” من أجل شراكة عادلة في وطن حر “

ماهين شيخاني

قراءة في رسالة الرئيس مسعود بارزاني إلى مؤتمر وحدة الصف الكوردي في قامشلو.

في توقيت بالغ الحساسية، داخليًا وإقليميًا، جاءت رسالة الرئيس مسعود بارزاني إلى مؤتمر وحدة الصف الكوردي المنعقد في مدينة قامشلو في السادس والعشرين من نيسان 2025، كموقف سياسي متزن يوازن بين التطلعات القومية والواقع السوري المركب، مؤكدةً على أولوية العمل الجماعي، ووحدة الخطاب، والسعي لحل سلمي يحفظ حقوق الكورد ضمن وطن سوري ديمقراطي.

لقد خاطب الرئيس مسعود بارزاني الحاضرين بلهجة المسؤولية التاريخية، داعياً إلى بلورة مشروع وطني كوردي موحّد، يشكل رافعة لحل عادل ومستدام للقضية الكوردية في سوريا، ويؤسس لشراكة حقيقية مع بقية مكونات المجتمع السوري، دون تفريط بالحقوق ولا قطيعة مع الواقع السياسي.

أهمية المؤتمر: فرصة لا تُهدر
المؤتمر الذي التأم في مدينة قامشلو لا يمثل مجرد اجتماع تقليدي، بل محطة مفصلية على طريق بناء مرجعية سياسية جامعة للكورد السوريين، بعد سنوات من التشتت والانقسام، وسلسلة طويلة من الإخفاقات في بناء موقف موحّد يعكس مكانة وتضحيات هذا الشعب. وهنا تكتسب رسالة الرئيس مسعود بارزاني وزنها، باعتبارها دعوة صريحة للخروج من دوائر الخلافات الثانوية إلى ميدان الفعل السياسي الجامع.

من التهميش إلى الحضور السياسي الفاعل

ذكّر الرئيس بالحقائق المرة التي عاشها الكورد في سوريا، من تهميش وإنكار وإقصاء، مؤكدًا أن التغيرات الجارية في المشهد السوري تفتح نافذة ثمينة لا بد من استثمارها. لكن، كما أشار في رسالته، فإن هذه الفرصة لا معنى لها بدون موقف موحد، وخطاب سياسي ناضج، وحوار مسؤول مع دمشق من خلال وفد كوردي جامع، يمثل مختلف التوجهات لا بتعددها بل بوحدتها.

خيار النضال السلمي: نهج استراتيجي
في وقت تتعدد فيه الرهانات على الحلول العسكرية والتدخلات الخارجية، كان تأكيد الرئيس على النضال الديمقراطي والسلمي بمثابة تثبيت لنهج طويل الأمد، يعزز الحضور السياسي للكورد دون مزالق المكاسب الظرفية أو الانجرار إلى صراعات لا تخدم القضية. فالتجربة السورية أثبتت أن السلم الأهلي والعدالة الانتقالية والمشاركة الحقيقية هي ما يضمن ديمومة أي حل، وليس منطق الغلبة العسكرية.

سوريا لكل أبنائها: لا كوردستان معزولة ولا دولة طوائف

ليست القضية الكوردية بمعزل عن المسألة السورية برمتها، وهنا يتقاطع الخطاب الكوردي العقلاني مع طموحات شعبية واسعة لبناء سوريا جديدة، مدنية، تعددية، تشاركية. في هذا السياق، دعا الرئيس إلى دستور جديد يعيد الاعتبار للعدالة والمواطنة، ويكفل حقوق كل المكونات، بما فيها الشعب الكوردي، على أساس من الشراكة والاحترام المتبادل لا الإقصاء.

التحدي المقبل: من الخطاب إلى التطبيق

أهمية الخطاب وحدها لا تكفي، ما لم تقترن بخطوات سياسية وتنظيمية ملموسة على الأرض. ومن هنا، فإن المأمول من القوى الكوردية أن تترجم هذه الرؤية إلى تحالف سياسي واضح، يتحدث بلسان واحد، ويملك أدوات الحوار والضغط، دون الارتهان للقوى الإقليمية أو التفكك الداخلي الذي أضر بالقضية أكثر من أي خصم خارجي.

ختاماً
ليست رسالة الرئيس بارزاني بيان دعم رمزيًا لمؤتمر سياسي، بل هي خطاب موجه لجيل كامل، يحمّله مسؤولية تاريخية تجاه مستقبل شعبه ووطنه. فالوحدة لم تعد خيارًا أخلاقيًا فقط، بل باتت شرطًا واقعيًا للوجود، والاستمرار، والتأثير. إن مستقبل الكورد في سوريا لن يُكتب بمفردهم، لكنهم إن لم يتوحدوا، فلن يكون لهم قلم في كتابته.

قد يعجبك ايضا