د. نزار الربيعي
إن مما يميز الدين الإسلامي أنه دين متكامل، فهو يقدم تصوراً كاملاً للحياة، ويجعل من الحياة الدنيوية والأخروية، والجسد والروح، وحدة لا تنفك، فالبناء الحضاري في الإسلام بناء كامل وشامل، وإنجاز مادي محكوم بالقيم العليا التي يُقررها الإسلام، فالحضارة الإسلامية هي حضارة العلم والإيمان، تستهدف الرقي بالإنسان من جميع الجوانب: الجانب الروحي، والمادي، والعقلي، لكي ينمو نمواً كاملاً، وأي خلل في أي جانب من الجوانب يؤدي إلى تمزق الإنسان، وحيرته، وتشتته، ومن هنا نقول إن التخلف عن الإسلام هو تخلف في جميع مناحي الحياة، ونشأت من التخلف العقدي “كل ألوان التخلف التي أصابت العالم الإسلامي: التخلف العلمي، والحضاري، والاقتصادي، والحربي، والفكري، والثقافي، وقد تختلف النسبة بين العوامل المختلفة التي أدت إلى التخلف العقدي في تأثيرها في كل نوع من أنواع التخلف… ولكنها موجودة في مجموعها، وعاملة في كل مجال من مجالات التخلف التي ترتبت أصلاً على التخلف العقدي، واستمدت منه”، وهذه الحقيقة أشار إليها كثير من العلماء، إذاً فالغياب الحضاري، أو الأزمة الحضارية التي تعاني منها الأمة المسلمة اليوم هي أزمة فكر أولاً وقبل كل شيء، لأن العقل المسلم قد توقف عن العطاء، حتى انتهينا إلى هذا الغياب الحضاري.
الإيمان في بناء الحضارة الإنسانية ومن هنا يمكن الاستنتاج ان القرآن الكريم مستودع لقوانين وسنن ربانية في قيام الحضارات واندثارها،الأمة الإسلامية باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ففيها بذرة الديمومة والبقاء، والإصلاح الذاتي،الإيمان الحق يحقق عوامل تكوين الحضارة الإنسانية و الإيمان الحق يصنع الإنسان الصالح ليبني الحضارة الإنسانية السامية وان الشخصية الإنسانية السوية لا تتكون إلا من خلال الإيمان الصحيح، سواء نظرنا في ذلك إلى معاني الحياة التي يقدمها الإيمان، أو إلى تحقيق طموح العقل، أو الاستجابة إلى أشواق، الأمن والأمان شرطان ضروريان لبناء الحضارة الإنسانية، والإيمان يحقق الأمان والطمأنينة بما يحقق من اطمئنان داخلي، وبما جاء به من تشريع يحقق الأمن و سعة موارد الرزق سبب من أسباب ازدهار الحضارة، وشح الموارد أحد أسباب انهيارها، فبالإيمان الصادق يفتح الله لعباده المؤمنين بركات السماء والأرض و الإيمان يورث المعرفة الصحيحة، لأنه يورث في القلب نوراً، ويدعو إلى إعمال العقل في تضاعيف السماوات والأرض.
و من السمات البارزة للحضارة الإسلامية أنها حضارة إنسانية سامية، إنها حضارة العلم والإيمان، ولم ترتق إلى هذا السمو حضارة أخرى.