جفاف نهري دجلة والفرات يهدد استقرار وأمن العراق البيئي والمائي والغذائي

 

التآخي – وكالات

تنتشر التحذيرات العراقية الرسمية والشعبية على حد سواء، في جميع وسائل الإعلام والمنصات الرقمية، من خطر استمرار انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات، ويعقد البلد المنتديات والاجتماعات والندوات، في محاولة لإيجاد حلول ناجعة تنهي شبح جفاف الرافدين.

وتشهد المنصات الرقمية تداولا لصور مفزعة لما وصلت له حالة دجلة والفرات من جفاف، حيث يظهر قاع كل منهما واضحا عند الضفاف في المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية من البلاد.

كما بات بمقدور العراقيين في بعض المناطق، أن يقطعوا المسافة من ضفة إلى أخرى بالمشي عبر المجرى المائي للنهرين، بعد أن كانوا بحاجة إلى جسور وقوارب للعبور.

ولا بد من ذكر سياسات دول المنبع “تركيا وإيران” التي تسهم في جفاف النهرين، إثر تشييد السدود الضخمة وتحويل روافد كثير مُغذية للنهرين والمشاريع الكبيرة الأخرى التي تؤثر على تدفق المياه، وفق ما يقوله المسؤولون في بغداد.

ويعزى هذا التدهور أيضاً، إلى تغيرات المناخ ونقص الهطول المطري في المنطقة، وزيادة الاستعمال غير المستدام للمياه، بحسب مكاتب الأمم المتحدة العاملة في العراق.

يقول عمار حيدر ،42 عاماً، وهو مربي أسماك عراقي، إنه بدأ مشروع تربية الأسماك الخاص، قبل عدة سنوات بأمل توفير مصدر دخل مستدام وتلبية الطلب المتزايد على الأسماك في السوق المحلية، معبراً عن أسفه بسبب تضرر مزرعته من الجفاف.

ويبين حيدر، أن الجفاف تسبب في نقص حاد في مصدر المياه الذي اعتمد عليه لتشغيل أحواض تربية الأسماك، من خلال التدفق المستمر لمياه أحد فروع نهر الفرات، ولكن مستوى المياه في النهر تناقص بشكل كبير، ما أدى إلى تدهور جودة المياه وانخفاض مستوى الأوكسجين، وهو ما أثر سلباً على صحة ونمو الأسماك وفقد الكثير من رأس ماله.

وينوه إلى أنه حاول تطبيق إجراءات طارئة للتكيف مع الوضع، عن طريق تحسين أنظمة التهوية وتدفق المياه في الأحواض والتخلص من الفضلات بفعالية، وإجراءات توفير المياه بشكل أكثر فاعلية.

وتحذر وزارتا الزراعة والبيئة في العراق، من أن البلاد تفقد سنوياً 100 ألف دونم (الدونم ٢٥٠٠متر مربع)، من جراء التصحر، كما أن أزمة المياه تسببت بانخفاض الأراضي الزراعية إلى 50% على وفق تصريحات رسمية قبل أسابيع.

ووفقا لوزارة الزراعة، فإن مساحة الأراضي المزروعة بالقمح والشعير خلال عام 2022 تراجعت من 11 مليوناً و600 ألف دونم إلى أقل من 7 ملايين دونم، وهي أقل نسبة زراعة للمحصولين منذ سنوات طويلة، ولكنها ارتفعت في موسم ٢٠٢٣ بفعل الامطار.

وبحسب وزارة الزراعة العراقية فإن العراق خسر نحو مليوني دونم من الغطاء النباتي في الأعوام العشرة الماضية.

وكان رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، قد قال في آذار الماضي، أن سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي.

وأضاف أن التغيرات المناخية التي تمثلت بارتفاع معدلات درجات الحرارة، وشح الأمطار، وازدياد العواصف الغبارية، هددت الأمن الغذائي والصحي والبيئي والأمن المجتمعي، ودفعت بمئات الألوف للنزوح.

وأطلق العراق مبادرة كبرى لزراعة 5 ملايين شجرة ونخلة في عموم محافظات العراق، فيما كانت الحكومة – التي سبقت حكومة السوداني – قد صرحت بأن العراق بحاجة إلى نحو 14 مليار شجرة للحد من التصحر الذي وصل إلى مراحل متقدمة مع اندثار بساتين النخيل.

ووفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي” لعام 2019 فإن العراق سيكون أرضاً بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن تصل مياه النهرين إلى المصب النهائي في الخليج العربي.

 

 

ومؤشر الإجهاد المائي Water Stress Index هو مقياس لندرة كمية المياه العذبة المتجددة المتوفرة لكل شخص في كل عام من إجمالي الموارد المائية المتاحة لسكان المنطقة.

ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لجميع الاحتياجات، كحد ادنى في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنوياً، فيما يحتاج العراق إلى 70 مليار متر مكعب لتلبية احتياجاته.

و تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب.

ويكشف رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بغداد، آوكي لوتسما، أن العراق بلغ بين عامي 2021 و2022، مستوى قياسياً في الجفاف وارتفاع درجات الحرارة الشديد التي وصلت الى 54 درجة مئوية سُجلت في الجنوب.

ويضيف لوتسما، أن العراق يتلقى مياهاً أقل من قبل – من نحو 30 مليار متر مكعب في عام 1933 إلى نحو 9.5 مليار اليوم -، ومن المتوقع أن ينخفض نصيب الفرد من المياه إلى 479 متراً مكعباً بحلول عام 2030  وهو مقدار بعيد كل البعد عن معيار منظمة الصحة العالمية البالغ 1700 متر مكعب سنوياً، ما يهدد الأمن الغذائي والحياة والتنمية.

وكان العراق على وجه الخصوص الأكثر تضرراً من نقص المياه، إذ واجه في سنوات متتالية أزمات حادة في أجزاء متعددة من البلاد، بخاصة بسبب سد إيليسو الذي بُني في أعلى مجرى نهر دجلة في تركيا، وكذلك السدود التركية الأخرى التي بنيت على روافد أصغر، وايضا السدود الايرانية؛ لكن الجهود المبذولة للضغط على حكومتي تركيا وإيران لم يكن لها تأثير يذكر، الأمر الذي أدى فعلياً إلى تأخير المشكلة بدلا من معالجتها.

 

قد يعجبك ايضا