ملا خليل مشختي… حين يتعانق الدين بالقومية في قصيدة واحدة

حيدر فليح الشمري .

في سفح جبال كردستان ، حيث تُزهر القصائد قبل الأزهار ، وُلد صوتٌ ارتدى العمامة ، لكنه لم يخلع رداء القصيدة ، كان ( ملا خليل مشختي ) ابنًا لمدرسةٍ لا ترى الشعر ترفًا ، بل طريقًا يُعبَّد بالحروف نحو الهوية والعقيدة .
كان صوته الكردي حادًا ، كأنه صدى صخرةٍ تتكلم بلسان الوطن ، لكن هذا الصدى لم يكن مجرّد نشيدٍ قومي ، بل كان يُجلجل بروحٍ متدينة ، تقرأ الله في لون العَلم ، وتبتهل عند أبواب المساجد كما تبكي على أطلال القرى المحترقة .
في ديوانه ، تتجاور آيات القرآن مع حنين الجبال ، تسبح القصائد بين التهليل لله والتمجيد للأرض ، فلا تدري أهو شاعر وطنٍ أم داعية حق .؟
بل لعله كلاهما .
لقد خاطب قومه كما يخاطب الإمامُ المصلين ، وبثّ فيهم الحماسة كما يُبثّ الأمل في قلوب اليائسين .
يقول:
“ئەی کورد! گەورەییەکە دەسەڵاتت نییە
بەڵام خۆت بزان کە ڕەگەزت پاکە”

( أيها الكردي ! ليس لك سلطان
لكن اعلمْ أن معدنك طاهر )

لم تكن قوافيه صدى معارك فقط ، بل كانت مناجاة… مزيجًا بين التضرع إلى السماء والالتصاق بالتراب ، يذكّرك شعره بأن الإيمان لا يُنافي الثورة ، وأن الدفاع عن الهوية ليس خصامًا مع القداسة ، بل امتدادٌ لها .
ويخاطب قومه قائلاً :
“ئێمە مۆمەنینین، بەڕۆژی خوای گەورە
خاک و ئیمان لە دڵەکەمان تێکەڵ بوون”

( نحن مؤمنون ، بنور الله العظيم
امتزج التراب والإيمان في قلوبنا )
لقد وحّد ملا خليل مشختي ، جناحي الطائر الكردي ، الدين والقومية ، وجعل من الشعر جسراً لا يفصل بين الله والوطن ، بل يربط بينهما… بحبرٍ لا يجف ، ونداءٍ لا يُنسى .

قد يعجبك ايضا