زيد سفوك
سياسة طمس الهويات
يعم الاستغراب بعض شعوب الشرق الأوسط حول مدى إدراك الشعب العراقي لخلفيات من يتحدثون باسمه ويصدرون القرارات نيابة عنه، وسادت مع الاستغراب تساؤلات كثيرة أهمها هل يدرك العراقيون من يقف وراء انهيار وطنهم ونهب ثرواته وامتلائه بالمخدرات والسلاح والميليشيات، هل يدركون أن عاصمتهم هي بغداد لكن القرارات تصدر من طهران؟
ربما لتوضيح الأمور أكثر لا يحتاج الأمر إلى التعمق في تجربة إقليم كردستان وشرحها، فالعراقيون سكنوا مختلف مدنه وهم على الدوام متنقلون بين محافظاته ويعيشون تفاصيل أمنه وازدهاره ومحبة شعبه، ويدركون جيداً أن إقليم كردستان بقيادته الكردية ضحى بالكثير في سبيل كرامته وأرضه ومبادئه لينعم بالسلام والحرية. لم تُسلم القيادة البارزانية مصير شعبها لأية دولة في العالم، مارست حقها الشرعي في أن تكون هي وشعبها جسدا واحدا متكاملا لبناء الحضارة والديمقراطية. وضعت تلك القيادة الكرد في صفحات التاريخ المشرقة، وقدمت للعراقيين كل خبرتها ودعمها ليكون العراق خاليا من الحروب والكراهية والعنصرية ويعيش بسلام وينعم بالحرية والرخاء.
وكما هو معلوم، ينتهج النظام الحاكم في إيران منذ أعوام عديدة سياسة طمس الهويات القومية والوطنية لشعوب الشرق الأوسط، إلى جانب سعيه الدؤوب لإخضاعها والسيطرة عليها وفق أجنداته، تماماً كما يحصل في العراق من خلال افتعاله لصراعات داخلية، بسط من خلالها سيطرته على فئات من الشعب العراقي وتلاعب بالدستور ووضع العراقيل أمام تنفيذ بنوده، وسيطر على المحكمة الاتحادية، ويعمل على أن تصبح المحكمة مؤسسة إيرانية لها دستور خاص بها تنفذ ما يصدر من طهران، ضاربا بعرض الحائط الدستور الفيدرالي للعراق وعدم الاعتراف به، واستغلال المكون الشيعي تحديداً وتجريده من هويته العربية ووطنه العراق، وإلزامه بتنفيذ أجندات إيرانية سواء بالمال السياسي أو التهديد، رغم أن شيعة إيران هم أنفسهم كانوا ضحايا النهج والفكر الطائفييْن لسياسة النظام الإيراني الحاكم طوال عقود.
الأمر لا يحتاج إلى التعمق في تجربة إقليم كردستان وشرحها، فالعراقيون سكنوا مختلف مدنه، ويدركون جيداً أن إقليم كردستان بقيادته الكردية ضحى بالكثير في سبيل كرامته وأرضه ومبادئه لينعم بالسلام والحرية
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث لجأ هذا النظام للتدخل مباشرة في الشؤون الداخلية لبعض الدول الإقليمية والدولية من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، ضارباً بعرض الحائط كل الأعراف والقوانين الدولية المتعلقة بالقيم والحريات والحقوق المشروعة للشعوب ومبادئ حقوق الإنسان، وحولها إلى ساحات لمعارك دموية، راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء من أبناء البلد الواحد، كانوا ضحايا القتل والتهجير والتشريد والفقر بالتزامن مع تدمير البنى التحتية والمرافق الحيوية.
في الحقيقة، إن لحظة مع الذات يحتاجها من تم التغرير بهم وتجنيدهم. قد تكون اللحظة كافية لكي يكتشفوا وبسهولة أن لا وجود لأي رابط قومي اجتماعي أو سياسي أو حتى إنساني مع ذلك النظام، وسيدركون أنهم ليسوا سوى أدوات رخيصة بيد سلطة تنتهج التطرف والعنف والكراهية، بحجة وذريعة الروابط الدينية والطائفية والمذهبية.
وبكل تأكيد يجب عليهم أن يسعوا جاهدين للتحرر من تلك العبودية والتبعية الفكرية والعصبية الطائفية. فالدين بجميع مذاهبه وطوائفه هو للسماء والإيمان بخالق الكون، أما الأرض فهي للعيش بحرية وكرامة والتمسك بالثوابت القومية والأخلاقية والإنسانية وبالمحبة.
يحاول النظام الإيراني السيطرة على العراق وإقليم كردستان وفرض هيمنته لابتزاز الولايات المتحدة والدول الأوروبية والعربية والمساومة وفق مصالحه وأجنداته، وبيع العراق متى شاء وكيفما أراد. ويشكل هذا الابتزاز تهديدا خطيرا لأمن شعوب الشرق الأوسط وشعوب أوروبا وأميركا، فهل سترضى الولايات المتحدة والدول الأوروبية والدول العربية بهذا المخطط الذي يهدد سيادتها وأمن شعوبها؟
هل حان الوقت لينتفض العراقيون بسنتهم وشيعتهم في وجه وكلاء إيران، ويستردوا كرامتهم ويحاسبوهم على ما ارتكبوه من مجازر ونهب وسرقة وتدمير وتهريب المخدرات والسلاح وتبييض الأموال على حساب العراق؟
ربما حان الوقت للحرية والعيش في أمان وتحقيق السلام للأجيال اللاحقة وهذا الأمر يستحق الوقوف واتخاذ مواقف ثابتة لأنهما الطريق الوحيد لضمان مستقبل مشرق