قصة الفرج قريب

الاعلامي والاديب حسن العكيلي

بعد ساعات طويلة من الوقوف في ساحة عمال البناء ومعاناتي وانا اركض يمينا وشمالا مع جموع العمال الذين يتمنون ان يحضوا بيوم عمل ليسدوا بما يحصلوا عليه من اجر رمق اطفالهم الجوعى وبعد جملة من الجولات الفاشلة والصراعات مع من هم اصغر مني سنا- والقادرين على الركض والمناورة بشكل عجيب- لعلهم يفوزون بقبول ورضا صاحب العمل باءت كل محاولاتي بالخيبة والخذلان – فجلست على رصيف الشارع- وعيناي تنظر الى الشمس التي راحت ترتفع سريعا الى كبد السماء- كم تمنيت ان تتوقف الشمس لتراوح في مكانها حتى يرزقني الله بيوم عمل – فارتفاعها المريع يعني العودة الى القلق والحزن الفظيع ونظرات اطفالي الذين يحدقون الى يدي الفارغة بحسرة
عدت الى داري متعبا اسحب باقدامي المتعبتين والتي انهكها كثرة الوقوف من الانتظار اللامجدي ولساعات طويلة
فتحت الباب بهدوء وحذر شديدين كي لا اثير انتباه ابنتي الصغيرة التي تعودت ان تنتظرني امام عتبة باب الدار وهي فرحة بمقدمي .وسعيدة بما تحصل عليه من عطايا
عندما تناولت وجبة غدائي كانت صغيرتي تجلس الى جانبي وتنظر الي بشغف ليس له حدود فقد تعودت ان اعطيها شيئا من النقود لتشتري به مايعجبها من الدكان
انتظرت طويلا وعيناها لاتفارق وجهي فمدت يدها بحنو لتضعها فوق يدي ولكن من دون فائدة . فالجيب الفارغ رمح يوخز بنصله الجارح خاصرتي فيدميها ويشعل النار في روحي التي ادمنت على الارق والسباخ
حينها تسمرت في مكاني كمصاب بالشلل الرباعي فرحت العن الحال الذي طوق عنقي بالفقر والعوز وعدم تلبية ابسط احتياجات ابنتي
لطالما لعنت الوضع البائس الذي جعلني لا استطيع اعطاء وحيدتي ربع دينار
لاشك ان هذا الحال يؤلمها كثيرا. ويؤلمني اكثر عندما تخبرني بلسانها ان اباء بنات الجيران لايتوانون في تلبية طلبات اولادهم وبناتهم البتة
فعندما احست ان لافائدة من توسلات عينيها وجلوسها الطويل بقربي تركتني وذهبت الى غرفة نومها لتندس في فراشها مكسورة الخاطر وماهي الا دقائق معدودة حتى استسلمت الى النوم
العودة من المسطر من دون عمل هزيمة نكراء وفشل ذريع يترك اثره النفسي وبشكل مباشر على نفسية الابوين. فعندما يهاجم غول الجوع المتمرد بطون الاطفال لايصمدون وسينهارون سريعا كسد متصدع الجنبات
وسيبكون طويلا وباصوات مسموعة تدمي القلوب
رن جرس الموبايل فركضت صوب غرفتي لاعرف من المتصل وعندما اقتربت من ابنتي فوجدتها نائمة. ولازالت دموعها طرية تبلل اجزاءا واسعة من خدها الرقيق حينها لعنت حضي العاثر وقسوة الايام التي التفت على عنقي كثعبان ضخم كجبل حصاروست وقيدت يداي بأغلال العوز والفاقة مسحت دموعها بيداي وصوت المتصل يصيح الو الو
فتحت الخط على صاحب الرقم المجهول واذا به واحد من اعز اصدقائي الذي وعدني بايجاد فرصة عمل اعتاش منها انا وعائلتي .سلمت عليه وتبادلنا اطراف الحديث . حينها احسست ان كلامه الهادئ معي يحمل الخير والبشارة لي . وفعلا طلب مني الحضور فورا الى المقهى الخاص بتواجد المقاولين والاسطوات بمختلف صنوف اعمالهم. وذلك لاتفاقه مع احد الاشخاص على بناء بيته (كرسته وعمل)
كانت فرحتي لاتوصف تمنيت ان اطير كالعصافير بعيدا عن الازدحامات التي تشل الحركة وتربك المواعيد
ارتديت ملابسي على عجالة . قبلت جبين ابنتي ووعدتها بتحقيق كافة طلباتها واخبرتها ان الخير قادم لان الله سبحانه لايترك احدا من عباده الا واطعمه

قد يعجبك ايضا