منارات عراقية … صحيفة (التآخي) قصة نجاح وتحدّي ونضال

بمناسبة الذكرى السابعة والخمسين لانطلاقة التآخي

الأديب: سالم بخشي المندلاوي

سفر من النضال الصحفي الكوردي المشرق، والمشرّف، ابتدأته العائلة البدرخانية منذ أول صحيفة كوردية، أصدروها باللغة العربية في القاهرة، عنونوها (كوردستان) في 22/4/ 1898؛ للتعبير عن الكيان الكوردي والمطالب الشرعية والقانونية لهم في العالم. ولعل احتفائنا اليوم بصحيفة (التآخي) الغرّاء في ذكرى انبثاقها السابعة والخمسين، هو امتداد طبيعي، وتواصل نضالي، وابداعي مع ذاك السفر الصحفي العريق.

على الرغم من صعوبة الأمر، إلا أن المناضلين الكورد في عهد البارزاني الخالد، وعبر مداولات مكثفة مع الحكومة العراقية في عهد رئيسها د. عبد الرحمن البزاز؛ تمكنوا من انتزاع بعض المطالب القانونية الشرعية، لشعب كوردستان؛ تمخضت عن اتفاقية 29/حزيران/1966.

كان من ضمن بنود هذه الاتفاقية، إطلاق صحيفة ورقية، باللغة العربية، تصدر عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، تعبّر عن مطالب، وتطلعات الشعب الكوردي المناضل في العراق. وقد اتفق زعيم المقاومة الكوردية، الملا مصطفى البارزاني، ورئيس الحكومة، عبد الرحمن البزاز على تسمية الصحيفة (التآخي) للتعبير عن أواصر الأخوة، والمحبة بين الشعبين الكوردي، والعربي، علما أن الاسم المقترح للصحيفة في الطلب المقدم من قبل المناضل صالح اليوسفي في وقت سابق هو (صدى الكورد).

وبين أخذ، ورد، وتحضير، وإصرار كوردي، استمرت عدة شهور، انبثقت أخيرًا، صحيفة التآخي، مشرقة الجبين، وصدر أول عدد لها في 29/4/1967. بثمان صفحات، وسعر مقداره (20) فلس دينار عراقي.

بصدور جريدة التآخي؛ بدأ فصل جديد من نضال صحفي كوردي شديد، في مواجهة السلطة الغاشمة؛ عبر تبنيها القضايا السياسية، وعرض المطالب الدستورية الشرعية، للكورد، وبقية أطياف الشعب العراقي. وتم استقطاب مجموعة من الكتاب، والمحررين الصحفين، المناضلين، عربًا، وكوردًا، وهم ينتجون مواد صحفية مهمة: كالتقارير الاستقصائية، والمقالات الرصينة، والمتابعات الصحفية، لتعبر بحق عن المطالب الشعبية، وتكون قريبة من نبض الشارع العراقي.

حققت الصحيفة، وخلال وقت قياسي، صدًا كبيرًا في المجتمع العراقي، وصار الناس يتهافتون للحصول على إعدادها، ويعرضون عن الصحف الأخرى، بما فيها، صحف الحكومة؛ ما جعل السلطة الغاشمة، وعبر رقيبها المدني المقيت، وفيما بعد الرقيب العسكري، تضيق الخناق عليها، ولطالما، تعرضت مقالاتها، بالذات الافتتاحية السياسية، كلمات، وربما جمل، وأحيانًا فقرات إلى تبديل أو شطب، ناهيك عن إلغاء الافتتاحية بالكامل في بعض الأوقات. إلا أن إدارة التحرير المناضلة، لا تضع موضوعًا، بديلًا، وانما تتترك مكان العمود فارغًا؛ للدلالة على إلغاء الافتتاحية، لذلك اليوم.

عندما لمست السلطة الغاشمة، مدى قوة الصحيفة، وتأثيرها الكبير على الشارع العراقي؛ قررت محاربتها، بوسائلها الدنيئة المعروفة. تحركت باتجاهين متزامنين: أولاهما مضايقة العاملين فيها، وملاحقة الكتاب، والصحفيين، واعتقال بعضهم، ومحاكمتهم. والاتجاه الثاني، تعريض الجريدة للعقوبات الإدارية المعروفة في الحجب، والايقاف عن الإصدار لمدد معينة، تمتد أحيانًا لشهر كامل.

لم تستسلم الصحيفة، وركزت على المطالب السياسية الدستورية الوطنية للكورد، والعرب، ولعل وقوفها القوي إلى جانب الاضراب الكبير، لعمال الشركة العامة للزيوت النباتية في العام 1968 خير دليل على التاريخ النضالي المشرّف للجريدة. في الوقت الذي سكتت الصحف الأخرى، وكانت بعيدة عن المشهد الوطني، نشرت التآخي، تغطيات كاملة، ومستمرة عن الاضراب، وأصدرت بيانًا شديد اللهجة ضد الحكومة، ودعت إلى مساندة المظربين، وتحقيق مطالبها المشروعة؛ ما دفع الحكومة العراقية إلى اغلاقها لمدة خمسة عشر يومًا، وملاحقة كتابها.

عندما وجدت الصلابة، والمقاومة، واصرار الجريدة على النضال؛ قررت في النهاية ايقافها في العام 1969.

في العام 1970عاودت الجريدة إصدارها، وعادت سيرتها الأولى في النضال الصحفي، ومقارعة السلطة الدكتاتورية البعثية؛ ما أدى إلى اصدار قرار اغلاقها، وإلغاء امتياز إصدارها في العام 1974 ومصادرة ممتلكاتها، لحساب وزارة الثقافة العراقية آنذاك.

عند سقوط الحكم الدكتاتوري البعثي البغيض، عاودت الإصدار من جديد، وبدأ فصل آخر من النضال والتحدي في10/5/2003.

والمتتبع لمسيرة الجريدة سيجد ثلاث مراحل مهمة في نضالها الصحفي المشرّف، وهي كالآتي:

  • المرحلة الأولى، من العام 1967 حتى العام 1969. وكان صاحب الامتياز، ورئيس تحريرها، المناضل الشهيد صالح اليوسفي.
  • المرحلة الثانية، من العام 1970 حتى العام 1974. ترأس تحريرها المناضل الشهيد دارا توفيق.
  • المرحلة الثالثة، بدأت بتاريخ 10/5/ 2003 حتى 14/7/2014 تاريخ اقتحامها من قبل مليشيا، ملثمة، مسلحة، غادرة، وسرقة ممتلكاتها الثمينة (السيارات، والحاسبات، والأسلحة) ومقتنيات العاملين فيها (النقود، والهواتف الخلوية) والتهديد بتصفيتهم في حال اصدار الجريدة مجددًا.

صاحب الامتياز في هذه الفترة، المناضل الراحل، فلك الدين كاكائي، تعاقب على رئاسة التحرير خلالها، المناضل الراحل الشاعر محمد البدري، الشاعر بدرخان السندي.

في شهر آيار/ 2015، أعيد إصدارها الورقي حتى تاريخ 28/2/2018. وكان رئيس تحريرها، الباحث الراحل أحمد ناصر الفيلي.

تماشيًا مع التطور العلمي التكنلوجي. تصدر جريدة التآخي حاليًا إلكترونيًا، ورئيس تحريرها المناضل جواد كاظم ملكشاهي.

شرّفني العمل فيها بصفة، محرر صحفي منذ العام 2009 وحتى الآن 2024 وكلفت بتحرير عدة صفحات فيها، أبرزها: شعب يريد، تقارير سياسية، كتب وإصدارات، إشراقات كوردية، منارات عراقية.

لي فيها سيرة صحفية غنية، ومهمة، ومشاكسات، ومواجهات مع المسؤولين الفاسدين وصلت المحاكم العراقية؛ بالذات صفحة (شعب يريد) وعمودي الانتقادي العنيف (فلم الأسبوع) التي عرضت من خلاله، مطالب المظلومين بقوة، وكشفت فيها فساد المسؤولين الحكوميين. ربما أكتب عن تفاصيلها الشائقة في وقت لاحق.

أحيّ العاملين فيها، إداريين، ومحررين، وأتمنى لهم دوام الازدهار والرفاه. ولصحيفتنا المناضلة (التآخي) الغرّاء في ذكرى انطلاقتها المباركة، دوام المجد والبهاء.

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا