كرم نعمة
امتلاك ميزة التواضع الفكري أفضل من يقوي قدرة الإنسان على مقاومة الأخبار المزيفة ، كان من المفيد بالنسبة إليّ أن أعود إلى مفهوم التواضع الفكري الرافض للغرور المعرفي، بينما تتدفق عليّ على مدار اليوم المئات من الآراء والنصائح والمقترحات، من مئات المشاركين في مجموعة على واتساب يفترض أن تكون للنخبة .!
تعلمت درسا مثيرا من تلك المجموعة التي ينضوي تحتها المئات من المهتمين بالشأن السياسي والإعلامي الموزعين في دول العالم، ومن حسن الحظ لا أعرف بشكل شخصي إلا عددا محدودا منهم. يكمن الدرس المستلهم من هذه المجموعة في حاجة الاكتفاء بأن تكون مُستقبِلا، وتكظم برباطة جأش منطوية على ذاتها، رغبة الاشتراك في عملية الإرسال. تعويد النفس على سريرة “الاستقبال” فقط على واتساب لا يقل صعوبة عن احتراف الصمت، بينما الجميع يتقن الكلام!
أفادتني مجموعة واتساب بتنمية قدرتي في التعرف على التحيزات المعرفية لدينا والاعتراف النادر عندما نكون مخطئين! مثلما تكشف كم نبدو على درجة من التواضع المعرفي .
تشير دراسة نُشرت مؤخرا إلى أن الأهم من أيٍّ من هذه العوامل هو خاصية أخرى تعرف بالمدى الذي يتمتع به الشخص، أو ما سمي بـ”التواضع الفكري “.
لا يمكن النظر إلى التواضع الفكري هنا كنقيض للغرور المعرفي، أو على أنه رغبة في التعرف على قيودنا المعرفية وتحيزاتنا، والاعتراف عندما نكون مخطئين، وأن نكون مهتمين بفهم حقيقة قضية ما، أكثر من كوننا على صواب .
ذلك “التواضع” هو في حقيقة الأمر نوع من الجهل يكاد يسود بسبب استسهال المعرفة السريعة التي يوفرها العصر الرقمي .
أثار تهكمي ما توصل إليه باحثان متخصصان في نظرية المعرفة الاجتماعية، وهي مجال يتقاطع بين الفلسفة وعلم النفس، إلى أن أولئك الذين يمتلكون ما أطلقنا عليه “فضيلة”! التواضع الفكري. بطبيعة الحال لا يقصدان “الرذيلة أو الابتذال المعرفي”، أفضل في التمييز بين التقارير الإخبارية الدقيقة والتقارير المزيفة .
ويريان أن امتلاك ميزة التواضع الفكري أفضل من يقوي قدرة الإنسان على مقاومة الأخبار المزيفة وعدم السقوط في حبائلها .
ويشدد الباحثان على أن “التواضع الفكري” أفضل طريقة للتنبؤ بقدرة الشخص على مقاومة الأخبار المزيفة من أي من العوامل الأخرى التي نظروا إليها .
يفاجئنا ماركو ماير الأستاذ في جامعة هامبورغ وأحد معدي الدراسة، وكأنه يدفع إلى اللامسؤولية، بأن الأذكياء معرضون أكثر لأنواع معينة من المعلومات المضللة، متذرعا بترجيح قدرتهم على تبرير المعتقدات، وينظر إلى التواضع الفكري على أنه في غاية الأهمية، كثقل موازنة تقريبي ضد الذكاء !
هكذا يريد هذان الباحثان من الناس اختيار التواضع المعرفي على اعتبار أن ذلك نوع من الفضيلة الفعالة لتخليصنا من تصديق الأخبار المزيفة .
الأكثر من ذلك، أن مزاعم تلك الدراسة ترى أن التواضع الفكري مهم ليس فقط في منع انتشار المعلومات المضللة، بل إنه يرتبط بما يسمى “سلوكيات الإتقان” مثل البحث عن عمل صعب والمثابرة بعد الفشل. يا للفذلكة العلمية !