقديره والالتفاف حوله وتمكنه من قيادة المجتمع وحكمهم، وغالباً من يكون القائد الكرزماتيكي ثورياً وأساليبه الاجتماعية والسياسية ولكن يجب أن نوضح هنا بأن العناصر الكريزماتيكية للسلطة … بيده المجتمع. أو بمعنىً آخر أنه يعلو على القوانين والتقاليد نظراً لاعتقاده الجازم بحتمية تنفيذ الرسالة التأريخية التي تساعد المجتمع على بلوغ أهداف وطموحاته المنشودة، وبسبب الصفات اللامعة التي يتمتع بها القائد الكرزماتيكي يحترم هذا القائد ويقدر تقديراً فائقاً من قبل أبناء مجتمعه إلى درجة أن اتباعه يعبرون عن استعدادهم في التضحية القائد الكرزماتيكي عالماً متضلعاً في عدة مهارات وحقول علمية وأنه قادر على إنقاذ المجتمع من المشكلة أو الفاجعة التي ألمت به وقيادته من الفشل إلى النصر المحقق.([18])
تستند السلطة على المبررات الكاريزمية عندما يتمتع قائدها بصفات متميزة وفريدة من نوعها كصفة الذكاء الخارق والنبوغ، القدرة على حل حقول العلم والمعرفة، اللباقة في الكلام والقابلية في إقناع الغير بالأفكار والمواقف التي يحملها وهكذا. وهذه الصفات لا يتمتع بها أي شخص في المجتمع ما عدا القائد الكاريزماتيكي (Charismatic Leader ) الذي بفضل صفاته الجذابة وشخصيته اللامعة وقدراته غير المحدودة في مجابهة المحن والشدائد والتحديات يستطيع كسب وتأييد الجماهير له والالتفاف حوله، وهذا في الواقع قد تجسد في شخصية الراحل مصطفى البارزاني، وغالباً ما يدعي القائد الكارزوماتيكي بأن له رسالة مقدسة يجب العمل من أجل تحقيقها ووضعها موضع التنفيذ وأن له رؤيا ثاقبة وتصور شامل للأمور والمشاكل والأحداث الحاضرة ويستطيع تنبؤ مستقبل المجتمع ومصيره، والقائد الكارزماتيكي لا يتصرف بموجب القانون والأحكام والقوانين بل يتصرف بموجب أهوائه ودوافعه ورغباته، ويبرر تصرفه هذا بقدرته على معرفة وتحليل الأمور ومواجهتها مواجهة حقيقية وحاسمة وإخلاصه للمجتمع وتفانية في الخدمة والتضحية من أجله، والتصرف الفردي الذي ينتجه القائد والذي لا يخضع لحكم القانون يجعله مقدساً لا تحد سلطته الواسعة أية حدود أو ضوابط.([19])
ومن الجدير بالإشارة أن القائد الكرزماتيكي يظهر وقت الأزمات والشدائد والنكبات التي تلم بالمجتمع وبعد ظهوره يفصح للشعب بأنه قادر على إنقاذه من الأزمات والشدائد، وبفضل صفاته القيادية الجذابة ووعوده المغرية يثق به المجتمع ويمنحه السلطة المطلقة للتصرف بشؤونه ومصيره كما يشاء، ولكن المجتمع ينتظر الانتصارات والمنجزات من القائد الكاريزماتيكي، فإذا نجح في تحقيق الوعود التي قطعها على نفسه لأفراد مجتمعه فإن كروزماتيكيته ستقوى وتتعمق وتستمر بحكم المجتمع ويحصل المزيد من الدعم والتأييد، أما إذا فشل في تحقيق الوعود والأهداف فإن صفة الكرزمة ستضعف عنده أو تتلاشى وهنا يتحول القائد إلى شخص إعتيادي لا يستطيع حكم المجتمع بمفرده مدة أطول بسبب سحب الشعب الثقة منه، وأموراً كهذه ستدفع القائد على التعرض لأزمات نفسية واجتماعية حادة قد تسبب انتحاره أو وفاته بصورة غير متوقعة ومن أمثلة القادة الكاريزماتيكين الذين شهدهم التأريخ نابليون وهتلر وموسولوني وستالين.([20])
نظرية الهيمنة الكارزمية:
يمكن تلخيص نظرية الهيمنة الكاريزمية في ستة نقاط رئيسية كالتالي:
1ـ فسحت نظرية الهيمنة الكاريزمية المجال أمام بعض الالتباسات، لأن ثمة من أراد أن يرى فيها بعد فوات الأوان تجسيداً مسبقاً للنظام النازي. حتى أن البعض حاول أن يجعل من فيبر نذيراً لهتلر، في حين أنه انصرف حصراً إلى التحميل السوسيولوجي والنموذجي المثالي (Ideal Type) لأحد أشكال الهيمنة الذي كان موجوداً في كل العصور. ولقد كانت هناك أنظمة كاريزيمية قبل هتلر وبعده، مثل نظام فيدل كاسترو، وإذا افترضنا أن التحليل الفيبري ساعد النازيين على إدراك وضعهم بشكل أوضح، فهذا لا يلغي تفاهة المأخذ الآنف الذكر، بما أنه يعني تحميل المريض الذي يقوم بتشخيصه على هذا، لا بد وأن تتحول السوسيولوجيا السياسية إلى مسألة مشاعر طيبة وأن تتخلى عن تفحص بعض الظاهرات بصورة موضوعية وأخيراً إن تنكر ذاتها كعلم لكي تصدر أحكاماً مرضية لجميع الذين يحولون الفكر إلى مجرد تقديرات آيديولوجية. إن مثل هذا الموقف مخالف بان معاً للتمييز الذي أجراه فيبر دونما بين الإثبات التجريبي والحكم التقويمي، ولمبدأ القائل بالحياد القيمي في السوسيولوجيا. وللواجب الذي يفرضه على العالم لجهة عدم التهرب من دراسة الوقائع التي تبدو له مزعجة شخصياً يضاف إلى هذا أن ناقدي فيبر أهملوا أساس مفهومه للنموذج الكاريزيمي، كان الأجدر بهم أن يقرأوا الصفات المخصصة لهذا النوع من الهيمنة. بدلاً من أن يفتشوا عن هذا المفهوم عن نظرية لحركة تأريخية خاصة لم يعرفها فيبر، فتلك الصفحات تحتوي بوضوح على فكرة المتعلق بالظاهرة الثورية، لأنه كان يفكر عند كتابتها بلينين أو بكورت أيزنر بوجه خاص (بما أن هذا الأخير ذكر بالاسم).([21])
2ـ بالتأكيد ليست جميع الثورات كاريزمية، وليست جميع الهيمنات الكاريزمية ثورية، (مثلها تدل على ذلك بعض الأمثلة التأريخية: ليون في أثينا)، وغير أن معظم الثورات الحديثة، بدءاً بثورة (كرومويل)، اتسمت عموماً بهذه الصفة. ومن المؤكد أن ما يسمى اليوم (عبادة الشخصية) تدخل بلا شك في فئة الظاهرات الكاريزمية، ويشير فيبر أيضاً إلى ميل الأحزاب السياسية الحالية إلى اتباع الطريق ذاته فيما يخص بنيتها الداخلية، باستثناء تشكيلات الوجهاء التي تستهويها المصلحة الاتنخابية أو النفعية الصرف، في هذه الحالة، يسهل علينا أن نفهم أهمية مبدأ الاستفتاء العام المتزايدة في المجتمعات المعاصرة.
3ـ إن الهيمنة الكاريزمية هي بخاصة الوسيلة الأكثر شيوعاً أو إزالة نظام تقليدي وقانوني، مما يعني أنها قوة ثورية كاذبة أو قوة متمردة وحسب، قد يكون التوق إلى التغيير الذي يحركها مرتبطاً بالوضع الخارجي (السياسي أو الاقتصادي) أو بتحول في العقول (داخل الفئة الدينية أو الفكرية) وهكذا كان العقل قوة ثورية ولّدت أنظمة كاريزمية في الوقت الذي جرى الانتقال في بلدان عدة من الهيمنة الإرثية إلى الهيمنة القانونية، لكن بما أن الكاريزما تخلق وضعاً استثنائياً، فإن مبادىء هيمنتها تصبح هي نفسها مصدر صعوبات، بقدر ما يكون المقصود شيئاً آخر غير تمرد عابر. في الواقع كيف يمكن تأمين بقاء سلطة كهذه عندما يزول (القائد الكاريزمي)؟ كيف السبيل إلى العودة إلى الحياة اليومية وإلى وضع طبيعي ومستقر؟ والحال أن هذا هو مصير كل هيمنة من هذا النوع: فهي تعود عاجلاً أم آجلاً إلى نظام تقليدي أو قانوني. إن هذه الأسئلة هي في صلب تفكير فيبر أكثر من التحليل التصوري لمفهوم الكاريزما.([22])
4ـ إذاً المسألة الكبرى للهيمنة الكاريزمية هي مسألة (الخلافة) بالفعل، كيف يمكن إدامة النظام بعد موت القائد؟ بما أن الكاريزما لاتعلم ولا ترسخ في الذهن، بل تستيقظ في النفس ويحس بها، وبما أن لأتباع القائد كما لهيئة أركانه مصلحة مادية وفكرية في إدامة هذه الهيمنة تكمن الصعوبة في كون طاعة الأنصار إخلاصاً محضاً لشخص القائد وفي كونها تفتقر إلى الاستمرارية التي تصنع القوة التقليدية والقانونية، يتفحص فيبر بإسهاب مختلف الحلول الممكنة فإنما تجري محاولة لاكتشاف صاحب كاريزما آخر، متمتع بمزايا القائد الراحل، ونتيجة هذا الإجراء هي إنشاء تقليد معين. وإما أن يعتمد على الرؤيا والوحي والقدر وحكم الله وعلى غير ذلك من المعايير اللاعقلانية، في هذه الحالة نسير في أجل طويل تقريباً نحو شرعية قانونية النزعة، وإما أن يعين القائد الحاكم بنفسه خليفته، بموافقة أتباعه أو بدونها، وإما ان يتم التعيين أيضاً من قبل هيئة الأركان الكاريزمية، إن هذا الإجراء يستبعد الانتخاب القائم على مبدأ الأكثرية، لأن المشكلة هي إيجاد الرجل المناسب، إذا كانت الغاية هي الاستمرار في الوفاء للصيغة الكاريزمية. أخيراً يمكن أن تصير الكاريزما وراثية، عندما يتم إقرار قانون العصب. يحدث أن ينطوي الاختيار القائم على الكاريزما على اختبارات حيث تحاول لجنة تحكيم أو الشعب نفسه أن يكشف علامات انتخاب هذا المرشح أو ذاك. ولكن الخلافة تفسح المجال عموماً لصراع معلنٍ تقريباً، بحيث يكشف انتصار صفات المنتصر الكاريزيمية، وإذا ما شعر الطامعون بالمنصب بتعادل قوتهم، فليس من النادر أن تتحول الهيمنة الكاريزيمية من تعسفية، مثلما هي في الأصل، إلى بنية غير تعسفية، وأن تتطور نحو نظام عقلاني، يبقى هناك شىءٌ أكيد، هو أن الكاريزما، بخلاف أنواع الهيمنة الأخرى، تتأثر بوجه خاص بالفكر اليوطوبي.([23])
5ـ تشكل الهيمنة الكاريزمية النموذج الاستثنائي للنفوذ السياسي، لا لأنه نادر الوجود إنما لأنه يبدل عادات الحياة السياسية المألوفة، يعرف فيبر الكاريزما (وهي لفظة مقتبسة من رودولف سوهمRodolf Shom ) بأنها الصفة الشاذة لشخص يظهر مقدرة فوق طبيعية، فوق بشرية أو على الأقل غير مألوفة بحيث يبدو وكأنه كائن سماوي، مثالي،أو استثنائي، ولهذا السبب يجمع حوله أتباعاً أو أنصاراً، ليس السلوك الكاريزمي وفقاً على النشاط السياسي، لأننا يمكن أن نلاحظه أيضاً في الميادين الأخرى، كالدين والفن والأخلاق وحتى الاقتصاد، مع أن إحدى سمات الكاريزما، حسب فيبر، هي البقاء عدة: وجه الديماغوجي، والدكتاتور الاجتماعي والبطل الاجتماعي أو الثوري.([24])
6ـ تنطوي كل هيمنة كاريزمية على توكل الناس على شخص القائد الذي يظن نفسه مدعواً لتأدية مهمة، أن أساسها هو ذا عاطفي لا عقلاني، لأن قوة مثل هذا النشاط تتوقف بكاملها على الثقة العمياء، والمتعصبة في أكثر الأحيان، وعلى الإيمان في غياب كل مراقبة وكل نقد في أغلب الأحيان. الكاريزما هي وقف للاستمرارية سواءً كانت قانونية أم تقليدية، أنها تهدم المؤسسات، وتعيد النظر في النظام القانوني والإكراه العادي لكي تدعو إلى منحى جديد في فهم العلاقات بين الناس. إنها هدم وبناء في آن واحد ، الحدود والضوابط هي تلك التي يحددها القائد بلا رجوع إلى غيره، تبعاً لمقتضيات ما يعتقد أنها دعوته.
وعليه، فهو يستمد شرعيته من صميم ذاته، بمعزل عن كل معيار خارجي، مع احتمال أن ينبذ أو يزيل الأنصار الذين يرفضون أن يتبعونه في الطريق التي يحدد هو وحده وجهتها. إن تأثير القائد الكاريزمي كبير إلى حد أنه يضع نفسه خارج التجمع السياسي ويحتقر السلطة القائمة وينتزع الناس من النمطية (الروتين) ومن سأم الحياة اليومية بتمجيد مظاهر الحياة اللاعقلانية، كل سياسة كاريزمية هي إذاً مغامرة، ليس لأنها تجازف بالفشل إنما لأنها مجبرة باستمرار على استعادة حمية جديدة، وتقديم حوافز أخرى لتأكيد قوتها، وهكذا نفهم بسهولة أن مثل هذه السلطة تتعارض كلياً مع الهيمنة القانونية كما مع الهيمنة التقليدية اللتين تشتملان كلتاهما على تقييد ما، بالنظر إلى ضرورة احترام القانون أو العرف، أو إلى وجوب مراعاة أجهزة الرقابة القائمة أو امتيازات المراتب ومختلف الطبقات الاجتماعية. مبدئياً، لا يعرف القائد الكاريزمي حدوداً له، أقله مادام الأنصار له وما دام عددهم مستمراً في الازدياد، لأنه يسقط حالما يغزو الشك نفوس الذين يتبعونه.([25])
المبحث الثاني
((فرضية البحث والمنهج التأريخي))
في هذا الفصل نحاول تطبيق ما ورد ذكره في المبحث الأول من هذا البحث حول تطبيقات نظرية (ماكس فيبر ) المذكورة بالتفصيل حول موضوع، الزعامة أو القائد أو الشخصية الكاريزمية على صفات وملامح وخصال ومميزات البارزاني الخالد من خلال حياته السياسية بدءاً بثورات بارزان الأولى والثانية بالتحديد ثورة (1943) ومروراً بـ(المسيرة التأريخية) وتجربة جمهورية ( كوردستان في مهاباد ) وثورة أيلول 1961 ومتوجاً انتصارات هذه الثورة في التوقيع على اتفاقية آذار (1970) ولغاية وفاة الشخصية الكاريزمية (الملهمة) وتحت زعامته وقيادته بتأريخ 1/3/1979 زهاء نصف قرن من الكفاح المسلح والنضال الدؤوب الملىء بالإرادة الصلبة، والمقاومة البطولية، والتفاني والتضحية من اجل استقلال كوردستان.
(( فرضية البحث))
إن سمات وملامح شخصية القائد الكاريزمي تنطبق إلى حد بعيد على سمات وملامح شخصية قائد الحركة الديمقراطية التحررية الكوردستانية مصطفى البارزاني.
(( طوبوغرافية منطقة بارزان ))
منذ القدم كان يسكن قرية بارزان كل من اليهود والمسلمين والمسيحين معاً، وكان لكل أتباع هذه الأديان الثلاثة أماكن عبادتهم الخاصة يمارسون فيها شعائرهم الدينية في جو من التسامح المتبادل. ويذكر المعمرون من أهل القرية أن اليهود فيها كانوا أكثر عدداً من المسيحين والمسلمين مجتمعاً، وتدل أسماء البساتين التي تجاوز المائتين على ذلك فهي تحمل أسماء مالكيها الأوائل. مثلاً بستان (اليوك) بستان (بولس) بستان(القس) بستان (الدير) بستان (موشى) …..الخ، ويدل استغلال هذه البساتين المسيحية من قبل الأديان الثلاثة وعدم نشوب أي منازعة حول تنظيم أوقات الأرواء على حسن التفاهم وروح التسامح المتناقضة تماماً مع التعصب الذي يسود المجتمعات البدائية عادة ورغم تقلص عدد المسيحين في المنطقة فقد ظلت قرية (بيدبال) مسيحية خالصة وكذلك (أرديل). إلا أننا لن نجد قرية خالصة لليهود، وفي الواقع لا تنفرد (بارزان) بهذه الظاهرة فمعظم قرية (بةرؤذ) كانت مشاركة بين هذه الديانات ، إلا أن (بارزان) تمتاز عن سائر القرى المجاورة بكونها أكبر وأكثر احتشاداً بالسكان ولهذا كانت مثلاً تزود القرى المحيطة بالطواحين المائية وتتركز فيها بعض الصناعات اليدوية التي كانت تحتاجها تلك القرى.([26])
((إن كلمة بارزان نسبة إلى عشيرة (به رازى). أو انها اسم جدهم الأعلى ومعناه (حامل الحق ) أو (عارف الحق) أو هي مقلوبة من (بارسان) أي الدراويش أو (برازان) أي (إخوان الصفا) وهو على كل حال اسم لعشيرة كبيرة في كوردستان العراق. بالأصل من عشائر (هيكارى) الخالدة الأصل والنبل. سكنت الجبال بعيدة عن غوائل العشائر وهجمات المغول، وهم ينقسمون إلى أسر وافخاذ وشعب أهمها (شيرواني، ومزوري، وهركي)….((…والشيوخ الحاليون هم من أحفاد الشيخ تاج الدين النقشبندي الخالدي) الذي اشتهرت أسرته في الزيبار والبهدينان )).([27])
ومما يجدر ذكره في هذه الصدد أن مصطلح (عشيرة بارزان) لم يكن شائعاً خلال القرن التاسع عشر. فهذه التسمية حديثة جداً شاعت بعد أن انقسمت العشيرة الزيبارية أثر صراع كان فيه الأغوات طرفاً والشيوخ طرفاً معارضاً، فبعد أن احتدم النزاع وانقلب إلى صراع دموي انشعب الزيباريون إلى قسمين قسم بقي خاضعاً للأغوات موالياً لهم وقسم انتصر للشيخ المستقر في قرية (بارزان) وعندها عرف هذا الشيخ بـ(البارزاني) ولقب أتباعه بـ(البارزانيين) نسبة إلى القرية.([28]) ويؤكد الدكتور شاكر خصباك على أن لقب عشيرة بارزان يرجع إلى الأرض والقرية أكثر مما هي رابطة دم كالعشائر العربية وهذا ما يؤكد ولع وتمسك الإنسان الكوردي بأرضه ووطنه.
مقاطعة (بهرۆژ) – بارزان
لفظة (بهرۆژ) الاكدية تعني (بمواجهة الشمس). وهي تطلق على سفوح الجبال التي تواجه أشعة الشمس. وعكسها لفظة (نزار) التي تطلق على السفوح لا يصيبها إلا القليل من الأشعة، وهما على التوالي تقابلان لفظتي (Sunny ) الإنكليزية تقريباً.
وليلاحظ القارئ أن لا علاقة بين اسم المنطقة هذه وبين كلمة (به رۆژى ) الكوردية أي الصائم . فمصطلح (بهرۆژ) هو محض وصف لظاهرة طبيعية بارزة في سفح جبل (شيرين) الذي تسقط عليه أشعة الشمس ولا تنحسر عنه من الشروق حتى لحظات الغروب الأخيرة، وكان (العنف) رفض الخضوع للقانون الطابع الظاهر في سكان منطقة(بهرۆژ) وعندما فتح هؤلاء القبليون العتاة صدورهم لتعاليم الصوفية ومن مقتضاها التمسك بشعائر الدين مارسوا تلك الشعائر بإخلاص. وبالتدريج حل الفكر الديني وانعكس هذا في أعمال الناس وتصرفاتهم اليومية. ومن المفيد أن نعرف بهوية أولئك الذين سكنوا (بارزان) فمن أقدم الأفخاذ التي سكنتها (دياديني) و(آل الملا) وهو بيت الشيخو (دلاني) هو أعرق الأفخاذ كما أن (آل محمد) ترأسوا الزيبار وبالأخص (بهرۆژ) وحكموها قبل اشتداد شوكة الأقطاعيين غرب الزاب وظهور( شيخ بارزان) في نفس القرية، على أية حال فإن المسيحين واليهود هم سكنة القرية الأوائل، أما الفخذ المعروف بـ(دلاني) نسبة إلى قريتهم قرب ساحل الزاب فما نقله إلينا العارفون يشير إلى كونهم قد عاشوا تحت وطأة اضطهاد المتنفذين في الزيبار قبل استظهار شوكة (بارزان) إذ أنهم اقتبلوا تعاليمه وعلى الأخص في عهد ( الشيخ محمد ) وانتقلوا من (دلان) إلى بارزان. إن أسرة الشيوخ في بارزان من (الأسر العريقة) في الزيبار ومازنجان وبيروه وسمحة والبلاد البرائية، وهي مقام طائفة منهم، أي من الكورد يقال لهم المازنجانية لا تزيد على خمسمئة، وهم طائفة ينتسبون إلى المحمدية، والمازنجانية هم طائفة المبارز كاك – أي كاك زبير الموجود اسمه ورسم المكاتبة إليه في دساتير المكتبات القديمة، وقد أضيفت إليهم الحميدية – يقصد الكورد الحميدية في عقرة وقلاعها زبر وهم طائفة من الكورد لا ينقص عددهم عن ألف مقاتل ….) بخصوص بلاد الدينار (إنها بلاد زيباري الحالية) لأن كلمة ( الدينار )، محورة أو محرفة عن الزيبار أصل العبارة بهذا الخصوص فقال: (وفي المسالك: ويلي الجولمركية، عقر شوشو وبلاد العمارة وبلاد الزيبار وبلاد الهكار، الزيبارية….).([29])
أما كلمة (سحمة) الواردة في النص الخامس بالمازنجانية فهي (بخمة) كما في دائرة المعارف الإسلامية، وقال محمد علي عوني: (وفي المسالك: ثم يلي هؤلاء من أربل المازنجانية وهم طائفة ينتسبون إلى الحميدية، الخصوصون من دون الكورد بالفروسية، مساكنهم مازنجان وبيروه ونجمة بلاد السهرانية) فعلى هذا يكون لفظاً (سحم والبلاد البرانية) محرفين أهم قبائل العمادية، مزوري وزيباري، إن لفظ زيباري متكون من (زي) اسم النهر المجنون و (بار) بمعنى الضفة، وسموا بذلك لأنهم على ضفة هذا النهر، أو صار يطلق على من حل هناك بهذا الاسم قبائل بارزان من قبائل الزيبار و أصلها أي ب(ارزان): أنها تسكن في شمال الزاب الأعلى….ومن قبائل الزيبار: (زيبارى.. بهروژ… مزوري، شيروان، برادوست، گهردی، هه ركى).
وتبين ان لفظة (بازيران) أو (باريزان) هي أصل لفظة (بارزان) الحالية، إن لفظ (بازيران) هو (بارزان) وقد حرف أثناء الكتابة. ولم نقف بعد على معنى لفظة (بازيران )أو (باريزان) التي قلنا أنها الأصل في لفظة بارزان الحالية ويبدو أن قرية (بارزان) قديمة وإن اسمها محرف من اللفظة القديمة المذكورة على الأرجح، وكانت القرية المعروفة في أواخر القرن السادس عشر الميلادي.([30])
المبحث الثالث
(( الزعامة الكاريزمية للبارزاني الخالد في ضوء خصاله ومواقفه الثورية كرمز للحركة الوطنية التحررية الديمقراطية))
ينتمي الملا مصطفى البارزاني إلى فئة الزعماء الكاريزميين الذين تصدوا للدفاع عن قضايا شعوبهم ضد العدوان الأجنبي، وهو يجمع بين صفتي (الزعيم الديني) و (الزعيم القبلي) إلا أن رسالته الدفاعية خارج الاعتبارات المحدودة للإنتماء الديني والقبلي، ولذلك لا يمكن اعتباره معبراً عن أهداف عشيرة البارزان، ولا مصالح الطريقة (النقشبندية) التي ينتمي إليها والذي استحق بحكم مركزه المتميز فيها لقب (الملا) وهذا اللقب محور عن (المولى) الذي يخاطب به أقطاب (الصوفية) في الغالب. وقد استوعب البارزاني قضايا التحرر القومي التي انطرحت في الفكر السياسي الحديث ولكن دون أن يتبنى أيدولوجيا قومية يمكن أن تصنفه ضمن القوميين، الذي يصدق عليهم حكم المفكر الكبير (مهدي عامل) كمعبرين عن سياسات البورجوازية الكولونيالية، يمكن في الحقيقة التماس أمثال هؤلاء في التشكيلات الحزبية اللاحقة لثورة 1945 لكن زعامة البارزاني تظل في منأى عن هذا التوصيف بالنظر إلى خصائصها التقليدية التي تضع هذا الزعيم القومي الكبير للشعب الكوردي في مصاف الزعماء الوطنيين الذين قاوموا العدوان الاستعماري في عموم الشرق وحملوا أهداف شعوبهم في التحرر القومي كالأمير (عبدالقادر الجزائري) و (عبدالكريم الخطابي) و(مهدي الخالصي) و (غاندي) و(صون يات صون) ومن هنا فالبارزاني هو زعيم قومي للشعب الكوردي وليس لطائفة منه أو حركة أو حزب وهو رمز وطني مشترك لا يقل شأناً عن أي واحد من هؤلاء القادة الذين خلدتهم شعوبهم في ذاكرتها الحية وصاروا لها قدوة في مجرى كفاحها اللاحق من أجل حقوقها القومية أو تحررها الاجتماعي.([31])
1ـ في ضوء جدلية وحدة الأضداد في نسيجها العام المتآلف لا في عملية النفي النفي ليست مسألة سهلة، لأنها شخصية حقيقية أو أسطورية تحمل اكثر من متناقضات وفقاً للرؤية القديمة، بحيث من الصعب الجمع بينها وخلق صنيعة التوازن الدقيق بين مكوناتها ومسار توجهاتها. فالمعادلة السابقة التي كانت تنظر إلى مثل هذه القضايا المعقدة بمعيار كن او لا تكن تقف في خط مضاد للتطور الذي نطرحه.([32])
2ـ لقد ولد البارزاني وسط الصعاب وسمع بالبطش وبالسجن وعاشهما وهو لا يزال طفلاً وذلك حينما عايش أخاه الأكبر الشيخ عبدالسلام البارزاني في سجن الموصل، أي انه يمكن القول أن (تعميده الثوري) قد سبق وعيه السياسي والقومي، لقد ولد في حدود القرنين ووسط الظلم المركب الذي كان يحيق بأهله وشعبه، حتى وكأنه ولِد ليكون ضد هذا الظلم ومن ثم ثائراً عليه، ، وترعرع في أجواء الرفض للواقع ورافضاً له حتى آخر أيام وفاته.
لم يبدأ من الصفر، بل تسلم راية النضال من الذين سبقوه من أهله وإخوته ومن ثوار شعبه، لكنه لون الراية بألوانها الحقيقة، وأعطاها بعدها وملامحها ورفعها أعلى فأعلى، هذا بالرغم من أن الطريق لم يكن سهلاً أو معبداً، بل كان وعراً وشائكاً كدروب كوردستان وصعوبة صعود جبالها، ثم لم يستطع هو أن يستفيد من طاقة الشعب الكوردي وقدراته، فالشعب مقسم: كما لم يستطع أن يستفيد من العمق الجغرافي لكوردستان فهي مجزأة، بل أنه عانى،كما عانت حركة شعبنا التحررية ككل من ثقل ووطأة (الجغرافيا السياسية)، إن واقع كوردستان موزعة على عدد من الدول، والحالة هذه ليس من المتعذر فقط الاستفادة من طاقة الشعب الكوردي كلها، ولا من العمق الجغرافي لكوردستان كله، بل الأمَر أنه ما أن تبدأ الحركة في أي جزء من أجزاء كوردستان حتى تتسارع الدول التي تستحوذ على الأجزاء الأخرى إلى الحركات والمناورات والإجراءات العدوانية مخافة انتقال اللهيب، ولسد الطريق أمام انتقال عدوى النهوض الثوري إلى تلك الأجزاء، أي أن الدول التي تحادد كوردستان كانت ولا زالت معنية كلها، بشكل أو بآخر، بقمع الحركة التحرية للشعب الكوردي، وبالتالي لم يكن في هذه الدول أي ملاذ حقيقي لثائر كوردي.([33])
3ـ يفسر اضطرار البارزاني بعد انهيار (جمهورية مهاباد)، القيام بتلك الحركة المتعرجة البارعة والاسطورية قتالاً ومناورة أمام جيوش محترفة وانسحابه إلى نهر (آراس) مع مئات من مقاتليه، ومن ثم عبوره إلى (الاتحاد السوفيتي)، السابق لربما اختلف الأمر كثيراً لو أن الشعب الكوردي كان ملحقاً كله بواحدة من هذه الدول، أو لو تمتع بكيانه المستقل في جزء من هذه الأجزاء، أو على الأقل لو كانت هناك على حدود كوردستان دولة لا تعاني من المشكلة الكوردية وعقدتها، في ظل هذه الأوضاع كان نشاط البارزاني وصراعه مع الأنظمة العراقية من أجل فتح ثغرة من الحصار الخانق المضروب على الشعب الكوردي. وإيجاد مرتكز وقاعدة انطلاق للمضي لاحقاً نحو بلوغ الهدف الأبعد، في مثل هذا الجو والوضع المعقد صارع البارزاني في الثلاثينيات والأربعينيات أو الستينيات، وهو كان نوعاً من السباحة ضد التيار، الأمر الذي كان يضعه في غالب الأحيان أمام خيارات كانت مرة كلها، وكان عليه أن يختار أخفها وطأة وأقلها مرارة، هذا وإن تظاهرت دولة من الدول المعنية بتأييد القضية الكوردية فهي إنما كانت تحاول أن تلعب في واقع الأمر بورقة القضية الكوردية لمصلحتها ليس إلا، كان البارزاني يتابع تعقيدات القضية وامتدادتها بعيداً خارج الدائرة الضيقة المباشرة، فالدول التي تحاصر القضية الكوردية وتطوق كوردستان تربط معظمها إن لم نقل كلها بالدول الغربية، وهذه الأخيرة لم تكن مستعدة أن تضحي بمصالحها ومصالح أصدقائها لصالح قضية شعب ساهمت هي نفسها في تجزأته وغمط حقوقه والحيلولة دون إقامة كيانه المستقل، ومع ذلك لم يكن أمام البارزاني إلا التعامل مع هذا الواقع وأخذه بالحسبان الجدي.
لقد أدت حسابات المفاضلة إلى الوقوف أمام الطرف الأخير الأمر الذي وضع النهاية لسياسة (الموازنة) التي أتبعها قيادة البارزاني لفترة طويلة ووضع الثورة بالتالي في الزاوية ومن ثم ادى إلى انتكاستها بعد اتفاقية الجزائر المشؤومة والمشينة، نعم إن تعقيدات الوضع الدولي وحدة تصادم المصالح وقيود الجغرافيا السياسية، وأحكامها آنئذٍ كان أثقل وأعقد من أن تتحملها طاقة الثورة وحساباتها، لقد قال البارزاني هذا وهو على فراش المرض وفي أمريكا بالذات.
4ـ بما أن المسيرة النضالية للبارزاني قد استغرقت عشرات السنين مرت بالكثير من المنعطفات والمحطات التي كانت تحمل معها سمات وملامح تطور الحركة ففي البدايات من غير الممكن ولا المنصف تجاوز واقع أنها بدأت المسيرة محلية وموضعية في الشكل والظاهر ولكنها كوردستانية المضمون في الواقع، نعني أنها بدأت وسط مجموعة من الرجال الأشداء المتضامنين المشدودين بعضهم إلى بعض، والذين أحاطوا البارزاني إحاطة السوار بالمعصم،كانوا قوته الضاربة وهم البارزانيون، إنها كانت الخطوات الأولى الصعبة على الطريق.
صحيح أن الآخرين ساهموا في هذه البدايات كذلك ولكن لم يكن بالشكل الذي يغير الصورة، نشير إلى هذا لكي نسجل بالتقدير والإكبار هذه البدايات والخطوات الأولى وأولئك الذين ضحوا ووصلوا التضحية وبالشكل لم يسبق له مثيل وحتى الآن من أجل مستقبل كوردستان العزيزة.
5ـ لقد واصل البارزاني الحركة، ولم يركن إلى الهدوء، وكان بإمكانه ذلك، ولكنه استقر على عدم الاستقرار، تبعاً لوضع كوردستان وواصل النضال فيما بعد، واجتاز الحدود الإيرانية هو وقوته وانضم إلى جمهورية مهاباد وأصبح القوة الأساسية المدافعة عنها، وعندما بانت نهاية الجمهورية الفتية للأسباب معروفة، حاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذه وانسحب إلى الاتحاد السوفيتي هدراً مع كل ما عاناه من صعوبات خاصة أيام حكم بافروف، وكانت راحة إجبارية (لمحارب عنيد) وإن كانت طويلة وفترة تأمل ودراسة لما يجب أن يكون حتى عودة أنصاره بعد ثورة تموز الخالدة، كانت تظاهرة عراقية جبارة عربية وكوردية من أجل الديمقراطية وحقوق الشعب الكوردي القومية، لقد ربط الشعب العراقي بغزيرته وتجربته الطويلة والمريرة وبوعيه، والواحدة بالأخرى هذه من تلك وتلك من هذه أنه كان على كل الحق. وحينما رجع إلى العراق عن طريق مصر، استقبله جمال عبدالناصر بحفاوة وبشكل رسمي يليق بكبار القادة السياسيين، أما في العراق فمنذ دخوله البصرة إلى بغداد وخصوصاً في بغداد بدأت الجماهير محتشدة على طرفي شوارع بغداد يهتفون (زعيمنا الثاني مصطفى البارزاني) وهذا ما يدل على حب العراقيين وحتى العرب منهم لهذه الشخصية الكارزمية الفذة.
6ـ لقد برزت جوانب أخرى من خصال البارزاني الرائعة كذلك بعيد انقلاب شباط الأسود وبالضبط عندما كانت النداءات بذبح الشيوعيين وسحقهم تغطي على ما عداها من إعلانات ونداءات الانقلابيين، بالرغم من بعض عبارات الغزل التي مارسها البعض مع الانقلابيين ومع الدخول في المفاوضات فإن البارزاني الخالد قد فتح في تلك الأيام بالنسبة للشيوعيين ذراعيه وأعلن احتضانه لهم وحمايتهم، لم يكن ذلك بدافع إنساني فقط، فمثل هذا الموقف الإنساني يمكن ان يقفه أي شخص شهم وقادر إزاء من يتعرضون إلى ما تعرض له الشيوعيون، ولكن إلى جانب ذلك، وهو هام جداً فقد خاطب البارزاني، بموقفه هذا مستقبل الحركة الديمقراطية في العراق، مستقبل الشيوعين وحزبهم وامتداداتهم في الخارج، بل وحتى خصومهم في الوقت نفسه، قصد إفهامهم وتذكيرهم بأنه هو هناك في الموقع الذي يختاره هو وليس غيره لقد اتخذ عدد من قادة ثورة أيلول مواقف جيدة، وكانوا ضد اضطهاد الشيوعيين ومع تقديم العون لهم، فيما سلك آخرون مع الأسف الشديد سلوكاً شامتاً عدوانياً لا يحسدون عليه.([34])
7ـ لم يكن البارزاني من النوع الذي لا يغير رأيه، أو أنه لم يكن يعير أهمية لرأي الآخرين، صحيح أن ذلك لم يكن سهلاً ولكنه كان ممكناً، إذا قدمت له الحيثيات والمعطيات الدقيق، وإذا صيغ الموضوع المعني بشكل جيد وبعيداً عن الإدعاء والمكابرة، ومن داخل الإطار العام الذي هو فيه وليس خارج أن يطول الفترة الزمنية التي احتل فيها البارزاني مركز (الزعامة والقيادة) في الحركة التحررية للشعب الكوردي والتنوع الشديد الذي رافقها وتخللها، واقتران (الحركة باسمه واسمه بالحركة)، في الداخل والتعريف بها في الخارج وصيرورته رمزا للحركة وقوة ملهمة لها، إن كل هذا جعل من البارزاني ليس (زعيماً) من ابرز زعماء شعبه فقط بل وكذلك (ظاهرة تاريخية) تستحق الدراسة بعمق للاستفادة مما تجسده من تجارب غنية بإيجابياتها الكثيرة وسلبياتها، وفي الحقيقة حينما كان البارزاني (العظيم) يستمع إلى حديث الناس، مهما كان مقامهم أو عمرهم حديث راعي أغنام مثلاً أو موظفاً كبيراً أو صاحب اختصاص وما أشبه، كان يركز اهتمامه بما يقوله وإلى أن ينتهي من كلامه هذا هو عين الحقيقة.([35])
8ـ شهد تأريخ الحزب الديمقراطي الكوردستاني حدوث تكتلات وانقسامات داخل صفوفه التنظيمية، أن هذه الظاهرة امر طبيعي، لأن الحزب يتكون من أعضاء من طبقات وفئات وشرائح اجتماعية متباينة ويمثل بالتالي مصالحها بالضرورة من جهة ومن جهة اخرى لمروره بظروف وفترات سرية قاهرة أوضاع ومنعطفات معقدة حادة وحاسمة. وبعد نجاح الثورة (14) تموز 1958 بقيادة الضباط الأحرار في الجيش العراقي وسماعها برقية موافقة عبدالكريم قاسم قائد الثورة للبارزاني الكبير ورفاقه الأبطال بالعودة من الاتحاد السوفيتي إلى العراق، عودة الأبطال، وقف البارزاني الخالد على وجود ظاهرة التكتلات والانشقاقات في صفوفه خاصة بين أعضائه القياديين. وكان رحمه الله يبدي امتعاضه وأسفه الشديدين تجاه تلك الظاهرة السيئة التي كانت كثيراً ما تقف حجر عثرة في طريق نضال الحزب وتقدمه. ولذلك سعى بدأب منذ وصوله إلى العراق لم توحد الصفوف ودفع الرفاق والهيئات الحزبية للنضال الموحد، لأنه ذاق ورفاقه قبل ذلك مرارة الإنقسام في صفوف أبناء الشعب الكوردي في أيام ثورة بارزان (1943- 1945) وما بعدها، ومعروف أيضاً عند الحزبيين القدامى أن البارزاني الخالد كان يطلب باستمرار من القياديين والكوادر الحزبية العمل على حل المشاكل الداخلية والتغلب على الخلافات وحالات التشرذم والانشقاقات الداخلية، وكان يتخذ عند الضرورة وبناءً على رأي القواعد الحزبية مواقف وإجراءات احترازية وثورية لإنهاء وحسم الأمور أو التكتلات لأجل تقوية وإدامة الحياة التنظيمية الداخلية.
9ـ المعروف عن البارزاني الخالد أنه كان إنساناً (صادقاً وصريحاً وقائداً وصديقاً ) حميماً، فلم يقل لأحد في حياته غير ما كان يؤمن به أنه حق أو الحقيقة المجردة حسب اعتقاده، ولم يهمل رفيقاً له في كل مراحل نضاله وفي حياته الشخصية، مثلها لم يكن أبداً من الداعين إلى فصل أو طرد المناضلين من بين الصفوف، ولقد كان الذين يتركون صف النضال منزلة الصدق والصديق عند البارزاني أو يعودون إليها هم الذين يقررون بأنفسهم القيام بذلك وبناءً على تقديراتهم الشخصية أو المطلوبة منهم. وكان البارزاني يحافظ على شعرة معاوية مع الجهات أو الحكومات حتى مع بعض الناس الذين يقعون في أخطاء أو مواقع ومهالك غير مطلوبة.([36])
10ـ لقد تخطت نظرة البارزاني في تحليل القدرات العسكرية والمواقع السياسية للدول التي كانت تراهن على حجمها وتأثيرها الفاعلة على النطاق العالمي كثيراً من تقديرات الساسة والعسكريين بين العرب في تقييمهم أو تشخيصهم لدولة كإسرائيل، فتعامل البارزاني مع النزعة القومية العربية التي كانت تثير الحماس الحمية والاندفاع الذاتي بين أبناء الضاد لمواجهة إسرائيل في استصغار ثقلها السياسي والعسكري، يختلف كلياً عن قادة حركة التحرر القومي العربي والقادة العسكريين والميدانيين، لأنه كان ينطلق من أرضية الواقع والممكن، ولأن العاطفة القومية السائدة كانت دائماً تجنح للخيال، وتبتعد عن إعطاء صورة حقيقة للواقع الملموس والملابسات والإشكالات العديدة الناجمة عن سوء التقديرات.
قبل اندلاع حرب حزيران عام (1967) بين الدول العربية وإسرائيل ببضعة أيام، التقى وفد عسكري على مستوى رفيع البارزاني لإيقاف القتال ومساهمة البيشمه ركه في تلك الحرب، وقد نصح البارزاني الوفد العسكري بعدم زج الدول العربية في هذه الحرب، وشرح لهم الأبعاد والقدرات العسكرية العالية لإسرائيل، بالإضافة إلى الدعم والإسناد العالميين اللذين تتمتع بهما أساساً من التجارب الفنية والتقديرات الصائبة لتحليل وتقييم كثير من القضايا السياسية الاجتماعية والعسكرية التي هي شخصية البارزاني الخالد بالذات معين ثر دقّاق، وبين من يستسلم لها دون وعي أو إدراك. فإذا كان الجمع بين النقيضين من المسائل غير الممكنة، فكيف استطاع هذا الرجل أن يجمع في شخصيته كل هذه الأمور المتباينة فيما بينها؟ بحيث يحمل نزعة عشائرية بحكم إنتمائه القبلي إذا اقتضت الضرورة ذلك، ولا سيما إن حدثت قضايا عشائرية تتطلب عقلاً مدبراً يجيد اللغة في التعامل معها، ويكون في ذات الوقت (كوردياً قومياً، قائداً عسكرياً، وسياسياً وطنياً كوردستانياً، وعراقياً ورجلاً متديناً، إنساناً، لكن دون أن يدع أي جانب من تلك الجوانب يطغى على الجوانب الأخرى/ بحيث لا تكون إخلالاً بشخصيته).([37])
سمات وملامح ومميزات الشخصية الكاريزمية للبارزاني الخالد
1ـ نجدة وإغاثة الناس لتكامل وتطور قابلياتهم وإمكاناتهم.
2ـ إسداء العون ودعوة الناس للإشتراك في جميع أنواع العمل الجماعي والتعاوني.
3ـ إفساح المجال للناس والذين يعملون معه أن يكونوا مبدعين وناشطين ويتعلمون الأشياء الجميلة والنافعة.
4ـ شعوره بالملل من الناس الخاملين والطفيلين وعديمي الانتاج.
5ـ غرس عناصر القيم الاجتماعية القيمة من العدالة والصدق والأمانة والوفاء وأخذ الأخلاق والعادات والتقاليد في المجتمع بنظر الاعتبار.
6ـ تشجيع الناس وحثهم على المطالبة بحقوقهم المشروعة دون أي خوف و وجل وتردد.
7ـ التوقي من اللجوء والابتعاد عن الوطن (الاغتراب) والتفرق والتزامه بأرض الوطن.
8ـ احترام الناس و تقييمه لقدرات هذا الشخص أو ذاك.
9ـ تجنب الحقد والبغضاء والتوجه نحو صفاء النفس ونقاوة النوايا.
10ـ التزام الحياد واحترام كل إنسان دون التمييز لنوعية فكرة وتوجهات وأصل هذا الشخص.
11ـ التفاؤل ودقة النظر وتوقع الأحداث.
12ـ تنسيق الحياة الديمقراطية لدى جماهير الشعب وما حوله.
13ـ تلجيم الأشخاص الذين يتخلقون بأخلاق وتصرفات فرض النفس السيئة والذين لا ينصاعون لقيم وأوامر الثورة والبارتي والمجتمع ولا يعترفون بسلطة القانون والأنظمة ويثيرون المتاعب والشغب أو يواجهون الواقع بشكل متطرف ولا أبالي.([38])
14ـ وضع وانتخاب وتعيين أشخاص يتصفون بالجرأة واللياقة وأصحاب قرار مقتدرين حسب الحاجة للأماكن والمناسب وللأعمال والمناصب والمهمات الحزبية والمالية والبيشمه ركايه تى تقديم المساعدات لهم حتى يتفهموا بكل دقة ديناميكية المجتمع والاوضاع وليقوموا بأعمالهم كخلية واحدة ويسلكوا الطريق نحو الأهداف.
15ـ نشر النباهة والتفكير الواضع بدون عقد بين الفرد والمجتمع وخاصة في الأوقات والظروف العصبية وإبداء المواقف.
16ـ مواجهة روح اليأس والقنوط وعدم الصمود والانهيار من قبل قوات البيشمه ركه.
17ـ تأهيل وتدريب الفرد النشاط في الدراسة والتعلم.
18ـ الابتعاد عن إلقاء الخطب الطويلة الطنانة غير ذي نفع من النصائح الجافة والعبارات الباردة وخداع الناس بشعارات وأقوال براقة.
19ـ نشر روح الممارسات والأعمال المنظمة في حالات الصراع والضطراربات والاختلافات الحاصلة بين مجموعات من الناس.
20ـ التركيز على المشاكل وليس على صاحب تلك المشاكل وإجراء التحقيقات الدقيقة حول هذه المشاكل والسعي للبحث عن الأطراف الطيبة التي يستحسنها كل جانب ويتفقون حولها حيث تلتقي وجهات نظرهم حولها.
21ـ عدم مساندة أية هيئةأو فئة والاقتصار على المساندة (الحقيقة) فقط.
22ـ تحرك أحاسيسه وعواطفه لمصائب وحوادث اصدقائه وأحبائه.
23ـ الرغبة الصادقة لترضية وجبر خاطر أبناء الشعب والتجنب عن الرياء والنفاق.
24ـ رغبته القوية للانتصار والتفوق في العمل.
25ـ معرفته العميقة لطبيعة وأخلاق الإنسان والمحيط.
26ـ مواقفه الجريئة والانتقادية إزاء نفسه.
27ـ دماثة الخلق والمرونة والهدوء والمداراة.
28ـ المعرفة السريعة بالأشخاص المحيطين به أو الذين عرفهم أو الذين يعملون معه.
29ـ دفاعه المستديم عن وجهات نظره الواقعية إزاء من يقابله.
30ـ رغبته في التأثير على الناس أكثر من تأثيرهم هم عليهم.
31ـ إصدار القرارات الضرورية والقومية في أوقاتها الضرورية.
32ـ استخدام القوة كلما دعت الحاجة إلى ذلك وانسجامه دون إصابته بالاضطراب.
33ـ اتصافه بالبلاغة ولجوئه إلى إيجاز والإتيان بالأمثال والحكايات أثناء الحديث.
34ـ رد الكبوات والنكسات.
35ـ رغبته وحبه لمزيد من تعلم الأشياء أياً كان.
36ـ الذكاء والنباهة وحب الخلق والإبداع.
37ـ قدرته اللامتناهية في قيادة البيشمركه (الأنصار) والمجتمع.
38ـ تعريف قضية شعبه بالأمم ذات القوة والتأثير في العالم.
39ـ التفكير الواقعي والذهني ذات الأدلة
40ـ الابتعاد عن التفكير السوقي واستخدام قواعد ومقومات العقل والفهم.
41ـ انتفاعه من التجارب والمعلومات المتنوعة.
42ـ أفكاره الحاضرة للضرورات المستجدة والطارئة والمفاجئة.
43ـ قوته الجسدية واتقانه للفروسية.
44ـ إبداعه في الألعاب تستدعي استخدام الفهم والفكر، والصيد والقوس
45ـ قدرته في الجمع والحساب ومعرفة الوقت والمكان.
46ـ ثقته البالغة بمستقبله هو ومستقبل شعبه.
47ـ رغبته في التراث الأصيل القومي واشتياقه إليه وتقديره لفحول الشعراء والفنانين والأصلاء.
48ـ الأمانة والانتظام في العمل والتصرفات.
49ـ الاعتماد على النفس وإعلان روح الاعتماد بين الناس.
50ـ نزوعه نحو المخاطرة أحياناً.([39])
51ـ درايته التامة بأمور الدين والدنيا.
المبحث الرابع
الاستنتاجات والخلاصة
بعد الولوج في بحثنا الآنف الذكر (نظرية الكاريزمية) وإثبات (السلطة والزعامة الكاريزمية) على شخصية المرحوم (ملا مصطفى البارزاني الخالد) والمتتبع للتأريخ الأسري يجد أن ( العائلة البارزانية ) لها الباع الطويل وحصة الأسد في تأريخ المنطقة أي (منطقة البارزان) وما حولها وكوردستان الكبرى عامة وكوردستان العراق بصورة خاصة إن هذه العائلة العظيمة والكريمة أسست (المشيخة البارزانية) كأحد الطرق النقشبندية – الصوفية الأسلامية في القرن التاسع عشر وبالتحديد نهاية سقوط الأمارات الكوردية وناضلت هذه العائلة العظيمة زهاء مئة وخمسون سنة ضد الأغوات والأقطاعيين وضد السلطة العثمانية والحكومات العراقية المتعاقبة وبطشها وطغيانها.
وبهذه المناسبة أن الشهيد (عبدالسلام البارزاني) مرت في عام 2014 في ذكراه المائة على استشهاده وهي علامة مضيئة وناصعة على النضال الدؤوب والتضحية من أجل استقلال كوردستان بالإضافة إلى المرحوم (الشيخ أحمد البارزاني ) ومقامه الخالد، إن هذا المرحوم مغفور له لم يدخل في صلب بحثنا هذا وما يهمنا هو شخصية المرحوم (البارزاني الخالد) ومسيرة نضاله المتواصل ومحطات حياته والخصالات والسمات والمميزات الشخصية للزعيم الخالد، كان للبارزاني الدور الرئيسي في جعل العالم يعرف ويتعرف على الكورد من خلال اللقاءات الصحفية مع المراسلين العالميين من أمريكا وبريطانيا و وألمانيا، ولولا الحركة التحررية التي قادها هو وأبناؤه فيما بعد لما وصل كورد العراق إلى ما فيه الآن من وجود إقليم خاص بهم وبرلمان وحكومة ووزارات.
وأخيراً وليس آخراً، فالبارزاني لا يعد فقط قائد قومي كاريزمي في كوردستان العراق فقط، لا بل ويعد في نظر الكثير من الدارسين والباحثين في مجالي التأريخ والسياسة وعلم الاجتماع – قائد كاريزمي قومي على مستوى كوردستان الكبرى.
لذا في ختام البحث يقترح الباحث أن يقدم فريق عمل جماعي من المختصين في مجال علم الاجتماع السياسي وعلم النفس الاجتماعي والانثروبولوجيون بدراسة معمقة وأرشيفية لهذه الشخصية ودورها في حركة التحرر القومي الديمقراطي في كوردستان العراق.
الهـــــــــــــوامش
([1]) عبدالباسط عبدالمعطي، عالم المعرفة، العدد/ 44 ، آب 1981 ص127.
([2]) جوليان مزوند، سوسيولوجيا ماكس فيبر، مركز الاتحاد القومي، بيروت الطبعة الأولى، بلا تأريخ، ص51.
([4]) د. إحسان محمد الحسن، علاقة علم الاجتماع بالعلوم الاجتماعية والسياسية، مجلة زانكو، مجلد (7) العدد (2) 1981 ص65.
([5]) د. صادق الأسود، علم الاجتماع السياسي، أسسه وابعاده، منشورات جامعة بغداد 1986- ص50.
([6]) د. صادق الأسود، نفس المصدر – ص54.
([7]) د. إحسان محمد الحسن، علم الاجتماع السياسي، جامعة بغداد 1984ص90.
([8]) عالم المعرفة، مصدر سبق ذكره – ص142.
([9]) ماكس فيبر، المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع، باللغة الكوردية، ترجمة عثمان رحيمي، مؤسسة الترجمة ص12.
([11]) جوليان مزوند، مصدر سبق ذكره: ص54.
([12]) عبدالباسط عبدالمعطي ، مصدر سبق ذكره: ص155.
([13]) ماكس فيبر، باللغة الكوردية/ مصدر سبق ذكره ص19.
([14]) جاستون بوتول، تأريخ علم الاجتماع، 1964 ص118- 119.
([15]) د. إحسان محمد الحسن معجم علم الاجتماع، دار الطليعة، بيروت 1981ص124.
([16]) د. خليل أحمد خليل، مجلة الفكر العربي، العدد (19) السنة الثالثة، 1981 ص34- 57.
([17]) د. إحسان محمد الحسن، معجم علم الاجتماع، مصدر سبق ذكره، ص129.
([18]) مؤتمر الذكرى التسعون الميلاد البارزانى الخالد ، مصيف صلاح الدين / 1993 ص447
([19]) جاستون بوتول، مصدر سبق ذكره: ص130.
([20]) د. إحسان محمد الحسن، معجم علم الاجتماع، مصدر سبق ذكره، ص130.
([21]) د. صادق الأسود، الزعامة الملهمة في العالم الثالث، مجلة مركز الدراسات الفلسطينية، العدد (3) المجلد الثاني، حزيران 1973 ص70.
([22]) د. إحسان محمد الحسن، معجم علم الاجتماع، مصدر سبق ذكره، ص135.
([23]) د.عبدالباسط عبدالمعطي ، مصدر سبق ذكره: ص159
([24]) د. صادق الأسود، الزعامة الملهمة في العالم الثالث، مصدر سبق ذكره: ص71-72.
([25]) د. إحسان محمد الحسن، معجم علم الاجتماع، مصدر سبق ذكره، ص140.
([27]) جوليان مزوند، مصدر سبق ذكره: ص71.
([28]) نيقولا تيما ستيف، نظرية علم الاجتماع طبيعتها وتطورها، ترجمة د. محمد الجوهري وآخرون، القاهرة، الطبعة الثالثة، دار المعارف، 1978، ص159- 162.
([29])موتمر الذكرى التسعون الميلاد البارزانى الخالد، مصيف صلاح الدين / ص871 مضدر سبق ذكره.
([30]) جوليان مزوند، مصدر سبق ذكره: ص98.
([31]) نيقولا تيما ستيف، نظرية علم الاجتماع طبيعتها وتطورها: ص190.
([32]) د.عبدالباسط عبدالمعطي ، مصدر سبق ذكره: ص188
([33])موتمر الذكرى التسعون الميلاد البارزانى الخالد، مصيف صلاح الدين / مضدر سبق ذكره ص 910
([35]) ماكس فيبر، باللغة الكوردية، ، مصدر سبق ذكره: ص58.
([36]) ثى ره ش، بارزان والوعي القومي الكوردي، 1980 ص
([37]) فى ذكرى التسعون للميلاد البارزانى الخالد، مصيف صلاح الدين، ص 122
المصادر
(1) عبدالباسط عبدالمعطي، عالم المعرفة، العدد/ 44 ، آب 1981
(2) جوليان مزوند، سوسيولوجيا ماكس فيبر، مركز الاتحاد القومي، بيروت الطبعة الأولى، بلا تأريخ،
(3) د. إحسان محمد الحسن، علاقة علم الاجتماع بالعلوم الاجتماعية والسياسية، مجلة زانكو، مجلد (7) العدد (2) 1981
(4) د. صادق الأسود، علم الاجتماع السياسي، أسسه وابعاده، منشورات جامعة بغداد 1986-
(5) جاستون بوتول، تأريخ علم الاجتماع، 1964
(6) د. إحسان محمد الحسن معجم علم الاجتماع، دار الطليعة، بيروت 1981
(7) د. خليل أحمد خليل، مجلة الفكر العربي، العدد (19) السنة الثالثة، 1981
(8) د. صادق الأسود، الزعامة الملهمة في العالم الثالث، مجلة مركز الدراسات الفلسطينية، العدد (3) المجلد الثاني، حزيران 1973
(9) نيقولا تيما ستيف، نظرية علم الاجتماع طبيعتها وتطورها، ترجمة د. محمد الجوهري وآخرون، القاهرة، الطبعة الثالثة، دار المعارف، 1978، ص159- 162.
(10) ثى ره ش، بارزان والوعي القومي الكوردي، 1980
(11) ماكس ظيبةر/ بةزمانى كوردى
(12) فى ذكرى التسعون للميلاد البارزانى الخالد، مصيف صلاح الدين ، 1993