مصطفى حسين الفيلي
من رحم المعاناة تولد الأفلام، نعم. ولكن قبل أن تصل الحكاية إلى الشاشة، هناك طالب يقف وحيدًا خلف الكاميرا، يتأمل حلمه وهو يتلاشى بصمت بين نقص الدعم وضيق الإمكانيات.
في قسم السينما بكلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد، لا يقتصر الإبداع على الفكرة أو النص، بل يمتد إلى القدرة على الإنجاز في ظل انعدام ما يُفترض أنه أبسط مقومات العمل الأكاديمي. فكيف يُطلب من طالب إنتاج فيلم تخرج قصير دون أن يُمنح أدوات الإنتاج؟ لا كاميرا، لا صوت، لا أضاءة، لا تمويل. فقط طموح، وبعض مدخرات شخصية.
هل يُعقل أن يُكلف الطالب بمشروع فني متكامل لم يتلقَ خلال دراسته تدريبًا عمليًا كافيًا عليه؟ كيف يُقاس مستوى المخرج الشاب إن لم تُمنح له فرصة حقيقية للتجريب والخطأ والتعلم؟ هذا ليس مجرد خلل إداري، بل إهمال لمستقبل جيل كامل من الفنانين.
اللوم لا يقع على الكلية فقط، بل على سياسة تعليمية أشاحت بوجهها عن الفن، واعتبرته ترفًا لا ضرورة. في حين أن العالم المتقدم يدرك تمامًا أن السينما لم تعد مجرد وسيلة تسلية، بل أداة تغيير اجتماعي وفكري وثقافي.
العراق بلد القصص، بلد الألم والأمل، بلد التفاصيل التي تنتظر من يصوغها بلغة الصورة والصوت. لكن هذا لا يتحقق بلا بنية تحتية حقيقية، ولا بإلقاء الأعباء على كاهل الطلبة.
ما يحتاجه قسم السينما – وكل أقسام الفنون – ليس فقط تمويلاً، بل رؤية. رؤية تؤمن بأن دعم الإبداع هو استثمار في هوية الوطن ومستقبله، وأن طالب اليوم هو فنان الغد، وصانع صورة العراق للعالم.
السينما العراقية لن تنهض من المهرجانات وحدها، بل من قاعات الدرس، ومن يد الطالب المرتجفة على الكاميرا التي استعارها، لأن “الجهات المعنية لا توفّر”.