د. ابراهيم احمد سمو
في مسيرة الحياة، يبقى العمر مجرد رقم، لا يمثل قيمة حقيقية سوى في عقول من يخشونه. فالخوف من العمر ليس سوى وهم، والموت قريب لا محالة. أما التجاعيد، فهي ليست سوى علامات على رحلة الحياة التي نخوضها، ولا تعبر بالضرورة عن التقدم في السن بقدر ما ترمز إلى الخبرة والنضج.
الإنسان يأتي ويمر، وفي كل مرحلة يسجل هدفه من الحياة بين ما يأخذه منها وما يمنحه لها. في بداية الطريق، قد يقتصر ما نأخذه على البساطة، وربما على لقمة العيش المتواضعة. لكن ما نقدمه يمكن أن يكون أكبر بكثير: فكرٌ، قلمٌ، كتابٌ، أو حتى قناعات راسخة.
العمر والهوية الذاتية
يكمن المعنى الحقيقي للعمر في نظرة المجتمع للفرد؛ إذ تتشكل قيمة الإنسان عبر مراحل حياته وفقاً لمدى تأثيره في الآخرين. بعد بلوغ الثامنة عشرة، يتبلور الوعي بشكل أكثر وضوحاً، ويصبح الإنسان مسؤولاً عن خياراته. ومع ذلك، ينبغي أن تظل القناعة الشخصية هي المعيار الأساسي للرضا عن الذات.
في الكتابة، مثلاً، يهمني في القراءة الأولى بعد إتمام المقال مدى ثقتي بنفسي وقناعتي بأفكاري. بعد ذلك، أشاركها مع الآخرين دون خشية من تقبلهم أو رفضهم. فالكتابة ليست سبيلاً لإرضاء الجميع، بل وسيلة للتعبير عن الذات وتحفيز التفكير. لذلك، على الإنسان أن يؤمن بقدراته ويتجاوز مخاوفه، وألا يسمح للأعوام أن تستهلكه، بل عليه أن يكون هو من يستهلكها عبر استغلال كل لحظة بكل شغف وطموح.
العمر ليس عدواً
الأعوام لا تأكل الإنسان، بل هو من يلتهمها حينما يستغل كل مرحلة بعناية. كل عام يمر يجب أن يحظى باهتمام خاص، فلا يمكن للعمر أن يكون مرادفاً للجمود والخوف من التقاعد. بالعكس، عليه أن ينظر إلى كل مرحلة بوصفها فرصة جديدة لتجديد الطاقة واكتساب الحكمة.
مهما زادت التجاعيد وكبرت السنون، ينبغي للإنسان ألا يعتبرها إشارة إلى الانحدار، بل دليلاً على تراكم التجارب. والخطأ الفادح يكمن في ربط العمر بالانكفاء على الذات، والاكتفاء بالانتظار دون مبادرة.
الشغف.. رفيق الدرب الطويل
الشغف هو المفتاح الذي يمنح الحياة رونقها في جميع المراحل. ينبغي للإنسان أن يبقى متقداً، نابضاً بالحيوية مهما طال الزمن. ولا يجب أن يدع الروتين اليومي يأسره، بل عليه أن يبحث عن مصادر جديدة للطاقة النفسية والإيجابية.
يجب على الإنسان أن يتقن فن التكيف مع العمر، وأن يتعامل مع كل مرحلة بروح مختلفة وبجمال خاص. الاهتمام بالمظهر الخارجي، والبقاء في “كشخة” دائمة، والنظافة الشخصية، كلها تفاصيل تمنح الشعور بالرضا والثقة.
الإيجابية في مواجهة تحديات العمر
الإنسان الناجح هو من يستمر في الحفاظ على علاقاته الاجتماعية رغم تقدم العمر. الابتعاد عن الوحدة والعزلة ليس بالأمر السهل، ولكنه ضروري لتجنب الوقوع في فخ الكآبة والفراغ. قد يظن البعض أن الهدوء والانزواء سمة الكبار في السن، لكن ذلك ليس إلا استسلاماً لفكرة مغلوطة.
التواصل المستمر مع الآخرين، وتبادل الأفكار، وحتى مواجهة الاختلافات بمرونة، كلها عوامل تضمن للإنسان حياة حيوية. والمهم ألا ينظر إلى التقاعد بوصفه نهاية الطريق، بل محطة لإعادة اكتشاف الذات في مجالات جديدة.
العيش بكرامة وإبداع
الاستمرار في السعي وراء المعرفة هو أفضل طريقة لمواجهة تحديات العمر. القراءة، الكتابة، التعلم، وتجديد الشغف هي جميعها وسائل تمنع الشعور بالركود. وحتى حينما تكون الظروف معاكسة، فإن الحفاظ على النظرة الإيجابية يمكن أن يغير الكثير في واقع الإنسان.
لا يجب على الفرد أن يخاف من فقدان الرزق أو من التقدم في السن. بل عليه أن يحافظ على ثقته بنفسه، وأن يتأقلم مع التحولات برحابة صدر. وما العمر إلا فرصة للتأمل في التجارب السابقة، واستنباط الدروس منها دون أن نسمح لها بأن تقيد خطواتنا القادمة.
نحو مستقبل أكثر إشراقاً
التعامل مع العمر على أنه حليف لا خصم، هو بحد ذاته انتصار على الزمن. عندما يتوقف الإنسان عن التفكير السلبي في تقدم السن، ويبدأ في البحث عن الشغف في كل مرحلة، فإنه بذلك يتجاوز قيود الزمن.
لنمنح كل عام اهتماماً خاصاً، ولنحافظ على روح المغامرة والتفاؤل. فالحياة رحلة يجب أن نستمتع بكل لحظة فيها، وأن نترك خلفنا أثراً إيجابياً، ونظل قدوة تحتذى في مواجهة العمر بشجاعة وثقة.