الجزء الثاني والأخير
مؤيد عبد الستار
ولما كانت هذه الالفباء قد وصلت منذ وقت طويل الى الهند حيث استخدمت عند الضرورة في الهند، كما استخدمها الامبراطور آشوكا، ولاحقا استخدمت في العصر البارثي Parthian، واخيرا من قبل الساسانيين،ومن المحتمل جدا ان البلخيين كانوا يمتلكون مثل هذه الحروف – الالفباء – وان الزرادشتية قد دونت في فارس وبلخ ، قبل الساسانيين بزمن طويل، إذ ارجعت الروايات لا ردشير شرف جمع النصوص الزرادشتية وان نجيرفان – نوشيروان، نوشيرفان – جمع في القرن السادس من جميع اركان امبراطوريته، قصص الملوك والابطال، وخزنها في مكتبته، وقد استأنف الشاه الساساني يزدجرد هذا العمل واوكل الى واحد من المع اتباعه في بلاط المدائن الدهقان دانشوار ترتيب ما جمعه نجيرفان ومعالجة النواقص من قبل الموابذة – الكهنة – .
بعد ان جمع الاخمينيون الكتب والنصوص المقدسة الزرادشتية القديمة، اعتنى بها الساسانيون الذين كانوا يجيدون الكتابة، ويستخدمون الرموز المسمارية الشائعة في عيلام وسومر وبابل، واصبحت الزرادشتية الدين الرسمي للساسانيين، واعادوا كتابة النصوص باللغة البهلوية او الفارسية.ًً
وفي الهند ترجمت من البهلوية الى الكوجراتية – لغة مقاطعة كوجرات.
إن سقوط الامبراطورية الساسانية عام 636 م وسقوط مدينة نهاوند عام 641 م- الفتح الاسلامي لبلاد فارس – وجه ضربة قاصمة للزرادشتية، وان الحقبة التي تلت ذلك كانت صراعا طويلا مع الموت. وخلال القرون الاولى التي تلت سقوط الامبراطورية الساسانية كان عبدة النار يعدون كفارا، ولكن وجودهم كان مقبولا، ومع تقدم الاسلام في ايران كانت تهدم معابد النار ويختفي الدين القديم أو يتراجع الى مناطق محدودة، ويشيع دين الاسياد الجدد -الاسلام- وحيثما كان يشيع الدين الجديد كانت الزرادشتية تختفي، والكتب المقدسة القديمة التي تحوي النصوص المقدسة والتي كانت متوفرة بكثرة، تفقد، فالابناء الذين دخلوا الدين الجديد لم يحرصوا على الاحتفاظ بها، بسبب المتاعب التي تسببها كتب (الاباء الكفرة) من وجهة نظر الدين الاسلامي الجديد الذي كان ينظر اليهم بعين الكراهية . ومن ثم تراجعت الزرادشتية الى يزد وكرمان، وفي هذه المناطق فقط استطاعت الكتب المقدسة النجاة من الضياع التام وانتقلت من جيل الى آخر.
وبسبب انحسار الزرادشتية ونكوص الزرادشتيين وانهيار مقوماتهم الاقتصادية، اصبحوا فقراء، وفقدوا كتبهم ولم تبق سوى نسخ قليلة، ضرورية لممارسة الشعائر الدينية، ولذلك نجد بعض النصوص موجودة في نسخ قليلة، اوفي نسخة واحدة فقط.
ومن المؤكد اننا لانملك كل ما كان موجودا من نصوص مقدسة في العصر الساساني او الذي يليه.
يقول ويستر غارد: خلال وجودي في يزد وكرمان عام 1843 م كان عدد الزرادشتيين حوالي الف اسرة في مدينة يزد، وحوالي مائة اسرة في كرمان، اي حوالي خمسة الاف وخمسمائة شخص، كانوا جميعا يعيشون في فقر مدقع، اما الكتب التي كانت لديهم فلم استطع الاستفادة منها الا قليلا، وذكرت مجلة Oriental Christian Spectator الصادرة في بومبي عام 1849 م عدد يناير/ كانون الثاني انه نتيجة لوفاة الشاه ، تعرض الزرادشتيون الى اضطهاد شديد، وهرب نحو خمسمائة مواطن من كرمان الى الجبال للنجاة بحياتهم ، ومثلهم هرب من يزد ووصلوا الى الجبال.
يقول ويستر غارد: خلال وجودي في يزد وكرمان عام 1843 م كان عدد الزرادشتيين حوالي الف اسرة في مدينة يزد، وحوالي مائة اسرة في كرمان، اي حوالي خمسة الاف وخمسمائة شخص، كانوا جميعا يعيشون في فقر مدقع، اما الكتب التي كانت لديهم فلم استطع الاستفادة منها الا قليلا.
اما البارس – الزرادشتيون في الهند – فلهم موقع أفضل، وقد وصلوا الى الهند بعد سقوط الامبراطورية الساسانية بفترة وجيزة، وقد اشاروا الى جزيرة هرمزباعتبارها نقطة الانطلاق، ومن المحتمل ان المهاجرين الاوائل جاءوا الى الهند من جنوب شرق بلاد فارس ، فهي الاقرب الى الهند، ولاشك في وجود علاقات تجارية بينهما منذ وقت طويل وقد تكون ارباح تجارتهم هي التي جاءت بهم الى الهند وليس الاضطهاد.
إن المهاجرين الاوائل لابد أن يكونوا وفدوا باعداد محدودة ، ولحق بهم اتباعهم بمرور الوقت من بلاد فارس .
لقد وجد البارس مجتمعا مقسما الى طبقات في الهند، مما اضطرهم الى تشكيل طبقة خاصة بهم للحفاظ على وجودهم من الانصهار في المجتمع الجديد الذي قدموا اليه، ورغم انهم هربوا من الاضطهاد الديني الا انهم لم يحرصوا على الاهتمام بكتبهم ونصوصهم، وكما اشار بورنوف Burnouf لم يحرصوا على استمرار الاتصال بين الزرادشتيين في الهند وبلاد فارس.
وقد جُلبت بعض الكتب المقدسة من يزد وكرمان – وكانت تعود لعصور حديثة – ولذلك نجد لها علاقة قوية باللغة الفارسية.
نستنتج مما سبق ان الاجزاء المهمة من الزند افستا تعود لعصور أقدم من العصر الاخميني وفي العصر الساساني الاول تم جمع نصوص الزند افستا باخلاص ونزاهة وكتبوها بالالفباء المسمارية التي كانت مستخدمة عهد ذاك وربما كتبت في لغات اخرى ضاعت.
ومع ان النسخ المتوفرة لدينا هي حديثة نسبيا الا ان الذين نقلوها من لغاتها الاصلية حاولوا جهدهم باخلاص إعادة نقل الاصل كما هو، وان أغلب النسخ التي وصلتنا هي من شرق بلاد فارس، وانحدرت من مختلف الاتجاهات التي تحمل الاثر الساساني.
يقول ويسترغارد إن الكتاب الاصلي الزند افستا أخفي عنا، والذي هو بلا شك نسخة من العصر الساساني، والذي نجا من التلف، وهو المصدر الوحيد لمعرفتنا بالزند افستا، ويضيف كنت أرغب في الوصول الى النسخة الساسانية كي أنقل عن نسخة قريبة من الاصل قدر المستطاع، وحيثما كانت هناك نسخ متعددة من الياسنا والفينديدار والفسبيريد، كنت أعتمد على أقدم النسخ، ومن ثم الى أقرب نص الى الاصل .
الفروهر Farohar ملآك زرادشت
هو الملاك في الديانة الزرادشتية وهو الروح الموجودة منذ الازل ، وستستمر في الوجود بعد الموت .
يـذكّر الفروهر الناسَ بسبب وجودهم في الحياة على الارض ، والعيش بطريقة تجعل الروح تتسامى وتتحد بالاله آهور مزدا – الحكيم – وهذه الحالة تدعى في الافستا فرشته كرتي ، ويمكن ترجمتها الى السمو او الاتحاد مع الذات الالهية كما في المصطلح الصوفي .
وجه الفروهر وجه انسان ، فهو من البشر، وله جناحان لهما ثلاث مجموعات من الريش ، وهذه المجموعات الثلاثة من الريش ترمز الى ثلاثة رموز هي (الخير، الكلمة الطيبة ، وعمل الخير)
وفي نفس الوقت هي مصدر الطيران والتقدم .
الجزء الاسفل يحتوي على ثلاثة رموز ايضا هي (الشر، والكلمة السيئة ، وعمل الشر) ، التي تسبب البؤس والخيبة للبشر .
وعلى جانبي الفروهر عروتان ، العروة الاولى تتجه نحو وجه الفروهر والاخرى نحو ظهره ، وهما ترمزان الى التوجه نحو الخير والابتعاد عن الشر .
اما الدائرة التي وسط الصورة فترمز الى لانهائية الروح ( الدائرة ليس لها بداية ولا نهاية )
احدى الفروهر تشير الى الاعلى ، تدل على العمل من أجل الازدهار والنمو ، واليد الاخرى تحمل ( حلقة ) تـعبر عن الالتزام بالعهد ، وهوالميثاق الذي يمثل الاخلاص و الوفاء وهو أساس الديانة الزرادشتية .
توجد عدة مواقع أثرية في كوردستان نقشت عليها لوحات الفروهر منها على صخرة في جبل بيستون في كرماشان / ايران.
…………………………………………………………..
هوامش
1 – ينظر : الزند افستا – كتب الزرادشتيين المقدسة ، لمؤلفه ويسترغارد
ZENDAVESTA – The Religious Books of the Zoroastrians
By N.L.Westergaard, Copenhagen -Denmark, 1854.
* عند قراءة هذه العبارة في كتاب ويسترغارد، نتساءل عما اذا كانت هناك علاقة بين هذه اللغة – الزند – ولقب الاسرة الزندية التي حكمت عيلام وايران وبغداد، في عهد السلطان كريم خان زند، والمعروفة باسم العائلة الزندية، وارجح ان اللغة الزندية هي اللغة الكردية اللورية ، وهي لغة كتاب الافستا القديم قبل ان ينقل الى البهلوية ومن ثم الى الفارسية الحديثة
إن إخفاء نسخة كتاب الزند افستا تفتح باب الشكوك على لغة الافستا الاصلية، وارجح من خلال العديد من الدلائل اللغوية ان اللغة الاقرب المحتملة لكتاب الافستا هي اللغة الكوردية.
** – ميبرو التي تحولت الى ميهرو، نستطيع ان نجد لها مقابلا في الكوردية ، فكلمة ميبر Mipro أو ميفر مازالت تستخدم في الكوردية، وفي اللهجة الفيلية، فان من اسماء الكرد الفيليين، الاسم ميفر، واعتقد ان هذا الاسم هو الاقرب الى الاسم ميبر لعلاقة القرابة بين الباء المثلثة والفاء، مثل كلمة فيلي وبيلي، واستنادا الى القواميس القديمة فان ميبر – ميفر – تعني المؤسس، او الاساس..
***- جزر هرمز – هورمزكان – مجموعة جزر ايرانية تقع في الخليج في مضيق هرمز مقابل عمان ، وقد وصفها هيرودوتس المؤرخ الاغريقي حين زارها وتحدث عن اسواقها التجارية التي كانت تحفل بالحرير والعاج والابنوس، ومن اشهر مدنها بندر عباس .
شعار الفروهر – الملاك الزرادشتي